mardi 26 juillet 2011

ماذا يحدث في بلادنا اليوم ... وكيف نتصدّى له ؟






    لنتّفق قبل كلّ شيء، وقبل البدء بأيّ تحليل، أنّ بلادنا تمر بوضع في غاية الدقّة، وأنّنا كلّنا، دون استثناء أيّ طرف كان، حكومة وهيئات عليا وأحزاب سياسيّة بغثّها وسمينها ومنظّمات مدنيّة وكلّ أفراد المجتمع، كلنا معنيّون من قريب أو من بعيد بما يحدث في بلادنا اليوم.

   إننا نمر بمرحلة تاريخيّة بكل ما يحمله اللّفظ من معاني، أي أنّ التاريخ يسجّل ما نعيشه اليوم من أحداث. وأنّ هذه الأحداث وما سوف تتخذه من منحى ستكون حتما محددا، و لعقود قادمة، لمصير البلاد التونسيّة.

  إنّ فرنسا لا زالت تسير اليوم على المنهج الذي رسمه مفكّروها منذ القرن السابع عشر، و ما خططه سياسيّوها منذ القرن الثامن عشر أمثال روبيسبيير ودانتون ومارا، وغيرهم من الذين اكتووا بلظى الثورة الفرنسيّة المتأجّجة نيرانها ، والتي أصبحت لاحقا نبراسا تهتدي بنوره الوضّاء، كل مناضلي البلدان المستعمرة والمناضلين في سبيل تحرير أوطانهم.

    لذا ينبغي أن يكون لدينا شعور حاد ووعي عميق بدقّة المرحلة التي نعيش، لأنّها ستكون المحدد للمنهج الذي ستسير على دربه البلاد، وسينعم في ظلّه شباب اليوم وأبناؤهم وبنوهم من بعدهم، بثمار الثورة التي فجّروا.

  ولأجل ذلك يتحتّم علينا طرح أسئلة، نردفها بب حث عن حلول تعالج الأوضاع بأسرع ما يكون. لأنّ الاقتصار على طرح الأسئلة فحسب لم يعد كافيا، رغم ما لطرح السؤال من أهميّة في حد ذاتها باعتباره يؤدي إلى نصف الحل. يقول الأطبّاء أنّ وعي المريض بحقيقة علّته هو الخطوة الأولى على درب شفائه.

  إنّ أهمّ سؤال تفرضه الأحداث التي تمر بها بلادنا اليوم هو التالي:

  1. من المسؤول عن التوتّر الذي عمّ شوارعنا أيّام 15 و 16 و 17 جويلية 2011؟

  أحداث عنف، يقال أنّها نتجت عن تدخّل رجال الأمن لتفريق "مسيرة سلميّة" لم يتحصّل منظّموها على ترخيص مسبق من المصالح المختصّة.
ويتولّد عن السؤال الذي طرح، أسئلة فرعيّة من بينها:
- متى كان التونسيون، إذا ما قرّروا الخروج إلى الشارع للتعبير عن موقف ما تجاه حدث معيّن ، يسعون إلى الحصول على رخصة للقيام بذلك، خلال الخمسين سنة الأخيرة ، اللّهم إلاّ إذا كان التجمع الدستوري الديمقراطي هو المنظم والمشرف والمحدد لمسار التظاهرة إيّاها؟

صحيح أنّ القوانين تلزم بذلك. لكن هل تريد وزارة الدفاع إلزام التونسيّين بإتباع تلك القوانين بين ليلة وضحاها، وإن لم يستجيبوا فالعصا الغليظة لمن عصى، بينما استباح نظامان سابقين كل ما تحرمه القوانين دون إذن أو تصريح من قبل أجهزة الأمن. بل انّ هذه الأجهزة ذاتها اختارت الوقوف إلى جانب النظام إلى حد جعل أكثر الأسئلة التي ترددها ألسنة المواطنين هو السؤال التالي: هل أنّ أجهزة الأمن في خدمة الشعب أم هي في خدمة من استباح الأعراف والقوانين؟
ولهذا السؤال ما يبرره. الأمثلة على ذلك تكاد لا تحصى ولا تعد، ومنها على سبيل الذكر:

  • تدخل البوليس بعنف شديد لقمع مظاهرات الطلبة بمدينة تونس أواخر سنة 1971.

  • تعقبه اليساريين منذ بداية السبعينات تعقبا لم يخل من أشرس أصناف العنف، وسجنه العديد من الطلبة، فقضي على مستقبل العديد منهم الذين انقطعوا عن الدراسة، والذين اتخذوا من مقهى L'univers بشارع بورقيبة بقلب العاصمة ملجأ لهم ، وتمكنت أقليّة منهم أن تهاجر لتمم دراستها في الخارج. ومنهم اليوم الكثير من قادة الأحزاب السياسية وأمنائها العامين.

  ولا زالت زنزانات سجون برج الرومي والهوارب والحبس الجديد ( الذي مسح من على سطح الأرض منذ بضع سنوات)، تردد صدى أنين طلبة من خيرة شباب تونس، تفنّن السّاديّون من معذّبي وزارة الداخليّة Les tortionnaires في إذاقتهم شتّى صنوف التعذيب في دهاليز الوزارة، ولا زالوا يجوبون شوارع العاصمة كأنّ شيئا لم يكن، ينعمون بتقاعد مريح جدّا جدّا.

    • تصدّيه للحركات النقابيّة منذ 1975، وخاصة في 1978، وتلفيقه للمنظمة العمّالية تهما انتهت بسجن أمينها العام وتأسيس نقابة " الشرفاء " الموازية لنقابة وطنيّة ساهمت في تحرير البلاد وقدّمت من أجل ذلك قرابين من خيرة رجالاتها.

    • وقوفه في وجه من انبرى يدافع عن الخبز اليومي للمواطن في أحداث جانفي 1984، وقتله بالرصاص مواطنين أبرياء وغير مسلّحين ونجهل إلى اليوم عددهم!

  فكيف يمكن لشعب اختزن في ذاكرته كل هذه العداوة التي يواجهه بها البوليس، كيف له أن يرسي بكلّ بساطة ، وبجرّة قلم ، وبين ليلة وصبحها، أن يرسي علاقة حبّ بينه وبين جهاز أمن ليس في نظره غير جهاز قمع وتعدّ على الحريّات العامّة، واقتناء حاجات بدون مقابل وبكل banditisme ، معتبرا أن البلاد هو حاكمها الفعلي، إلى حد أنّه أصبح يطلق عليه إسم " الحاكم ".

  اسألوا العطّارة والخضّارة والحوّاته والجزّارة، في أي حيّ من أحياء البلاد تريدون، وستقفون على حقائق يعرفها الخاص والعام، اسألوا، يا مسؤولين إن كنتم لا تعلمون، ولا أخالكم لا تعلمون!

  هل يدفع أعوان الأمن من الذين يملكون سيارات خاصّة معلوم الجولان في الطريق العام La vignette؟ وكم يكلّف ذلك وزارة الماليّة من خسائر؟

  هذه حقائق يعرفها المسؤولون عن الأجهزة الأمنيّة حقّ المعرفة، ومع ذلك يطالبون المواطنين بإرساء علاقات ثقة مع رجال الأمن.

شرطي يبكي وهو محمول على الأعناق في مظاهرات في يوم 21 جانفي
 المصدر
    http://shr.tn/3dd7
  لهم الحقّ في ذلك. لا يمكننا التقدم بغير علاقات ثقة ترسى بين كل الأطراف، بشرط أن يعتذر الجهاز لكل من ظلم من المواطنين، وأن يلتزم بمعاملة الشعب على أسس احترام حقوقه .


§         كيف تصرف رجال الأمن إزاء معتصمي " القصبة 3 "؟

قارنوا شهادات الموقوفين بتصريحات أعوان الأمن.

§     - كيف تصرف جهاز البوليس إزاء الصحفيين للمرة الثانية في غضون شهرين( بعد أحداث شارع بورقيبة في شهر ماي الماضي على إثر تصريحات وزير الداخلية وقتئذ القاضي فرحات الراجحي).

أمّا السؤال الثاني فهو :

  1. كيف استخف سي الباجي بالعمل الصحفي من خلال تصرّفه مع صحفيّة القناة الوطنيّة ، 1 علما وأنّه لا يختلف اثنان في أهميّة العمل الصحفي ودوره في تبليغ صوت المواطن للمسؤولين، والتعبير عن مشاغلهم التي تقض مضجعهم من غلاء فاحش لأسعار المواد الغذائيّة، إلى ما يأتيه مؤسسو وأمناء الأحزاب السياسية " الفقاعيّة" من تغيير للحقائق والظهور بمظهر من كان نقيّ السوابق ، نظيف السلوك، خال من كلّ شائبة، أمثال التجمّعيين الذين بعثوا أحزابا سياسيّة عديدة ، فيكونوا قد خرجوا بذلك من الباب ليدخلوا من الشبابيك، أو الذين اشتغلوا السنين الطوال تحت إمرة ابن علي في وزارة الداخليّة وكان بعضهم يمثل ذراعه اليمنى ، وانخرطوا اليوم كرؤساء أحزاب سياسية في التنديد بالنظام البنعليلي. وقديما سأل أحدهم مرافقه بقوله: متى نصبح من الأشراف؟ فأجابه: بعد موت كبار الحيّ.

  لكن التاريخ لا يموت، لا ينتقل إلى الرفيق الأعلى بوفاة كبار الحومة، إنّه الشاهد الوحيد الموثوق بشهادته على سلوك بني البشر.
  مهما يكن من أمر علينا أن نعي بأنّ البلاد بلادنا، ليس لنا من البلدان غيرها، ونحن بها متمسّكون. قال شاعر الثورة محمد الصغير أولاد أحمد: ولو قتّلونا... ولو شرّدونا... لعدنا غزاة لهذا البلد...

  فلنتق الله في هذا البلد. ولنحاول، كلّ من منطلقه أن نخفّف الوطء على أرضه الطيبة، وأن نتعامل مع بعضنا البعض بروح التحابب والتسامح، ولنطو صفحة الماضي الحزين، فالتاريخ وحده سيتكفّل به.

  نحن اليوم أمام وضع دقيق. علينا أن نحسن التعامل معه.
لذا فإنّي أقترح ما يلي:

  • تعليق كل أشكال الاعتصام والإضرابات ووضع حد لتعطيل حركة المرور في الطرقات السيارة وتأجيل الاحتجاجات من قبل كلّ المتظلّمين.

  • تغيّر سلوك رجال الأمن تجاه المواطنين تغييرا ملموسا بما يساعد على إرساء مناخ من الثقة، قد يتدعّم بمرور الوقت ، فتتحسّن بذلك العلاقة بين الشعب وجهاز دقيق لا غنى لنا عنه البتّة خاصة إذا ما كان في خدمة الشعب حقّا.

  • ترك اللجان التي عهدنا إليها بالدفاع عن أهداف الثورة، وبمعالجة الفساد وتقصّي الحقائق، تركها تعمل في هدوء لإنجاز ما أنيط بعهدتها، والتوقف حالا عن انتقادها
    والتشكيك في كفاءة ومؤهلات أعضائها وفي شرعيّتها.



  • إقبال المواطنين بكثافة على تسجيل أسمائهم في القائمات الانتخابية ، إذ لا يعقل أن نشاهد هذا التباطىء في التسجيل بدعوى حجج غير مقنعة. إنّ الإنتخاب واجب وطنيّ حرمتنا منه الأنظمة السابقة في مناسبات عدّة،  أرسلوا فيها بطاقات لآبائنا وأمهاتنا المتوفّين منذ عقود وأهملوا حقّ الأحياء منه. فلا سبيل اليوم إلى التخلّي عن حق قدّم الشباب الأغر حياتهم قرابين لننعم به.


  • انتظار موعد الانتخابات في نهاية شهر أكتوبر بكل ما في عبارة السلوك المدني والحضاري من معاني عميقة.

  • قيام الأحزاب السياسية بدورها الوطني الذي تحتمه المرحلة، واجتناب اللّغة الازدواجية التي أصبحت تميّز بعض الأطراف السياسية، وطرح برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، والكف عن الثرثرة العقيمة في قضايا هامشيّة، لا تقدّمنا بل تشدنا إلى الخلف .

أليس من العبث أن نتطارح الأفكار في قضايا حسم فيها القول منذ حوالي أربع عشرة قرن؟؟؟

إنّ ما ينتظرنا أكثر أهميّة مما انقرض وفات .

إنّ الأهميّة للمستقبل. مستقبل شباب الثورة ومستقبل أبنائنا وبنينا.

إنّ أبناءنا وأحفادنا لن يغفروا لنا وقتا ثمينا قد نكون أضعناه في مسائل هامشيّة، كما لم نغفر نحن اليوم لأجدادنا ما أضاعوه من مجد ورثوه بدورهم عن أجدادهم وفشلوا في تدعيمه وإثرائه أو حتّى مجرد المحافظة على ما ورثوه من مكتسبات.

سيحاسبنا الشباب الذي أنجز ثورة كنا من مشاهديها فقط،. سيحاسبنا على ما ائتمننا عليه، سيحاسبنا عن مصير ثورته. وستكون محاسبته لنا، إن أخفقنا لا قدر اللّه في التوافق حول رسم مستقبل زاهر لبلادنا، محاسبة عسيرة. 

فحذار، حذار، حذار، ولنركز على الأهم قبل المهمّ. ولنتق اللّه في هذا الوطن. وليكن اللّه وليّ توفيقنا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire