سلسلة من الأحداث عاشتها بلادنا منذ الثورة، وبرز على السطح ما كان نائما من سلوك "سلفي ّ" تمظهر في :
- خلع أئمّة بعض المساجد بدعوى انتمائهم إلى التجمع الدستوري الديمقراطي، وتعويضهم بأئمّة شبان ينتمي أغلبهم إلى ما يسمى بتيّار"أنصار الشريعة".
- ظهور متزايد تزايدا ملفتا لفتيات متحجّبات، وأصبحنا نرى من حين لأخر بعض المنقبات مصحوبات بأزواجهن وتتجوّلن في شوارع العاصمة، وفي الفضاءات التجاريّة، في نفس الوقت الذي نشاهد فيه فتيات أخريات سافرات، ترتدين ثيابا "خفيفة"، خاصة وأن طقس هذه الأيام في تونس شديد الحرارة إلى حد الاختناق.
- منع بعض النسوة من السباحة في البحر بلباس السباحة العادي، بدعوى أنّه لا يليق للمرأة أن تنزل إلى البحر بلباس"عاري" بينما يسمح للرجل أن يسبح بتبان يصل إلى ركبتيه، لكن يبقى باقي جسده عاريا !
- عزوف بعض الشبان عن حلق ذقونهم، وإطلاق لحيّهم، وتنافسهم على إطالتها باعتبارها رمز تقوى؟
- الهجوم على قاعة السينما أفريكا آرت ، قبل عرض فيلم "لا إلاه ولا سيدي"، للمخرجة نادية الفاني بدعوى أنّه يمسّ من من عقيدة المسلمين وفيه اعتداء على الذات الإلهية.
- اعتداء عدد من السلفيين على بعض المحامين أمام قصر العدالة ومطالبتهم بالإفراج عن أصدقائهم الذين الذين كانوا سيحاكمون يومها.
- عقد السلفيين ندوة صحفيّة يوم 2 جويلية 2011 في ضاحية وادي الليل، غرب تونس العاصمة أفتتحها عياض المنكبي ومن أهم ما جاء فيها :
· الإعلان بصريح العبارة عن تيار "أنصار الشريعة".
· تقديم أنفسهم على أنّهم يتكلّمون باسم الشعب.
· الدعوة للتصدي لكل ما يمسّ من مقدسات الشعب ويستهدف الإسلام.
· نفي أي تنسيق مع حزب النهضة وحزب التحرير الإسلامي، بشكل رسمي.
· الاعتراف بعقد لقاءات غير رسميّة مع تيارات دينية للتشاور حول بعض المسائل انطلاقا من علاقات الأخوّة.
· اعتبار أن الإسلام يتضمن كل شيء، العبادة والسياسة.
· عدم الاعتراف بالقوانين الوضعية.
· رفض تقديم أي مطلب للانتظام، على أساس أنّه لا يطلب ترخيص من حكومة عميلة وضد الدين، وأن طلب الترخيص لا يكون إلاّ من اللّه.
· التكلم في الدين فقط وترك السياسة للحكومة و "الأحزاب الكرتونيّة".
يبرز مما سبق أن هذا التيار السلفي لم يحدد بعد بالدقة اللازمة اتجاهه وملامحه وبرنامجه وطريقة عمله وإستراتيجيته ومخططاته، أي ببساطة لم يقدم برنامج عمله. بل طغى على أفكاره التذبذب والضبابية وحتى التناقض.
الأدلة على ذلك عديدة منها :
o يدعي الشيء ونقيضه في ذات الآن : يترك السياسة للسياسيين، وفي نفس الوقت يدعي أن الإسلام يتضمن كل شيء، العبادة والسياسة.
o ينفي أي تنسيق سياسي مع حزبي النهضة والتحرير، ويعترف بعقد اجتماعات للتحاور بشكل غير رسمي؟
o اعتبار السلفيين أنفسهم متكلمين باسم الشعب (ماذا بيّ يبعثولي نسخة من PROCURATION اللّى عطاهالهم الشعب(! ويدعون إلى خروج النّاس لنصرة دين اللّه ورسول اللّه.
o الرفض صراحة الانضواء تحت أي تنظيم وتحت أي قانون وضعي مما يخلق مناخا من الفوضى والخروج عن القانون المهدد لأمن البلاد والعباد.
o عدم اعترافهم بالحكومة المؤقتة واعتبارها عميلة وتعمل ضد الدين.
o تقديم أنفسهم كأشخاص مكلفين بمهمّة حماية المقدسات، علما وأن اللّه عزّ وعلا يخاطب من خلق الكون من أجله، عندما أظهر شيئا من التشدد بقوله تعالى : لست عليهم بمسيطر.
انطلاقا مما ورد في الندوة الصحفيّة (لم يحضرها سوى ممثل لجريدة واحدة) والذي قدمت تلخيصا له أعلاه، أسمح لنفسي بطرح بعض الأسئلة على إخواني السلفيين، إخواني في الدين والوطنيّة والإنسانيّة، لنساهم كل من موقعه في جعل الرؤية أكثر وضوحا، ولإلقاء مزيد من الأضواء على الساحة "الكلاميّة" في تونس اليوم. على أن هذه الأسئلة لا تستثني اليمين واليسار والوسط.
أوّل سؤال إطار هو التالي : ما هو الأساسي؟ وماهو الهامشي أو الثانوي في تونس اليوم؟
هل أن الشعب التونسي الذي خرج من نصف قرن من التعتيم الإعلامي والسياسي ، في حاجة إلى كلّ كل هذا الجدال السياسوي؟
هل أن الهم الأكبر للمواطن التونسي اليوم هو نقاشات الفصل 15 من قانون الانتخاب؟ أو كم بلغ ثمن الكيلوغرام من الفلفل الحلو 1600 مي أم 2000 مي ونحن في عز الصيف؟
هل أنّ المشغل الأوّل للتونسي اليوم هو نقد فيلم أم الاستعداد لمواجهة صيف يتطلب تسخير كل ما يملك لمجابهة مصاريف شهر رمضان تليه مصاريف عيد الفطر ثم العودة المدرسية، ولما تصل الزيادة في الأجور بعد في حين ارتفعت الأسعار ارتفاعا خياليّا كأنّما ليس في البلاد لارقيب ولا حسيب!
هل أن مشكلة الشباب التونسي خاصة منه أولئك الذين تجاوزوا العشرين من عمرهم، ويعيشون أنواعا عدة من الكبت، السياسي الذي ألجم الأفواه سنين طويلة، ولعلّه سائر إلى الزّوال، والجنسي الذي لا حلّ له في ظل المغريات والمثيرات المتنوعة، والتي لا يجد معها سبيلا إلى إشباع حاجة بيولوجيّة كحاجته إلى الهواء الذي تستنشقه خياشيمه (عندما أتحدث عن الشباب فإنّي أعني الإناث كما الذكور، لا فرق عندي البتّة بين الجنسين إلا بما فرقت بينهما الطبيعة فزيولوجيا وبيولوجيّا. ألم يخلقنا اللّه من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، لذا فإنّ الزوج لا يختلف عن الزوج الآخر)...
هل أنّ مشكلته اليوم هي نوع الحكم الذي نرتضيه لتونس (وهي إشكاليّة على درجة كبيرة من الأهمية باعتبارها ستحدد مصير البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي لعدّة عقود من الزمن)، أم مشكلة بناء حياة عائليّة مستقرة وآمنة بأقل ما يمكن من تكاليف لا معنى لها، والتخلّص من عادات وتقاليد اجتماعية مكبّلة وما أنزل اللّه بها من سلطان، وكم تسبّب التمسّك بها بشدّة في زرع عقد نفسية في شخصيّات أبنائنا وبناتنا، عقد هزّت توازنهم هزّا عنيفا فطفق البعض منهم في محاولة تجاوزها، يرتمي في أحضان التطرف (رياضيّا وجهويا ودينيا) لإفراغ طاقة لم يجد لها متنفّسا. وقليل منهم من التزم الاعتدال. فكانت النتيجة فئات شبابيّة وافرة العدد أخذت تتناحر بشكل غير مباشر (بدءا بالملاعب الرياضيّة)، لكن من يضمن لي أنّ شوارعنا لن تشهد صراعا مباشرا من فئات متضاربة في تطرفها وتحسن الأطراف السياسيّة استغلالها لغاية في نفس يعقوب؟ ولئن نزل السلفيّون بالأمس إلى الشوارع محاولين إعاقة عرض فيلم سينمائي ومنع محاكمة رفاق لهم أذنبوا في حق "الحرية الثقافية" (والثقافة حريّة أو لا تكون)، فما الذي يمنع غدا خروج اليساريّين أو المجاهرين بإلحادهم إلى الشوارع بدورهم لمنع استعمال مضخمات الصوت في المساجد؟
حذاري و حذاري ثمّ وحذاري من الدخول في متاهات هذه اللّعبة القذرة.
علينا أن نحذر مثل هذه التصرفات وذلك بالسماح لكلّ الأطراف، مهما اختلفت مشاربها، السماح لها بالتعبير عن آرائها في مناخ من الاعتدال والتسامح وقبول الطرف الآخر.
لا يمكن لهذا البلد أن ينجح إلاّ إذا سلكنا هذه الطريق.
إنّ كلّ تطرّف من أي طرف كان ليس سوى محاولة لصبّ الزيت على النار، لأنّ تطرفا من الجانب المقابل سيعقبه.
إنّ نار التطرّف إذا اشتعلت فإنّها تأتي على الأخضر قبل اليابس، وتخرج منها كل الأطراف خاسرة.
هذا ما لا نرتضي لبلادنا .
هذا ما لا نرتضي لوطن علّم الإنسانيّة التقرّب إلى القوى الغيبيّة وعبادتها. علّم الإنسان مناجاة ربّه. وعلّم الإنسانيّة رسم الكلمات بالحروف، فأدخل منطقة المغرب العربي كلّها إلى التّاريخ وأخرجها من "ظلمات" ما قبل التاريخ.
هذه تونس بين أيديكم .
كونوا في مستوى الأمانة.
يا شبابا أمينا، أثبت علوّ همّته، وشدة عزمه، وقدرته الفائقة على كنس قوى الردّة والفساد والتكالب على المصلحة الخاصّة.
يا شبابا واجه بنادق فيالق دافعت عن مصالح الماسكين بمراكز النفوذ (ولم تتساءل عناصرها يوما ذلك السؤال الوجودي البسيط جدّا وهو في خدمة من هم؟) بصدور عارية.
يا شبابا ضحّى بمئات من عناصره وهي في ربيع العمر ذابت لتنير ربيع تونس، هل ترضون اليوم بأن تتحوّل قضاياكم الأساسيّة إلى قضايا مهمّشة وتعوّض بما لا يدفعكم نحو الغد الأفضل؟
تونس بين أيديكم، أنتم بناتها، أنتم ضماناتها للمستقبل.
كما تريدونها ستكون .
فكيف تريدونها ؟؟؟
أتريدونها بلدا مستنيرا متفتّحا على العلوم منصهرا في المدنيّة، ينعم فيه كل فرد بحقوقه كاملة غير منقوصة، وملتزما بواجباته وساعيا إلى خدمة البلاد والعباد، في مناخ من الاحترام المتبادل بين كل متساكنيه، دون أن يسعى أي كان إلى فرض أي شيء على غيره مغتصبا بذلك حريّته في الاختيار؟
بلد مواكب للتطورات التي يشهدها العالم في كلّ لحظة، ومساهما في دفع الإنسانيّة إلى الأمام لتحقيق سعادة من كلّفه اللّه بخلافته في الأرض.
أم تريدون بلدا تغصب فيه حقوق الإنسان. ويجبر فيه المواطن على الصمت الرهيب بدعوى أن معارضة أولي الأمر من الكبائر كما تزعم الملالي في بلد شقيق؟
أتريدون بلدا يسلك مسالك مضت عليها قرون وإن صلحت في زمانها فهل يعني ذلك أنها صالحة للتطبيق اليوم؟
ألم يشر الرسول إلى التحري في تربية الأبناء، وعدم تقليد الأساليب التربويّة القديمة بحذافيرها لأنّ أبناءنا جعلوا لكي يعيشوا في زمان غير زماننا الذي ربينا فيه بطريقة ما؟
أليست هذه رسالة نبويّة في غاية البيداغوجيّة؟
(هل نهملها للتمسك بضرورة تقديم الرجل اليمنى عند الدخول إلى مكان ما؟ أو الأكل ضرورة باليد اليمنى حتى لا يأكل الشيطان معنا!!! لكن هنا أجد ني شخصيّا في مشكلة عويصة ذلك أن أحد ابني أعسر فهل لي الحق في إكراهه على استعمال يده اليمنى للأكل؟ ألم يخلقه اللّه أعسرا؟ فكيف أتطاول على إرادة ربّي ؟ في الحقيقة لست مستعدا للإقدام على فعلة كهذه لأني أخشى خالقي وأجلّه.)
أتريدون بلدا تجبر فيه الفتاة على القبول بزوج في سن أبيها كما يحدث ذلك في بلد العم صالح؟
أتريدون بلدا ليس فيه للمرأة حق في استخراج بطاقة هوية (بطاقة تعريف قوميّة)؟ وليس لها الحق في اختيار من يحكمها؟ وبالتالي فهي مشيّأة، تعامل كشيء؟
لا أرتضي هذا لأمي ولأختي ولابنتي فكيف أرتضيه لنصف أمّتي التي قال فيها باب مدينة العلم، علي بن أبي طالب :
"المرأة نصف المجتمع، والنصف الآخر يتربى بين أحضانها". ألم يبوئها مكانة أفضل من مكانة الرجل (دون أن ندخل في التفضيل)، ألم يحملها مسؤولية ثلاثة أرباع المجتمع؟
أليست هي التي تعانى آلام الحمل والوضع والرضاعة والاعتناء والتغذية والتطبيب والتربية والسهر على حسن السلوك والاستقامة لننشأ في أحسن حالة؟
أليست المرأة من تقوم بكل هذا؟
أهكذا نجازي من جعلها اللّه ضمان استمرارية حياة الإنسان في هذا الكون؟
يا اللّه ما أكفر الرجل!
إنه يلتحي ويتظاهر بإتباع سنة النبىء ويؤم المساجد ويقيم الصلوات في أوقاتها، لكنّه لا يأتمر بأوامر باريه، بل يأتمر- عن غير وعي ربما – إلاّ بأوامر أنانيّته الرجاليّة.
أتريدون بلدا يسمح فيه للرجل بكل شيء ولا يسمح فيه للمرأة إلاّ بالقليل القليل من الحقوق التي يمن بها الرجل عليها؟
أليست المرأة مساوية للرجل؟
إن تونس الغد التي أحلم بها هي تونس العدالة والمساواة، والحقوق والأخلاق، والاستقامة والحرية لكل مواطن في التعبير عما يختلج في أعماقه، تونس الإبداع والخلق والاكتشاف والعلم الاجتهاد والتجديد، واحترام الآخر في مناخ من الاعتدال والحب الكبير والعطاء لهذا الوطن الذي تنفّسنا هواءه وارتوينا من مائه الزلال ، وتمتعنا بشمسه ، وتلذّذنا جمال سمائه في أروع ربيع على وجه البسيطة .
هذه تونس، تونسنا التي نريد، لا تطرّف فيها ولا مغالاة، لا صراع ولا مشاحنات، لا اختلافات تفسد للود قضيّة، بل خلافات نخوض في دروبها بعقلانيّة ورصانة وقوّة حجة لا حجة قوة تستند إلى العضلات.
هل تشاطرونني الرأي ؟
نقشه :
في إحدى الليالي الصيفيّة من سبعينات القرن الماضي، كنت راجعا إلى البيت ، إثر سهرة من سهرات مهرجان قرطاج الدولي صحبة أحد أصدقائي من مصر، فلفت انتباهه نظافة الشوارع ونشاط أعوان البلدية في رفع الفضلات المنزليّة بكل دقة وتفاني، ولم يجد حرجا في التعبير عن إعجابه بما شاهد، فأجبت هذه هي تونس، وهي دائما هكذا، منذ عهد الفينيقيين الذين حرصوا كل الحرص على تجهيز منازلهم بحمامات خاصة دليل على التشدد في النظافة. علق على ذلك بقوله أن نفس الشيء لوحظ في عهد الفراعنة في مصر أم الدنيا. أجبته: صحيح ما تقول لكن في رأيي إن كانت مصر أم الدنيا فتونس أبوها! فبهت الذي كفر.
تلاميذي (وهم بالآلاف) يذكرون هذا القول عنّي.
ويعيش يعيش باعث القناة... ولولاه لما كانت .... حياة
ويعيش يعيش ........... سيّد الأسيـــــــــــــــــــــــاد.
وهاو رجعنا للستينات, لموضة الستينات.
وكسكسلو ................ يرجع لأصلو
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire