vendredi 14 juin 2013

*من هنا نبدأ


إن اللّه لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
( سورة الرعد، الآية 11 )
" لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله "
( حديث )

لا يخفى اليوم على من يملك بذرة من بصيرة، خطورة الوضع الذي نعيش بعد حوالي سنتين ونصف من ثورة الكرامة التي لم يُحقق من أهدافها سوى حريّة التعبير والتي كثيرا ما سقطت في " مستنقع فوضى التعبير "...
ولعل أبرز مظاهر هذا الخطر، احتداد ظاهرة العنف المُسلّح الذي تحصّن مُمارسوه في الأيام الأخيرة بجبل الشعانبي فيما يبدو أن زعيمهم المُفتّش عنه منذ واقعة جامع الفتح،  بقي في العاصمة يصدر رسائله للحكومة ويرى أنّها  تستعجل المعركة  ...
هذا العنف بات يهدد مجتمعنا في أدق تفاصيل الحياة اليوميّة، لذا يتحتم مُواجهته لا بذات السلاح، أي العنف المُسلّح ، بل باجتهاد كل الأطراف السياسية، ومُشاركة كل من يهمه شأن هذا الوطن، والتوافق على حزمة من إجراءات عاجلة تطبّق على الفور، وأخرى آجلة لما يتطلّب ضبطها من دراسة مُعمّقة لأنّها تتعلق بصير البلاد لعُقود قادمة ...





1) الإجراءات العاجلة
   هي جملة من الإجراءات أهمها في رأيي :
 نشر الاستقرار بإعادة الأمن إلى الشّارع ومنه إلى نفوس المتساكنين، وذلك بوضع حد للعنف بجميع أشكاله، بدأ باللفظي منه والذي يُروّج التخوين والتكفير، ووصولا إلى تطهير الجبال من العبوات الناسفة، ورفع الفضلات المكدسة في شوارع المدن.

 التوقف عن غض النظر عن خطاب التشدد الديني وعن استقدام دعاة يفرخون لنا فيالق المتشددين المكفرين بشرعيّة الدولة.
  
 إزالة الاحتقان الاجتماعي وإعلان  هدنة اجتماعية، تقوم فيها المنظمات الشغيلة بإقناع العمال بحتميّة التعليق المؤقت  للإضرابات والاحتجاجات العنيفة وللمظاهرات الفوضويّة وللاعتصامات الوحشيّة ولقطع الطرق ولتعطيل تنقل البشر والبضائع حتى وإن لم تكن تلك  المنظمات طرفا في أغلبها.

 مزيد الحزم في مراقبة الحدود الترابية والبحرية مع تشريك المواطنين في ذلك بجعلهم طرفا في استراتيجية الدفاع عن المصالح الوطنية العليا.

 الانكباب بأكثر جديّة على مُعالجة مشاكل الغذاء والفقر والتشغيل والتغطية الصحيّة وتذليل الفوارق الجهويّة على مستوى التنمية، بتعصير البنية التحتيّة في المناطق النّائية عن التجمعات العمرانية الكبرى وتشريك السلطات الجهوية في أخذ القرار، مما يبعث الطمأنينة في نفوس السكان ويُشعرهم بأن الحكومة جادة في مساعيها للاستجابة لمشاغلهم حتى وإن كانت تلك الحكومة مؤقتة.

 مُراجعة السياسة الجبائيّة و بما يُضفي عليها صبغة العدالة، وذلك بالقضاء أكثر ما يمكن على ظاهرة التهرب الجبائي، وبتدعيم روح التكافل الاجتماعي بين مُكوّنات المُجتمع.

هذه في رأيي بعض الإجراءات العاجلة التي بها يمكن الشروع في عمليّة إنقاذ البلاد وفي إعطاء المعنى الحقيقي لمفهوم الوحدة الوطنيّة، على ألاّ تبقى معزولة عن بقية الإجراءات في مجالات أخرى، بل لا بد، إذا أردناها مضمونة النتائج، أن تتنزّل ضمن استراتيجية يتكامل فيها الأمني مع الواقعي مع السياسي مع الثقافي ومع الاقتصادي، يُحلّيها خطاب عقلاني يستند إلى القدرة على أخذ القرار الحازم في الوقت اللاّزم، قرار لا يُهمل أيّ شكل من أشكال العنف، ولا يعتبر مواقف المُعارضة تهويلا وسعيا إلى تعطيل أعمال الحكومة، وينأى قدر المستطاع عن الأنانيّة السياسية والحسابات الحزبية والفئويّة الضيقة الساعية إلى استغلال مصاعب الحكومة لابتزازها والحصول على مكاسب ومواقع جديدة على المسرح السياسي.



2) الإجراءات الآجلة
تتطلب وقتا من التفكير المعمّق لتحقيق تشاركيّة كل الأطراف سواء منها الفاعلة فعلا مُباشرا في الحياة السياسيّة، أو تلك المُنضوية تحت غطاء المجتمع المدني وكذلك  المنظمات العماليّة والثقافيّة والفنيّة وغيرها من المنظمات الأخرى، وأهم هذه الإجراءات:

 إعادة الاعتبار لقيمة العمل وجعلها في مقدمة جدول القيم التي تنهل من روح الثورة لغرسها في وعي ولا وعي المواطن التونسي، بدأ بالناشئة في كل درجات المؤسسات التربويّة وصولا إلى العمّال في المصانع والموظفين في الإدارات العمومية وحتّى الخاصة، ولدى أصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة والكبرى. على كل هذه الأطراف الفاعلة في جهاز الإنتاج أن تضع قيمة العمل نصب أعيُنها وأن تجعله أسّ إيمانها. أليس العمل ضرب من ضروب حب الوطن؟ أليس حب الوطن من الإيمان؟
لا خير إذا في حبّ للوطن يكون خاليا من السعي والجد والكد لتحقيق مناعته وتدعيم قدراته، ويكون خاليا من عقد أبنائه العزم على تجويد مردودهم وتقديم المصلحة العامة على المصلحة 
الخاصة.

 التفكير في انجاز ثورة ثقافية تعيد النظر في موروثنا الثقافي وتتناوله بالدراسات النقدية، لتفرز غثه من سمينه، وتقدمه لنا في نسخة متحركة لا جامدة متأقلمة مع متطلبات عصرنا الذي نعيش لا مع مُتطلبات عصر يعود بنا القهقرى ويُبرزنا في مظهر من تجاوزته الأحداث والتطلّعات المستقبليّة. ثورة تقطع نهائيّا مع الرداءة والمحسوبيّة و تدبير الرأس مهما كانت الوسائل، وتضع حدا لسياسة دز تخطف .

 إعادة النظر في المنظومة التعليميّة إذ لا إصلاح اقتصادي واجتماعي وسياسي لا يقوم على إصلاح مناهج وطرق التعليم وذلك بالتخلي عن الأسلوب التلقيني المعتمد على النقل، ووضع بديل له يقوم على العقل وعلى استفزاز المُتلقي  ودفعه ومُرافقته مُرافقة ذكيّة ليُحسن التفكير والتدبّر حتّى يُدرك الحقيقة العلميّة ومنها يساهم في دفعها وتجويدها بالابتكاروالاختراع والاكتشاف،  والانتقال من درجة المستهلك لما تبتكره الأمم الأخرى إلى درجة المُنتج للتكنولوجيا، درجة المتبوع لا التابع، فيكون بذلك  جديرا بحمله صفة الإنسان الذي كرّمه اللّه على بقيّة الكائنات وتحدى من أجله ابليس والملائكة.

 مراجعة طرق الإمتحانات والتخلي عن الإرتقاء الآلي وعن إسعافات مجالس الأقسام واعتماد الجدارة والكفاءة و التأسيس لثقافة الجد والكد وبذل الجهد و إقناع أبنائنا بأن لا نجاح بدون عمل.
وعسى أن يكون لهذه الإقتراحات صدى عند من يهمّه الشّأن الوطني.


*إسم كتاب لعلي عبد الرازق شيخ الأزهر الذي اطرد من منصبه بعد كتابه أصول الحكم في الإسلام  

lundi 3 juin 2013

فكر حركة النهضة والدستور


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
سورة المائدة 105  

﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُوْنَنَّ مِنَ الْجَاهِلِيْنَ﴾.
سورة الأنعام 35

المصدر : أنيس شلبي : فايسبوك
http://www.facebook.com/ledessindujourAnisChelbi


   لا يُشكّل الدستور اليوم حجر الزاوية في الفكر السياسي لقادة حزب حركة النهضة، على عكس أغلب التيّارات السّياسيّة الأخرى، التي تعتبرُه العُنصر الأهمّ لتركيز حياة سياسيّة جديرة بمن فجّر ثورة ضد الطُغيان والاستبداد والقهر والحرمان والبطالة ليسترجع كرامة أهدرها نظام موغل في الجهل والأنانيّة، لأنّ ما يُشغلُهم ويُشغل عُملائهم من السلفيين، مهما اختلفت مشاربُهم وتفرّعاتهم بين علميّة وإصلاحيّة ودعويّة وجهاديّة ... إنّما هو السّيطرة المُحكمة على البلاد. تلك هي بلا مواربة إحدى الأثافي الأساسيّة للفكر النّهضوي ...
وضعُ اليد على كل مفاصل الدولة ودواليبها هي أولويّةُ الأولويّات عندهُم بعد أن منحهم " القدر " فرصة الارتقاء إلى دفّة حُكم لم  يكُن أكثرُ زُعمائهم تفاؤُلا يحلُم بالاقتراب منه حتّى، على الأقل في الآجل المنظور ...
لذا، والوضعُ على ما هو عليه، فلا سبيل إلى التخلّي عن حُكم لم يُشاركوا في الإطاحة بما سبقه مُشاركة مُباشرة، ولم يُشاهدوا  بين المُتظاهرين في شوارع مُختلف المُدن التونسيّة من تالة إلى القصرين إلى فريانة إلى منزل بوزيّان إلى صفاقس وُصولا إلى العاصمة، ومُرورا قبل ذلك بالحوض المنجمي سنة 2008، حيثُ بدأت تتهيّأ مُمهّدات ثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي 2011، وبعاصمة الحضارة القبصيّة العريقة قديما ، وعاصمة المناجم حاليّا، ذات الرصيد النضالي التاريخي، والتي كانت معقلا للمُعارضة اليوسفيّة في خضمّ الفتنة التي وضعت جناحي الحزب الحر الدستوري التونسي وجها لوجه،  إزاء موقف كل منهما من الاستقلال الداخلي، ثم معقلا للنضال العمّالي- اليساري ضد النظامين السّابقين، و ما زالت تنهل من تراثها الاحتجاجي لتغذي رفضها البنّاء والإيجابي لكل انحراف عن المسار الثوري، رفض هو أُسّ الثقافة الاحتجاجية المُنغرسة في أعماق سكّانها 
الصامدين في وجه كل أشكال الضيم، الاجتماعي منه تحديدا ...

تونس ديمة صامدة : قرطاجنة : فايسبوك
https://www.facebook.com/Carthagina 

وعليه فإنّ المشغل الأساسي ، والرهان الأشد تعقيدا في الفكر النهضوي اليوم، هو التغلغُلُ داخل النسيج المُجتمعي، ليتمكّن  حزب حركة النّهضة من استقطاب أكثر ما يُمكن من المُؤيّدين لأطروحته، في انتظار الانتخابات التي هو من يهيئ ظروف إنجازها ويُحدد تاريخها، ليضمن الفوز بها بأغلبيّة ساحقة لا أغلبيّة مُريحة.
 هذه الخُطوة الضروريّة الأولى، أمّا الخُطوة الثانية فهي التسرّب إلى دواليب الإدارة للتحكّم في أدقّ دقائق هياكلها وللتمكّن من القوانين لتطبيق ما يخدم مصالحه منها وتجميد ما يتضاربُ معها...
   وإذا كان الدستور في شرع العُقلاء يحظى بعُلويّته على كل القوانين الأخرى، وأنّ النقاشات حول فُصوله على قدر من الأهميّة وتتطلّبُ كل الجُهد واليقظة والإحاطة بكل الجزئيّات والمهنيّة من قبل المُختصّين في القانون الدستوري قبل السياسيين، فهو ثانوي الأهميّة في الفكر السياسي النهضوي، ولا تكمُن أهميّته إلاّ في مقدار ما يسمحُ بتمطيط النقاشات وإثارة الإشكاليّات المُتعلّقة بهويّة الدولة وبمدنيّتها وبتكميل المرأة للرجل ...
   لمسنا ذلك من أحاديث زعيم حركة النهضة وقائدها الروحي راشد الغنّوشي التي تسرّبت في مُناسبة أولى عند حديثه مع أحد قادة السلفيّة الوهابيّة، البشير بن حسن، والذي جاء فيه ما يلي:
" القانون يا سيّدي يُفسّرُه القويّ، إذا كنّا أقوياء سنُفسّر هذا القانون(مجلّة الأحوال الشخصيّة )، سنُقصي منه أشياء وندعُ أشياء، المهمّ أن نُثبّت الوُجود الإسلامي في هذه الابلاد."
أمّا المُناسبة الثانية، فكانت حديثُه مع بعض قيادات السلفيّة إذ دعاهم فيه إلى:
" التريّث حتّى يتمكّن الإسلاميّون من السيطرة على مفاصل الدولة... حينها تُصبح الدساتير والقوانين أمرا شكليّا..."
لذا فإنّي أرى أنّ الدستور وما يدور حولهُ من نقاشات هو لُعبة حزب حركة النّهضة لتحويل وجهة الشعب ونُخبه عمّا يدور في الكواليس الإداريّة من تعيينات تبدأ من العمدة لتنتهي عند الوالي ومُرورا بالمُديرين وبالرؤساء المديرين العامين المُشرفين على المُؤسّسات العُموميّة بما يضمنُ التحكّم في الإدارة بقبضة من حديد.
والحقيقة أن كلّ ما يحدُث منذ أن أسفرت انتخابات 23 أكتوبر  2011عن نتائجها لا يدعو إلى الاستغراب لأنّه نابع من عُمق الفكر النهضوي سليلُ الفكر الإخواني، ذلك أنّ الإخوان المسلمين كحركة أسّسها حسن البنا ( 1906-1949) في مدينة الإسكندريّة سنة 1928، والمُلقّب بين أنصاره ب" الإمام الشهيد "، هي حركة دعويّة سلفيّة، وطريقة سُنيّة، وجماعة إصلاحيّة تفهم الإسلام فهما شاملا حسب ما ورد في مضمون رسالة المُؤتمر الخامس لمُؤسس الحركة. وهي حركة فكريّة لا تُؤمنُ بالديمُقراطيّة، التي يراها الأب الروحي للسيد راشد الغنّوشي، أبو العلاء المودودي(1903-1979)
" تأليه للإنسان "، ويراها خليفة أسامة بن لادن، أيمن الظواهري" دين وضعي كافر ". كما أنها لا تُؤمنُ بالبرلمانات التي تُشرّعُ للناس فتجعلُ نفسها بذلك ندا للمُشرّع الأكبر وهو اللّه وشريكا لهُ في رُبوبيّته، وتضعُ بذلك نفسها موضع الخالق تعالى بينما التّشريع لا يكون إلاّ للّه ، والحُكم له وحدهُ، حسب ما يراه السيد قطب (1906-1966).

حسن البنا


لا غرابة إذا أن تجعل حركة النهضة من مُداولات الدستور ملهاة وأمرا ثانويّا،  مُقارنة بمراكز اهتمام أخرى تحرص على إيلائها كل جهدها لتتمكّن من التحكّم في البلاد، ولا يُقلقُها كثيرا طولُ المُناقشات حول فُصول مُسودة الدستور ما لم تتهيّأ بعدُ الظروف التي تضمن تأبيدها لمُراقبة مراكز القرار في البلاد عبر:
- تركيز شبكة اجتماعيّة قويّة في العُمق التونسي تُعتبر القوافل التضامُنيّة والطبيّة أحد أدواتها.
- نشر ثقافة استُخرجت من الكُتب القديمة،  تنبعثُ منها روائح الانغلاق والجهل والتكلّس الفكري،  تكفّل دُعاة استضافوهم من بُلدان لا تعتبر المرأة فيها كائنا كامل الحُقوق والواجبات، ولا يُسمحُ لها باستخراج بطاقة هويّة أو بقيادة سيّارة، بنشر فكرهم السلفي.
-  السيطرة على لآلاف المساجد بتنصيب أئمّة مُوالين لهم يمرّرون خطابا مشحونا تكفيرا وشيطنة لمن لا يشاطرونهم الرأي من المُثقّفين والإعلاميين والمسرحيّين، بلغ حد التحريض على القتل الذي كان الحقوقي شكري بلعيد أحد ضحاياه.
- الاعتماد على أذرعة تُروّج العُنف والإرهاب لكل من يُخالف الطرح النّهضوي، تُمثّلُها " لجان حماية الثورة ".
وهكذا فإنّ حركة النهضة لا تعترف بما اتفقت أغلب الأمم على اعتباره المنظومة الأكثر عدلا لتنظيم المجتمعات وتسيير شُؤونها ، وهي الدساتير التي تضمن حقوق وواجبات الجميع بدون استثناء، وتعترف  فقط  بما تراه من خلال قراءة أحاديّة للموروث الديني المُشترك، تُجبر الآخرين على اتباعه تحت التهديد بتكفيرهم وبإهدار دمائهم. إن هذا ليس بغريب على من شعارُه: تنظير فتكفير فتفجير... وللّه في خلقه شُؤُون...