mercredi 20 septembre 2017

كيف نرنو إلى النجاة - جزء ٣

 بعد محاولة التحليل التاريخي-ديني-سياسي لوضع العرب المسلمين في الجزء الأول والثاني، نستهل هنا إقتراح البدائل 

واليوم،  وانطلاقا من وضع الضعف الذي صرنا إليه، و من استهانة الآخرين بنا،  ندعو إلى تحوّل المسلمُ إلى مُؤمن متبصّر، مُنفتحة أعيُنه على عصره وعلى الآخرين من بني جنسه، في عالم تحول إلى كوكب معلوماتي تترابطُ عناصره ترابطا وثيقا، رغم عدم تجانُسها،  لتشكل نمطا موحدا في كل المجالات. وان يساهم بدوره في البناء الحضاري للإنسانية، لا أن يواصل القيام بدور سلبي شبيه إلى حد بعيد، بدور الطفيليّات  النباتية  التي تعيش عالة على  نظيراته...
نُريده أن يرفض المذاهب والأيديولوجيّات المُحرّضة على مختلف أشكال العنف، ونشر للكراهيّة بين النّاس، ومُعاداة المعتقدات الأخرى، وتكفير أصحابها، وسبيهم لبيعهم لاحقا في أسواق النخاسة كعبيد وجواري...
ونُريده أن يتنكّر لكل أشكال الشعوذة والعرافة والسّحر المُرادفة للفقر الثقافي ولضعف الإيمان ولخلل في  التركيبة النفسيّة  ...
نريده ان يتبنى المنهج العقلاني، لتكون أحكامه متّزنة ، مبنيّة على القانون والمنطق والأخلاق، وعلى حب الخير للآخر مهما اختلف معه،  بشرط الآ يُشرّع للعنف وألا يتبنى منهج التكفير ... وأن ينخرط في مناخ مُفعم بالتفكير والنقاش والبحث والحوار دون كوابح أو شروط مسبقة ...
ونريد أن تكون الحرية المُرتكز الأساسي لكل جدال حول مسائل خلافية بين المتشددين دينا وبين دعاة التحرر من غطرسة السلفية، أي بين المُتشددين أو الأصوليين وبين العلمانيين، وفي مقدمة تلك المسائل علاقة الدين بالدولة وامتزاج الديني بالسياسي، وهي في الحقيقة مسألة خلافية وليست دينيّة حتّمتها فترة تاريخية مُعيّنة امتزجت فيها القيادة الروحيّة بالقيادة السياسيّة في زمن الرسول، واجتهدت قريش في السقيفة وبكل قواها في إدامتها بدعوى انتساب الرسول إليها ، حتى غدا حُكم المسلمين وراثيا منذ العهدالأموي ، ثم العبّاسي، واقترن بالفقهاء لإستصدار الفتاوي المكرّسة لسلطتهم، دون أن يعني ذلك إسلاميّة نظام الحُكم ...

مسلم القرن الواحد والعشرين مبدع و ملهم مثل نايف المطوع
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%80_99
  
نريد من مسلم القرن الواحد والعشرين  تبني المفاهيم والمبادئ التي روّج لها الفكر الحر ضد الظلم والقهر والإستبداد، وضد كل ما يتعارض مع العقل البشري ومع حقوق الإنسان أينما كان من حريّة وتسامح وتكافل وتضامن ومساواة أمام القانون ...
ونريده أن يتخلّص ممّن يدعي في الدين علما، ليكون حرّا وفاعلا في الكون، مُعبّرا بحريّة مطلقة عما يفكّر فيه، مُثمّنا دور العقل الذي هو"أعدلُ الأشياء قسمة بين النّاس" ...
ولا نُريده أن يكون مؤمنا مُتشددا مُتعصّبا مٌتقوقعا، سابحا في حدود فكره المُنغلق أصلا، مُنعزلا عن التيارات الفكريّة الأخرى، ساعيا إلى تكفير أصحابها وداعيا إلى إزاحتهم من مُدوّنة الفكر الإنساني، مُحرّضا على إيذائهم بكلّ الأشكال، عوضا أن  يعمل بالمبدا القائل"إن قناعات غيري، مهما تناقضت مع قناعاتي،، لا تقل قيمة عن قناعاتي" ...
نُريده أن يكون مقتنعا بالتطوّر، لأن التطوّر هو حركة التاريخ ومُحرّكه الأساسي. والتطوّرهو صيرورة هذا الكون الرافض للجمود وللتوقف في ذات المكان وذات الزمان ... ولأن كل من يتسلّح بمفهوم وبادراك لا يتغيّران ولا يُدخل في اعتباره البعد التاريخي والجغرافي، أي بُعدي الزمان والمكان، وكذلك البعد الثقافي والإجتماعي والبيئي والإقتصادي والسياسي وكل ما له علاقة بالموروثين المادي واللامادي من عادات وتقاليد وأعراف ومفاهيم ونمط عيش، يكون بعيد البعد عن حقيقة الأشياء ويجد نفسه على هامش التاريخ ...


نريده ان يعمل بقولة الإمام ابن عرفة
 "إن النظر إلى النصوص دون النظر إلى أحوال الزمان والمكان هو ضلال وتضليل"

mercredi 13 septembre 2017

كيف نرنو إلى النجاة - جزء ٢

في التدوينتين السابقتين، طرحنا اسئلة حول تخلفنا، ثم ركزنا على العلاقة بين الديني والسياسي. هنا، نذكر كيف اقفلنا على أنفسنا أبواب التفكر    

ولقد دعّم الإمام أبو حامد الغزالي موقف الإمام الشافعي وعاضد جهده في دعم السلف الصالح، منكرا التيار التجديدي للفكر الإسلامي ومُعارضا كل جهد عقلاني هبّت به نسائم فكر ابن رُشد، مما أوصد الأبواب أمام الفكر الحرّ والنير الذي أضحى تُهمة يُدان صاحبه ويُكفّر ويُهدرُ دمُه، بداعي الإختلاف الذي عوضا ان يكون رحمة، تحوّل إلى بدعة،  وإلى فتنة، ثم إلى  ضلالة مصيرُها ان تُلقى في نار حامية"حفاظا على وحدة الأمة".
وهكذا توقّف  التيّار  العقلاني أو كاد، وصار التفسير النقلي المُستند إلى الآثار المنقولة عن السلف، أي المُعتمد على الصحابة والتابعين هو الطاغي، فيما أصبح التفسير الراجع إلى اللسان في معرفة اللغة والآداب والبلاغة، وفي تأدية المعنى بحسب المقاصد والأساليب وباعتماد العقل في التدبّر محلّ إتهام كما عبر عن ذلك عبد الرحمان بن خلدون في المقدمة.

وكانت النتيجة أن وقف التقليد في الأمصار عند الأئمة الأربعة، إمــام أهل الحجاز و دار الهجرة مالك ابن أنس، وإمــام أهل الرأي أحمد بن حنبل، والإمــام الشافعي صاحب كتاب الأم، والإمــام أبو حنيفة النعمان.

" وسدّ الناسُ باب الخلاف، وطُرقه لمّا كثر من الإصطلاحات في العلوم.ولما عاق من الوصول إلى رتبة الإجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله، ومن لا يوثق برأيه ودينه، فصرّحوا بالعجز والإعواز، وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء ... ولم يبق إلا نقلُ مذاهبهم ...
ومُدّعي الإجتهاد لهذا العهد مردود منكوص على عقبه مهجور تقليدهُ، وقد صار أهل 
الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة ..."

هذا ما كتبه ابن خلدون في المقدمة، فصل في الفقه وما يتبعه من الفرائض.

في المقابل بدأ الغرب "الكافر"، ومنذ منتصف القرن الثامن عشر، ينفض عن نفسه غُبار الجهل المُتراكم عبر
 القرون، وينظر بعين الناقد إلى دور الدين الذي كان مُكبّلا للأيادي،  ومُسيطرا على جل أنشطة الحياة. وأدرك مفكروه أن رجال الكنيسة  يستخدمون الدين ذريعة ليفعلوا ما يشاؤون وليُقسّموا المجتمع إلى ملل ونحل وشيع،  لا بدافع من رغبة صادقة للوصول إلى الحقيقة، لأن هذه الرغبة النبيلة في حد ذاتها تؤدي إلى الطيبة والتسامح والتضامن والتآخي ، بل بدافع المسك بزمام السلطة والتحكّم في رقاب النّاس وإخضاعهم لمشيئة صاحب الأمر والنهي. 
  
وانطلاقا من ذلك وُجّهت أصابعُ الإتّهام إلى المكفّرين من رجال الدين ، واعتُبروا دُعاة فتنة، يُحرّضون الناس على أفكار وكتابات من يُخالفهم الرّأي، و من مُثيري الشغب الحقيقيين الرافضين للعيش في مناخ يسوده التفكير 
وحريّة التعبير.


وشكّل القرن الثامن عشر بعد ذلك انتفاضة الفكر الحر وأطلقت عليه تسمية"عصر الأنوار" وأصبح منطلقا لخروج الإنسان من حالة الخُنوع التي لازمته قرونا طويلة، ومُبشّرا بانبلاج عصر جديد، عصر الإنفتاح والحريّة والتسامُح والإستناد إلى  أثمن ما في الإنسان وهو العقل في القضايا المُتّصلة بالدين،  وبالسياسة وبغيرها من القضايا التي تتمحور حولها حياة الإنسان،  بما في ذلك من  مشاغل حياتية وماورائية على حد سواء.

mardi 5 septembre 2017

كيف نرنو إلى النجاة - جزء ١

في التدوينة السابقة طرحنا اسئلة حول تخلفنا، و في الأجزاء القادمة، نركز على العلاقة بين الديني والسياسي 

لمَا لا يكون الإلتحام بين الديني والسياسي منذ فجر الدعوة، والأوليّة التي أعطيت للطموحات السياسيّة المعبّرة عن المطامح الشخصيّة، هو السبب الأساسي الذي جعل الثقافة السياسية وقوانين الحكم إنعكاس لصراع سياسة-دين أكثر من كونها مجموعة مفاهيم ومبادئ مُستمدّة من روح الدين الإسلامي؟

إن مربط الفرس في رأيي يكمن في هذا التساؤل الأخير تحديدا- دون تجاهل أهميّة بقية التساؤلات - وقد بدأت ملامحه الأولى تتجلّى منذ "حادثة السقيفة"، التي  اعتبرها البعضُ "مؤامرة لحياكة "شرعيّة الخلافة"،  والتي يكاد  يُجمع الباحثون على أنّها لا تزال تشكّل ركنا أساسيا في الضمير الجمعي للمسلمين،  ووجعا لم يبرؤوا منه بعدُ.
 كيف لا وهي التي  تُعتبر القادح الأساسي لإندلاع الصراع والتداخُل بين الديني والسياسي على أساس المصالح،  شخصيّة كانت او فئوية أوقبليّة، والتي  أخذت  تطفو مؤشراتها  على الحياة اليومية للفريق المُقرّب من النبي وتأخُذ شكل تجاذبات في  الأسابيع الأخيرة من حياته،  وقد اشتد به المرض وأخذ منه مأخذه قبل انتقلاله الى 
جوار ربّه؟

هذا يعني ان كل ما ترتب بعد ذلك عن الصراع سياسة-دين من أحكام ونظريات فقهية ورُؤى واجتهادات مُفسّرين للنص المُقدس وللسيرة النبويّة ، لايعدو ان يكون إلاّ عملا بشريا أنجزه مفكرون، امتهن صنف منهم  التفسير، واشتغل صنف آخر برواية الأحاديث النبويّة،  فيما اختص صنف ثالث بكتابة التاريخ الإسلامي، من غير ان 
يعني ذلك ضرورة وجود حدود فاصلة  بين المشاغل الثلاثة.

لذا  فان هذا العمل، مهما اجتهد أصحابه لم يكن موضوعيا موضوعيّة مُطلقة، ولم يكن في مأمن من  التأثيرات الجانبية التي ميزت الإطار التاريخي والجغرافي الذي أنجز فيه، لذلك يبقى في نهاية الأم عملا تغلب عليه أحيانا المواقف السياسية مما يجعل صدقيّته لا تتجاوز ذلك الإطار.

ولعل هذا ما يُشير إليه المفكر المغربي أحمد الريسوني في كتابه:فقه الثورة:مُراجعات في الفقه الإسلامي السياسي، عندما كتب ما يلي:
   "إن تاريخ المسلمين وممارساتهم اختلطت بالمرجعية والثقافة الإسلامية ونتج عن ذلك الخلط أن معظم ما تضمنته كتب السياسة الشرعيّة تم تقديمه للجمهور على أنّه "سياسة إسلاميّة"، في حين ان نصيب التاريخ وتأثيرُه فيها قد يكون أكبر من نصيب الشرع وأدلّته، وبالتالي الإنتاج النظري والفقهي في قضايا مثل الخلافة والملك، أهل الحل والعقد، صلاحيّات الإمام وحُقوقه وطاعتُه، الشورى والبيعة، خلعُ الإمام وانخلاعه، نظام القضاء والحسبة، تدبير المالية العامة، ولاية العهد وإمامة المُتغلّب، هو تراث ديني لا يعكس سوى اشتباك العلماء والمفكرين في قضايا واقعهم."
https://www.goodreads.com/book/show/13559536


وكذلك ما يُشير إليه المفكّر نصر حامد أبو زيد في كتابه: نقد الخطاب الديني، اذ كتب:

"ان آلية التوحيد بين الفكر والدين التي اعتمدها الخطاب الديني، تركّز على إهدار البعد التاريخي، بمد فعالية 
النصوص الدينيّة إلى كل المجالات مُتجاهلين الفروق التي صيغت في مبدأ" أنتم أعلم بشُؤون دُنياكم"."

https://www.goodreads.com/book/show/4629784


و المُستفيد قطعا من وراء ذلك هو من حوّل أقوال السلف واجتهاداتهم إلى نُصوص لا تقبل مجرّد النقاش حتى لا نقول نقدها وإعادة النظر فيها، ومن احتكر، ثم فرض على جمهور المسلمين قراءة لاتاريخيّة وأحاديّة للتراث لتحقيق منفعة ذاتيّة ضيّقة، لا تأخذ في الاعتبار المصلحة العامة لجمهور المسلمين أينما كانوا..
وهذا مآله،  بكل خبث، أو بكل تسّلط، وبكل رفض للرأي الآخر،  التحكم في عقول الناس من خلال فرض نظرة رجعيّة للتراث، نابعة من رحم الماضي، وجعلها أداة بين أيديهم لفهم حاضرهم ومستقبلهم،  رغم وان الحاضر 
والمستقبل  ليسا  ثابتين  بل متغيّرين بحكم التغييرات المُتولّدة يوميا في عالمنا.

لكن في هذا القرن الجديد ، مُتسارع الإيقاع،  تسارُعا نعجز احيانا عن مسايرته وعن الإلمام بكل متغيّراته، فضلا
 عن استيعاب  مستجداته العلمية والفكرية والتكنولوجيّة، يبقى من أوكد واجباتنا كمسلمين غربلةُ تراثنا الفقهي  والروحي ومُراجعته مراجعة عميقة، واعادة النظر في كل قضاياه، ما عدا الثابت منها  في الكتاب المقدس وغير القابل للتأويل.ذلك لأن التراث ليس مقدسا، إذ ما هو، في جانب هام منه، إلا اجتهاد انساني في زمن وفضاء معيّنين، و لا قدرة له على طرح حلول أزلية لقضايا تتحوّل وتتوالد ويختلف الحكم فيها باختلاف الأزمان.
ومن المعلوم أن الإطار الذي حُبس فيه هذا التراث وهذا الموروث يسمى"الشريعة" التي يجمع المفكرون على أن الإمام الشافعي (توفي سنة 204 للهجرة) هو من وضع  أسسها وحدد أصولها استنادا إلى الأخبار،  أي إلى الأخبار المنقولة عن الرسول والتي جعل منها الركيزة الأساسية للشريعة كمُعاضد للنص في الوظيفة التشريعيّة و ارتقى بها إلى مرتبة النصّ التّاسيسي في بناء الفكر الإسلامي، موصدا الباب أمام كل نفس اجتهادي وامام كل قراءة، وكل تأويل، لا يتلاءم مع قراءته ومع  تأويله.