lundi 27 février 2012

دعوة الصّادق شورو إلى التقتيل والصّلب والتّقطيع والنّفي - الجزء الثالث



1 – الإمام الأوزاعي :
هو أبو عمرو عبد الرحمان بن عمر بن أحمد الأوزاعي، من قبيلة الأوزاع، وهي قبيلة يمنية الأصل، استقر بعض أفرادها في قرية من قرى دمشق. ولد سنة 88 للهجرة / 707 للميلاد، ونشأ تنشئة دينية، وتنقل بين الشام واليمن والحجاز والبصرة لطلب العلم عن عديد المشائخ، من بينهم مكحول الذي كان فقيه الشام وواحدا من حفاظ الحديث، ويحي بن كثير. وأخذ الحديث والفقه عن عطاء بن أبي رباح أحد أعلام التابعين، وقتادة وهو أحد أعلام المفسرين واللغويين، وكان للأوزاعي صلة بآل البيت مثل الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق. وعندما إكتملت عنده شروط الإجتهاد، صار مجتهدا، وسار مذهبه في بلاد الشام والمغرب والأندلس.عرف الإمام الأوزاعي بزهده وورعه وتقواه. ومن أشهر مؤلفاته : كتاب السنن في الفقه وكتاب المسائل في الفقه وكتاب السير وكتاب المسند. توفي في مدينة بيروت سنة 157 للهجرة / 774 للميلاد.

غيلان الدمشقي (رسوم عصام طه)

غيلان الدمشقي دفع حياته من أجل الحرية والعدالة

http://www.alittihad.ae/details.php?id=73450&y=2011

2- غيلان الدمشقي :
يعتبره الكثير من المفكرين كأحد الآباء المؤسسين لحركة التنوير التي أفرزتها الفتنة الكبرى، أول حرب أهلية في الإسلام، والتي وضعت المسلمين وجها لوجه، وأراقت أنهارا من الدماء، وأضاعت وقتا ثمينا كان من الأجدى استثماره في مجالات أخرى، زيادة على أنها فتحت باب الانقسامات بين المسلمين، ذلك الباب الذي لم يغلق إلى اليوم، والمتمثل في انقسام المسلمين إلى فرق دينية وأحزاب مختلفة يدعي كل واحد منها أحقيته في الوصول إلى السلطة، مقدما نفسه على أنه ضحية سلبت حقها الشرعي على مر الزمن ، منذ حادثة "السقيفة"، هذا فيما يتعلق بالشيعة على الأقل.
بدأت أولى مؤشرات تلك الحركة التنويرية في الفكر الإسلامي، بظهور فرق الخوارج والمعتزلة والمرجئة والأشاعرة والقدرية وغيرها من الفرق الأخرى. وكان غيلان أحد المؤسسين للفكر السياسي الإسلامي ذو المنحى التحرري والمسمى اليوم بالمنحى الديمقراطي، وقد سخر حياته للدفاع عليه، وقدمها ثمنا لمعتقداته وآرائه وأفكاره عندما صلب بأمر من الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، بعد أن قطعت يديه ورجليه.
يضع مؤرخو الفرق غيلان ضمن كوكبة من المفكرين تضم الجعد بن درهم وعمر المقصوص ومعبد الجهمي وغيرهم، أي أولئك الذين استماتوا في الدفاع عن حرية الإنسان وعن العدالة وعارضوا بشراسة فكرة القدر التي جعل منها الأمويون إحدى الأثافي الأساسية التي إرتكزت عليها نظريتهم في الحكم لتبرير استيلائهم على السلطة، ذلك الإستيلاء الذي اعتبروه"حقهم في الخلافة"، لطمس ما أسفرت عنه عملية التحكيم، وهرسلتهم للحسن والحسين حفيدي الرسول الأكرم. ومن هنا نفهم عدم ترددهم في البطش بمعارضيهم منذ ثمانينات القرن الأول للهجرة، عندما افتتحوا "برنامج التصفية الجسدية"، بالتخلص من معبد الجهمي وغيلان من بعده.
لقد كان غيلان يقود المعارضة في الشام ضد السياسة الاقتصادية والاجتماعية والمالية للأمويين وخاصة ضد العقيدة الجبرية التي اعتمدوها والتي يرى أنها عقيدة تعادي حرية الإنسان الذي يراه مسؤولا عن أفعاله. زيادة عن ذلك فقد كان غيلان من أشد معارضي شرط "القرشية" في الإمامة، ويرى أن كل مسلم قائم بكتاب الله وسنة رسوله يستحق الخلافة التي لا تثبت إلا بإجماع الأمة، ويتفق جزئيا في هذا الباب مع الخوارج الذين يرون أن الخلافة تسند للأكثر كفاءة حتى وإن كان عبدا حبشيا.
وهكذا فإن الفكر الغيلاني يعتبر أحد بوادر الفكر الديمقراطي في التاريخ الإسلامي، ذلك الفكر الذي يجعل الشعب مصدر السلطة بإجماعه على شخص ما يوليه أمر الخلافة على أساس تعاقدي ركيزتاه كتاب الله وسنة رسوله. فإن حاد الحاكم عن تلك الشروط، ولم يعدل في حكمه، جاز للناس خلعه.

لقد كان غيلان متمسكا بمفهوم العدل الذي استمده من نظريته عن العدل الإلهي، ولعل هذا ما يفسر اختياره وظيفة "رد المظالم"، عندما عرض عليه الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز توظيفه.لقد اختار وظيفة بدون مكاسب، وبدون امتيازات، بل إختار وظيفة تمكنه من إنصاف ضحايا ظلم الولاة والقضاة، وإبراز عيوب الأمويين.
يروى أن هشام بن عبد الملك مر به يوما، قبل أن يصبح خليفة، وقال هذا يعيبني ويعيب آبائي، والله إن ظفرت به لأقطعن رجليه ويديه" !!! ولما تولى هشام الخلافة استحضره وحبسه، وأخذ يبحث عن فتوى تجيز قتله، فوجد ضالته عند الإمام الأوزاعي الذي ناظر غيلان ثم كفره، ففتح بذلك الباب لهشام لقتله.
لا شك عندي أن الإمام الأوزاعي اعتمد في فتواه بتكفير غيلان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالرجل كان يرى في القدرية فتح باب بلاء، وباب الفتنة بين المسلمين، وأن إغلاقه إنما هو من قبيل النهي عن المنكر الذي ينال فاعله ثوابا وأي ثواب.
ولعل الرغبة في نيل الثواب كانت تدفع الحجاج بن يوسف الثقفي أيضا إلى القيام بما قام به خلال توليته العراق.

3- الحجاج بن يوسف الثقفي :
هو سياسي أموي وقائد عسكري، ولد في الطائف سنة 41 للهجرة / 660 للميلاد، وتوفي سنة 95 / 714.
عرف بخطبته الشهيرة التي ألقاها في العراقيين: " يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق !!!"
ذكر المؤرخون أعماله الشنيعة والتي منها :


تحريفه القرآن في مصحف عثمان في 11 موضعا 

 ضربه الكعبة بالمنجنيق عندما وجهه عبد الملك بن مروان لقتال عبد الله بن الزبير فقطع رأسه وأرسله إلى الخليفة الأموي، وعرى الجثة من الثياب وصلبها حتى تعرت العظام من اللحم.

وللعلم فإن عبد الله بن الزبير هو ابن الزبير بن العوام وابن عمة رسول الله، أما أمه فهي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه.

إذلاله صحابة رسول الله وذلك لما سار سنة 44 للهجرة إلى المدينة، فأخذ يتص على أهلها ويستخف ببقايا من فيها من صحابة الرسول، وختم في أعناقهم وأيديهم يذلهم بذلك كأنس وجابر بن عبد الله وسعد بن سعد الساعدي وغيرهم.

وقد قال فيه الذهبي :" كان ظلوما جبارا سفاكا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقران.

أما ابن كثير فقد قال قيه كان جبارا عنيدا مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة".
وقال فيه الخليفة عمر بن عبد العزيز:"لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم".
لكن الملفت أن الحجاج كان يرى أن ما يفعله كان بغاية التقرب من الله والحصول على الأجر !!!
قد يعني هذا أنه كان يؤمن بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

samedi 25 février 2012

دعوة الصّادق شورو إلى التقتيل والصّلب والتّقطيع والنّفي - الجزء الثاني


الحادثة الأولى :
دارت فصولها في نهاية خمسينات القرن الماضي، وكنت في يوم من الأيّام، وفي عزّ الظهيرة، ألعب مع أترابي في أحد أزقّة حيّ من أحياء مدينة تونس، وكنّا والحق يقال، نحدث كثيرا من الهرج على عادة الصبية حين يلعبون، ممّا أزعج أحد سكان الزقاق، وكان شيخا وقورا يشرف على إقامة الآذان في جامع الحيّ، ويحظى بقدر كبير من الاحترام والتّبجيل من قبل السكّان، الذين كانوا يلقّبونه ب"سيدي الشّيخ"، فخرج من بيته ثائرا مرغيا مزبدا مزمجرا، ومسك بأحد الصّبية وهوى بقبضته  على عينه اليسرى فأتلفها!!!
لا شكّ أنّ الشيخ قد خلط بين حاجته الأكيدة إلى القيلولة دون إزعاج،  وبين واجب المؤمن  في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وعجز عن التفريق بين الموضوعي والهوائي، فألحق بالصبيّ ضررا غير قابل للإصلاح حيث كان ينوي الإصلاح والتأديب والنّهي عن المنكر.

الحادثة الثانية :
في بداية سبعينات القرن الماضي، كان أحد اللبنانيين يعيش في الأرجنتين وقد هاجر إليها منذ الخمسينات. وصادف أن استقدم أحد الوعاظ  الذين كانت الحكومة اللّبنانيّة حريصة بواسطتهم على التّواصل مع مواطنيها في المهجر وتثقيف أبناء الجيل الثاني من مهاجريها في شؤون دينهم . عاش الواعظ بضعة أيّام في بيت المهاجر ليعلّم ابنته وابنه قواعد الدين الإسلامي، وليقدّم لهما النصح فيما يتعلّق بكيفيّة التمسّك بدينهم في بيئة كلّ شيء فيها يغري بعدم التديّن، وليمدّهما ببعض الحلول لما يطرأ في علاقتهما بأترابهم من إشكالات. إلاّ أنّ الرجل لم ينفكّ طيلة إقامته عن انتقاد هندام البنت، وسلوك الولد، فضلا على أنّ كلّما سألاه عن أمر ما إلاّ وكانت إجابته قاطعة ومؤّكدة على أنّه من قبيل الحرام، إلى أن تعطّل التواصل بينه وبينهما ممّا اضطرّ رب العائلة  إلى التدخّل والإشارة إلى الواعظ بأن يكون على قدر من المرونة، وملفتا انتباهه إلى أنّ ابنيه يعيشان في بيئة غير مسلمة، وأنّهما لا يسمعان الأذان للصلاة خمس مرّات في اليوم كما هو الشّأن في البلدان العربيّة الإسلاميّة، وأنّه يحمد اللّه على أنّهما ما زال متمسّكين بالدين الإسلامي.
 ثمّ لفت نظره إلى إشكاليّة على قدر كبير من الأهميّة تتعلّق بقضيّة الحساب وطرح عليه السّؤال التالي :
 ترى هل أنّ اللّه يحاسب المسلمين الذين يعيشون في البلدان الإسلاميّة بنفس الميزان الذي يزن به أعمال المسلمين الذين يعيشون في غير البلدان الإسلاميّة؟

 وهل يأخذ في الاعتبار ما يعترضهم من مغريات وتحدّيات؟
 وأضاف ما يلي :  أليس من باب العدالة الإلهيّة أن يحظى من يعيش من المسلمين في بيئة غير إسلاميّة بمقدار إضافيّ من التسامح الإلهي؟
لا زلت أعتقد أنّ الرجل كان على قدر كبير من الصواب.

أعود إلى قضيّة المعروف و المنكر، إنّهما صفتان متأصّلتان في الإنسان بصفة مطلقة كما يقول الأستاذ محمد الطالبي. ويضيف إن الإنسان طيب بالفطرة والرسول يقول:" يولد الإنسان على الفطرة"، أي أن الطبيعة الأولى للإنسان هي الطيبة والخير، وهما قيمتان أخلاقيتان ملازمتين للإنسان منذ الولادة، إلا أن تأكيدهما أو التخلي عنهما، جزئيا أو كليا يحسمه المناخ الذي يتربى فيه ذلك الإنسان، والإطار العام الذي يترعرع فيه. فلا أحد يولد محبا للشر، كما أنه لا يولد أحد مجرما بالطبع. وحتى أولئك الذين يرتكبون الحماقات ويقومون برذائل الأعمال ولا يأتون غير المنكرات، فإن في داخلهم مضغة وصوت خفي يؤمنان إيمانا راسخا بأن ما يأتونه لا يمت إلى الخير بصلة.  
تستحضرني عديد القضايا من التاريخ الإسلامي لعل قاسمها المشترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منها :
قضية غيلان الدمشقي والإمام الأوزاعي وسلوك الحجاج بن يوسف الثقفي.

فمن هي هذه الشخصيات وما هو الخيط الرابط بينها؟




samedi 18 février 2012

دعوة الصّادق شورو إلى التقتيل والصّلب والتّقطيع والنّفي - الجزء الأول


  تعليقا على مقال صدر بجريدة "المغرب"، ليوم 28 جانفي 2012،صفحة 16، بقلم باحثين جامعيّين، المهدي عبد الجوّاد ووفاء بلحاج عمر، عنوانه : دعوة الصّادق شورو إلى التّقتيل والصّلب والتّقطيع والنّفي"، في إشارة إلى دعوة الصّادق شورو عضو المجلس الوطني التّأسيسي، الحكومة إلى مقاومة "جيوب الردة"، والمعتصمين ، وقاطعي الطرقات، وذلك بتطبيق قول اللّه تعالى : "إنّما جزاء من يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أرجلهم وأيديهم من خلاف أو ينفوا من الأرض وذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنّ اللّه عزيز حكيم"، المائدة، الآية 5..


      ذكر الباحثان ما يلي : "إن دعوة الصادق شورو صريحة وصادقة وسافرة لإعادة إنتاج نفس الممارسة  التاريخيّة الفردوسيّة الأولى، الحرب، دعوة إلى إقامة الحدّ الإلهي، التقتيل التنكيل والصلب، وهي رغبة في إلغاء الآخر الكافر/ المرتدّ/ عدوّ الثورة. إنّها دعوة صريحة للاقتتال والاحتراب، واستبدال قانون الدّولة، وأجهزتها، بفتوى الشيخ الصادق، مع ما في الأمر من خطورة، حيث يتمّ يناء أجهزة دون الأجهزة الرسميّة ، وقوانين دون قوانين البلاد، وهو الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام"سلطة موازية" شبيهة  بهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومؤسّسة الحسبة، وهي مدخل لتفكيك مؤسّسات الدولة، وتطبيقا عمليّا لنظريّة " التدافع الاجتماعي"، الأثيرة عند السيّد راشد الغنّوشي".(انتهى كلام الباحثين)

       ونظرا لما يمكن أن يترتّب من تداعيات لانتصاب هيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومن إعادة إنتاج مؤسّسة الحسبة، منم تأسيس لمراكز نفوذ موازية، تدعم الحكومة النّهضويّة في مسعاها إلى إقامة "الخلافة الإسلاميّة السادسة"، وهي التي لا ترى لتطبيق الشريعة بديلا، رغم دعوتها إلى تدعيم المجتمع المدني، أردتُ المساهمة في الجدل القائم اليوم بين دعاة تطبيق الشّريعة وأنصار تدعيم الصبغة المدنيّة للدولة وللمجتمع التونسيّين، وذلك بالتعريف بشخص الصادق شورو باقتضاب أوّلا، ثمّ التعريف بهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وبمؤسّسة الحسبة ثانيا، وذلك من زاوية نظر المؤرّخ، واعتمادا على أمثلة من التّاريخ الإسلامي.

I. من هو الصّادق شورو؟




يمكن الحصول على بيانات أولية حول الرجل انطلاقا من الشبكة العنكبوتيّة مع تغذيتها ببيانات أخرى حتّى نتمكّن من الاقتراب من شخصيّة الرجل والغوص في دهاليز فكره وتلمس تضاريسه.
هو من مواليد سنة 1952، أي أنّه التحق بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي سنة 1958، بعد سنتين من حصول تونس على الاستقلال التّام، وبعد سنة واحدة من إلغاء النّظام الملكي وإعلان الجمهوريّة التي ترأسها  الحبيب بورقيبة، أحد أكبر قادة النضال ضد الاستعمار في النصف الأوّل من القرن العشرين، والمنتمي إلى جيل غاندي وجواهر لال نهرو ومحمد علي جناح وجوزيف بروس تيتو وأحمد سوكارنو وجمال عبد النّاصر وأحمد ولد دادة ومحمد الخامس وأحمد بن بلّة وباتريس لوبمبا ونلسن مانديلا وغيرهم كثر. وهو الذي أرسى قواعد الدولة الحديثة في تونس بمؤسّساتها المدنيّة وهياكلها الاقتصادية والقضائيّة والتربويّة والثقافيّة، وبقيّة دواليبها.

تابع شورو تعليمه العالي بكليّة العلوم بتونس،التي استشرى فيها الفكر الديني في سبعينات القرن الماضي، انطلاقا من المدرسة القومية للمهندسين ENIT أيّام كان المشرف عليها الأستاذ المختار العتيري، الذي أذن ببناء مسجد بالمدرسة، اشتُهر بصومعته الملويّة، الفريدة من نوعها في لبلاد، والتي تذكّر بصومعة جامع مدينة سامرّاء العراقيّة، الذي بني في العهد العبّاسي.
تخرّج شورو من كليّة العلوم بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الكيمياء، ثم التحق بسلك التدريس بكليّة الطبّ. وعُرف الرجل بنشاطه الحثيث، و كان أحد أعضاء لجنة البحث العلمي في القطاع الكيميائي، بالمركز الجامعي للبحث العلمي. وزيادة عن اهتماماته العلميّة فقد كان للرجل اهتمامات دينيّة تتعلّق بالتربية الإيمانيّة، واهتمامات حزبيّة ضمن مجلس الشورى المركزي لحركة النّهضة، وذلك منذ بداية الثمانينات، ممّا بوّأه رئاسة الحركة سنة 1988.
في 17 فيفري تمّ إيقافه، وعرف كلّ أنواع التعذيب التي كانت تدور فصولها في الطابق التحت أرضي لوزارة الداخليّة أي على بعد أمتار من الشارع الذي يفضّل سكّان العاصمة التجول فيه وقتئذ قبل أن تظهر الأحياء السكنيّة والتجاريّة الجديدة حول العاصمة. في تلك الوزارة كما في السجون،  أشرف الرجل على الهلاك مرّات عدة اضطرّت معها إدارة السجون إلى نقله إلى المستشفى في حالة خطيرة.
في 6 نوفمبر 2008، وفي إطار الاحتفال بذكرى التحوّل النوفمبري، أُفرج عنه ضمن آخر وفد من جموع ال 265 قياديّا نهضويّا زُجّ بهم في غياهب السُجون بتهمة الانتماء إلى جمعيّة غير مُرخّص لها، والتّحضير إلى انقلاب على النّظام القائم.
قضى الصادق شورو إذا 18 سنة من السجن منها ما يزيد عن ثلثي المدة قضّاهما في زنزانة انفرادية ضيّقة في إطار ما يسمّى بالعزل الانفرادي، وهو أقسى أنواع السّجن وأعمقها تأثيرا على الصحّة النفسيّة والعقليّة للسّجين. وقد عرف أغلب قيادي حركة النّهضة هذا النّوع من العزل من بينهم حمّادي الجبالي، رئيس الحكومة الحاليّة، وعلي لعريض و الحبيب الّوز والصّحبي عتيق وصالح كركر وغيرهم.
لكن بعد شهر واحد من تسريحة، اُعتُقل شورو ثانية ليحاكم هذه المرّة بتهمة إعادة تنظيم حركة النّهضة، على خلفيّة حوار أدلى به إلى قناة حوار التلفزيّة والمعارضة، وصدر في حقّه حكم بالسجن لمدّة عامين، قبل أن يُطلق سراحه في شهر أكتوبر 2010، أي قبل شهرين من تأزّم الأوضاع في تونس، وإقدام الشّاب محمد البوعزيزي على إضرام النّار في جسده يوم 17 ديسمبر، بمدينة سيدي بوزيد، تلك النّار التي سرعان ما التهمت أركان نظام نخره الفساد والعمالة والإجرام والعار، وقوّضت أسسه. 

II هيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

تشير آيات قرآنيّة عديدة إلى مسألة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، من بينها:
- " كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون"، آل عمران، الآية 110.
- "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويؤمنون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"،آل عمران، الآية 104.
- " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون اللّه ورسوله أولئك سيرحمهم اللّه إن اللّه عزيز حكيم"، التوبة، الآية 71.
هذه الآية الأخيرة تحديدا تُفهمُنا أن المؤمن يقوم بدور الوليّ تجاه أخيه المؤمن، يصدقه النصح، فيأمره بالمعروف وينهيه عن المنكر رغبة في رحمة اللّه العزيز الحكيم، ومساهمة منه في استقام حال الأمّة وسيرها على الطريق الصحيح.
وفي المقابل فإنّه ليس على المؤمن البقاء "متجلببا" في وضع اللاّمبالاة، معتمدا مبدأ "أنا ... وبعدي الطّوفان".
أسئلة عديدة حارقة تبقى مطروحة ويتطلّب طرحها إجابات واضحة تزيل الغموض، وتضع النقاط على الحروف، من بينها الأسئلة التالية:
·  ما هي الكيفيّة التي نمرّ بها من المستوى النّظري إلى المستوى التطبيقي، من دون أن نسقط في متاهة الإفراط في الاجتهاد؟
·       ما هو تعريف"المعروف" بكامل الدقّة؟
·       ما هو تعريف المنكر؟
·  وهل يوجد إجماع على تعريف موحّد ؟ بمعنى هل أنّ ما يبدو لي منكرا هو منكر أيضا بالنّسبة لغيري؟
·  وهل يجوز لأيّ كان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ؟ أم هل يفترض الأمر مستوى معرفيّا معيّنا، وإلماما بالشّؤون الدّينيّة يُمكّنُ الآمرُ بالمعروف والنّاهي عن المنكر إسداء النصيحة لأخيه المؤمن؟
·       ثمّ هل أنّ ما كان يعتبرُ منكرا في العصور الماضية ما زال يُعتبر منكرا في عصرنا هذا؟
·       وهل أنّ منكر اليوم هو منكر الغد رغم التحوّلات السريعة التي يعيشها عالمنا؟
·  وهل أنّ ما يعتبر منكرا في الصومال، يعتبرُ أيضا منكرا في المملكة العربيّة السّعوديّة، وفي موريتانيا، وكذلك بالنّسبة للجالية المسلمة التي تعيش في أحد البلدان الاسكندينافية؟ 
·  وما هي أفضل طريقة للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟ هل هي باللّسان أم بالقلب أم بالأيادي الشّاهرة للسيوف؟

هذه الأسئلة تُطرحُ أيضا فيما يتعلّق بالمعروف.
وهنا تستحضرني حادثتين، عشت فصول واحدة منهما، بينما قرأت تفاصيل الحادثة الثّانية في إحدى المجلاّت.

... 

السّيل السلفي الجارف وحتميّة التصدّي له



   تسعى القوى الإمبرياليّة التي لم يضع استقلال الشعوب المستعمرة منذُ القرن السابع عشر ، بالنسبة للبعض منها ، حدّا لأنانيّتها وأطماعها في استغلال الشعوب المستضعفة ، وامتصاص دمائها، إلى تحقيق مشروع" الشرق الأوسط الكبير"،  الذي يمثّل شمال إفريقيا أحد مكوّناته، وتجتهد أيما اجتهاد لدفع الحركات الإسلاميّة التي استقرت رموزها بعواصمها منذ تسعينات القرن الماضي ، وتحديدا في مدن لندن وباريس، إلى العودة إلى بلدانها وذلك لتحقيق ثلاث غايات على الأقلّ وهي:

  • نشر مفهوم الإسلام السياسي المعتدل الذي لديه استعداد للمحافظة على مصالح الغرب الّيبيرالي.
  • التخلّص من الجماعات الإسلاميّة المستقرّة بأوروبا والمتمتّعة بحقّ الّلجوء السياسي، خاصّة بعد أن أضحت مفاهيمها للإسلام تخرج للشّارع الأوروبي وذلك بالصلاة في الطريق العام، وارتداء الحجاب في المعاهد والمدارس، والنّقاب في الفضاءات العامّة ممّا دفع السلطة القضائيّة إلى استصدار قانون يقضي بمنعه وفرض غرامات ماليّة على من يخالف ذلك القانون.
  • إيقاف زحف الحركات الإسلاميّة المتطرّفة في البلدان الإسلاميّة المهددة للمصالح الاقتصادية الأوروبية بالأساس.

   لكن يبرز معطى جديد على المستوى العالمي كنتيجة للمكاسب التي حقّقها الجيش الأمريكي في أفغانستان وباكستان على حساب "القاعدة"، والتي انتهت بقتل زعيم طالبان أسامة بن لادن، عدوّ أمريكا رقم واحد، معطى يتمثّل في التّمهيد لعودة العديد من "العرب الأفغان"، ومن رموز التيّارات السلفيّة إلى أوطانهم ومن بينها البلاد التونسيّة.

   وإذا ما تزامن ذلك مع معطى آخر يتمثّل في إفراغ السجون التونسيّة من "المتطرّفين"، نتيجة إعلان العفو التشريعي العام كإحدى تداعيات ثورة 14 جانفي 2011، ذلك العفو الذي استفاد منه من جملة المستفيدين، عناصر شاركت في عمليّة سليمان، تيسّر لنا فهم هذا الإحتقان الذي أضحى يميّز الشارع التونسي، وتمكّننا من فكّ رموز هذا المسلسل السّلفي الذي انطلقت أولى حلقاته بالاعتداء على رموز الثقافة في البلاد، أمثال المخرجين السينمائيين النّوري بوزيد ونادية الفاني، مرورا بعمليّة الرّوحيّة المسلّحة، ووصولا إلى عمليّة بئر على بن خليفة، التي كشفت نوايا السّلفيين في إقامة إمارة إسلاميّة بالبلاد والتي أكّدها وزير الخارجيّة في الندوة الصحفيّة التي عقدها يوم الاثنين 13 فيفري 2012، بعد أن أشارت الصحف إلى ذلك في الإبّان لكن وقع تكذيب الخبر!!!

   في هذا السياق المشحون توتّرا وتوجّسا، تتنزّل زيارة الدّاعي إلى ختان البنات إلى الديار التونسيّة، ولعلّه قام بختان بناته وأخواته وزوجته في بلده قبل أن يأتي إلينا ، أسوة بباستور الذي جرّب التلقيح ضد داء الكلب على ابنه. أليس الأقربون أولى بالمعروف؟

   هذا الفقيه الذي لم يجد الزمان بمثله، وهذا الآتي بما لم تستطعه الأوائل، صاحب الآراء الثّاقبة و الفكر المنير في قضايا الدنيا والدّين، النابغة والمصلح لأحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، المحاضر الفذ، المصري عضو جماعة الإخوان المسلمين، المسمّى وجدي غنيم، جاءنا ليفقّهنا في الدّين، وهو الذي سبق أن حذّر المسلمين من التثاؤب لأنّ الشياطين تتبوّل في أفواه المتثائبين!!! موتوا بغيضكم أيّتها الشياطين، إنّ المسلمين لن يتثاءبوا بعد اليوم أبدا ليحرموكم لذّة التبوّل، هذا إن ثبت أنّ الشّياطين تتبوّل أصلا!!!

هذه الزيارة أثارت في داخلي تساؤلات عدّة لم أجد لها بعد أجوبة تشفي غليلي منها:


  • من سمح لهذا الداعية بالقدوم إلى تونس؟

  • ما هي هذه الجمعيّة التي يقال أنّها استقدمته ليلقّننا دروسا في الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف؟ وما هي نوعيّة النشاط الذي تقوم به، وهل أن السلطات التي كانت قادرة على أن تعدّ أنفاس التونسيين، على علم بذلك أم لا؟
  • من سمح لهذا الداعية باكتساح الفضاءات العموميّة والاجتماع بآلاف الشبان وإلقاء خطبه الجيّاشة؟
  • من تكفّل بدفع تكاليف زيارته وإقامته وتنقّلاته عبر المدن، من اقتطع تذاكر رحلته في وقت يشكو فيه ربع الشعب التونسي من الفاقة حسب وزارة الشؤون الإجتماعيّة؟
  • هل أنّ وزارة الدّاخليّة استقالت عن منح التراخيص لهكذا اجتماعات؟ إن نعم فما هي المصالح التي عوّضتها؟
  • من سهر على تنظيم الدعاية والإشهار للاجتماعات التي حضرها آلاف المتحجّبات المتجلببات في عباءاتهنّ،  وآلاف الملتحين المختومة جباههم بطوابع ثلاثة سوداء اللّون تضفي على وجوههم كآبة قاتمة خرساء؟
  • ما هو موقف مفتي الديار التونسيّة أمام تحدّيات الرجل بأن يناظره العلماء إن كان في تونس رجال علماء!؟
  • أين هم علماؤنا المعتدلون، وما هو موقفهم من هذه الظواهر الغريبة التي أصبحت تميّز شوارعنا وتلوّن أنهجنا؟
  • ثمّ كيف لهذا الداعية أن يعلن بأعلى صوته، من أعلى منبر الجامع الكبير بعاصمة العبيديين، المهديّة، بأنّه آن الأوان لتطبيق الشريعة في تونس، ولرفع راية "ربيع الإسلام" في الديار التونسيّة؟
  • ألا يعلم هذا الرجل أن التونسيين أسسوا عاصمة بلاده؟
  • ألم يعلم بعد أن التونسيين أسسوا أزهر بلاده، وأنّ جامع عقبة كان يدرّس الفقه قبل أن تدرّس العلوم الشرعيّة فيه ؟
  • ألا يعلم هذا الداعية، فريد زمانه أنّ الإسلام منغرس في هذه الربوع منذ 1383 سنة قمريّة و1262 سنة شمسيّة، وأنّ 90% من الأحكام التي تنظّم الحياة في بلادنا مستمدّة من الشريعة الإسلاميّة؟
  • ألم يسمع أو يقرأ من قبل عن الأئمة سحنون والبهلول بن راشد والقاضي عياض، وهم من أبناء هذه البلاد؟
  • ألم يدرس كتب عبد الرّحمان بن خلدون أصيل هذه الديار ومؤسّس علم العمران البشري الذي أصبح يسمّى في الغرب علم الاجتماع؟
  • ألم يرجع مرّة واحدة على الأقلّ في حياته العلميّة إلى لسان العرب لابن منظور ليتحقّق من معنى لفظ ما؟
  • ألم يبلغ إلى مسامعه أن صاحب لسان العرب من أقحاح التونسيين؟
  • ألم يسمع بالخضر حسين الذي ترأس جامع الأزهر، المنارة الدينيّة لوطنه الذي أطرد منه، والذي أسس عاصمته القائد جوهر الصقلّي موفدا من قبل حاكم تونس الفاطميّة المعزّ لدين اللّه ؟
  • ألم يطّلع على كتاب التحرير والتنوير للمفسّر الشيخ الطاهر بن عاشور؟
  • ثمّ هل يجوز لمن يجهل كلّ هذا أن يأتي إلى بلدي ليفقّه أهلي في دين آبائهم وأجدادهم، وأن يقسم لنا بأغلظ الأيمان وبأعلى صوته بأنّ الإسلام قادم لا محالة؟
  • هل له من الشّرعيّة العلميّة والفقهيّة ما يخوّل له إعطاءنا دروسا في الدّين، وبحضور من؟ أحد قادة حزب حركة النّهضة التي سلّمها الشعب مقاليد الحكم وأمنها على البلاد، وهو القيادي الحبيب اللّوز؟

إنّ من يجهل إسهامات رجال من بيننا في إثراء المكتبة الدينيّة والاقتصادية والاجتماعية والعلميّة العربيّة والعالميّة، لا يحقّ له تلقيننا دروسا فيما نحن سابقون فيه غيرنا من أولئك الذين يدعون في العلم فلسفة.
إن هذا الخطيب البارع والمتلاعب الماهر بالألفاظ والسّاعي إلى استعراض عضلاته الخطابيّة للتّأثير على الحضور، ليس بوسعه التأثير في غير محدودي الثقافة الدينيّة والتّاريخيّة.



إنّ أغلب هؤلاء الذين غصّت بهم قبّة المنزه ليسوا سوى ثمرة من ثمرات السياسة "التبهيميّة" التي انتهجها النظام البائد، وسياسة التصحر الثقافي والفكري والسياسي، وتمييع ذائقة التونسيين، تلك السياسة التي لا يمكن أن تولد غيـــر
"الجهلوت و البهموت" على حد تعبير الشيخ عبد الفتّاح مورو، وغير المتطرّفين من أنصاف الأميين، النّاعقين مع كلّ ناعق والمائلين مع كلّ ريح، والفاقدين للفكر النقدي الذي بدونه لا يتسنّي فصل الغثّ من السّمين.
خُيّل لي بعد استماعي مكرها إلى مقتطف من خطبة هذا الدّاعية في مدينة المهديّة، أنّ بلادنا لم تعرف الإسلام قبل قدومه إلينا، لذلك جاء ليبشّرنا بقدوم الإسلام لا محالة، ودفعني إلى التساؤل عمّا كنت أومن به منذ ولادتي، وإلى من كنت أصلّي، ومن كنت أعبُد، وإلى أين كنت أولّي وجهي؟
لا بل دفعني إلى التّساؤل عن معتقدات آبائي وأجدادي وآباء وأجداد كلّ التونسيين؟ .فهل نحن في حاجة إلى هذا الخطاب التّجييشي والشّعبوي في وقت يمسك بالحكم فيه رجال ينحدر أغلبهم من صلب حركة دينيّة ذات خلفيّة ومرجعيّة إسلاميّة؟
ما هذا الخور؟ وإلى متى سيتواصل هذا التسيّب والإنحلال؟ 

لقد تعمّق يقيني بأنّ هذه الحكومة عاجزة تماما عن إتّخاذ أبسط المبادرات لإيقاف هذا الرّكض نحو المجهول، لأنّها تخشى فقدان جزء من أنصارها ممثّلين في هؤلاء السلفيين. وأنّها أعجز من أن تُقدم على ترشيد الخطاب الديني في بلد يرفض التطرّف والغلوّ، لكن أصبح فيه الفضاء المسجدي حكرا على المتشددين، بعد أن كُنّا نمنّي النفس بأنّ الثورة ستساهم في في خلق مناخ من الحريّة، وفي التخفيف من حدّة الغلوّ، وإبراز الإسلام في أنصع صورة، صورة تعكس التحابب والتسامح والتآزر والتكافل الاجتماعي في زمن أصبح يموت فيه مواطنون من جلدتنا من البرد القاسي لفقدانهم أبسط وسائل التدفئة.
إنّ الحقيقة التي لا سبيل إلى نكرانها اليوم هو أن المد السلفي قد غزا الفضاء الديني بفضل ما أكتسبه من إمكانيّات ماديّة وبشريّة، وما ركّزه في المساجد من مشايخ يتعاظم نفوذهم في البلاد يوما بعد يوم، ويتطرّف خطابهم كلّ جمعة أكثر حتى أضحت أيّام الجمعة مناسبة لغسل الأدمغة وحشوها بمفاهيم جديدة تجيّش الشباب وتهيجه، وتتنزّل في صلب الإيديولوجية السلفيّة الوهابية القائمة على فهم عودويّ للإسلام، فهم لا يرتقي حتّى إلى مستوى ما بلغته الحضارة العربيّة الإسلاميّة في القرنين الثاني والثالث للهجرة!!!

واليوم وأمام عجز الماسكين بالحكم في البلاد عن اتخاذ الإجراءات الصّارمة التي تفرضها خطورة الوضع فإنّنا في حاجة إلى:

  • إستعادت أماكن العبادة من مغتصبيها في أقرب الأوقات وإعادة النظر في تعيين أئمّة المساجد.

  • بعث جهاز يهتم بتكوين أئمّة متشبّعين بقيم" الإسلام التونسي" الموحّد للصفوف والخالي من كلّ أشكال المغالاة وبذور الفئويّة الدينيّة، في ظلّ أخبار تفيد بانتشار المذهب الشيعي في مدن قابس والقيروان؟؟؟

  • تشجيع أعلام الإسلام المعتدل على التواصل من الفئات الشعبيّة عبر القنوات التلفزيّة والإذاعات لتثقيف الشعب دينيّا والتصدّي لخطر التطرّف المهدد للبلاد والعباد.

  • تنظيم ندوات وملتقيات يشارك فيها الحداثيّون والمختصّون في الدراسات الإسلاميّة وعلماء الدّين من المعتدلين من شيوخ جامعة الزيتونة لتطارح التعاليم السمحة للدين الإسلامي حتّى نوقف هذا السّيل الجارف من الخطابات المعادية لكل نفس حداثي والتي تبثها ليلا نهارا الفضائيّات الوهابيّة المموّلة بمداخيل الثروة النفطيّة المُستغلّة في غير ما يجب أن تُستثمر فيه.
كلّ هذه الإجراءات وغيرها لا بد أن تنصهر ضمن سياسة تساهم في رسم خطوطها العريضة كلّ الأطراف الفكريّة والدينيّة والسياسيّة لوضع خريطة طريق دينيّة واضحة المعالم، تنبثق من خصوصيّات مجتمع وحضارة هذه البلاد، ومن تاريخها الثريّ الذي راكم عديد الحضارات، لتأطير وتوعية الشباب الذي فجّر الثورة وأطاح بدولة الفساد، ولحمايته من " الدعاة المسعورين".