jeudi 8 septembre 2011

تساؤلات مشروعة لمواطن تونسي


     
قال الجنرال دي غول بعد الحرب العالميّة الثانية :
"ما علينا أن نخشاه ليس الفراغ بل الفائض
الزائد عن اللّزوم"
Ce qu'il faut craindre, ce n'est pas le vide,c'est le trop – plein""


تساؤلات عديدة تشغل بال رجل الشارع في تونس اليوم منها ما يتعلّق بمسألة توالد الأحزاب السياسيّة وبموضوع المجلس التّأسيسي المزمع انتخاب أعضائه يوم 23 أكتوبر 2011.

توالد الأحزاب السياسيّة يشعّب الوضع السياسي

أسماء متشابهة وبرامج (إن وجدت) مستنسخة من بعضها البعض، غثّها أكثر من سمينها، تغلب عليها العموميّات وتسرق بغير حياء شعارات رفعها الشباب الثّائر.

حريّة، كرامة، ديمقراطيّة، عدالة، مساواة... قيم نبيلة جعلت منها قيادات حزبيّة لا تاريخ نضالي لها، ويتوهّم بعضها أنّه يستمدّ شرعيّته من فترة قضّاها في السجون بتهم - لطالما أنكرها وأعلن على رؤوس الملإ براءته منها – "الانتماء إلى جمعيّة غير مرخص لها قانونيّا " أو مجرد التفكير في "حضور اجتماع تآمري في برّاكة السّاحل بالحمّامات" للتحضير لانقلاب عسكري على الرئيس ابن علي أيّاما قليلة بعد قيامه بدوره بانقلاب طبّي – أمني على الحبيب بورقيبة. وعليكم أن تتخيّلوا أيّ منحى كان يمكن أن تتخذه البلاد، منحى يذكّرنا بالأيام الحالكة التي عاشتها بعض بلدان المشرق العربي في نهاية الستّينات والتي كانت تصبح كلّ يوم وتمسي على انقلاب عسكريّ جديد!

بعض القيادات الحزبيّة الكرتونيّة، التي لم يكن لها أيّ دور سياسي في فترة حكم أبن علي وكانت نائمة تنعم بخيرات أرض هذه البلاد، لا تحرّك ساكنا ولا تنبس ببنت شفة أمام خروقات "عصابة السرّاق"، تعيش في بروجها العاجيّة داخل وخارج البلاد بالنسبة للبعض منها أين تغدق عليها المنظمات "الإنسانيّة" جرايات منتفخة لا يحلمون بالحصول عليها في بلدهم الأم، يتنقلون من بلد إلى آخر، يحضرون المؤتمرات والندوات والملتقيات، ويتعالون عن السواد الأعظم من الشعب ويرفض البعض منهم مجرد الاحتكاك به !!!

بعض هذه القيادات استيقظ ذات صباح، وتفاجأ بسقوط نظام ابن علي الذي كان قد دعّمه في السابق بطرق شتّى، وقدم له التهاني غداة 7 نوفمبر 1987، واعتبره حامي هذه الأرض كما يحمي اللّه السماء، وأعرب عن استعداده لمواصلة العمل تحت إمرته .

بعضها ( قيادات بعض الأحزاب السياسية) من غيرالقادرة على البروز بخصوصيّة تميّزها والمقتصرة على استنساخ اسم حزبها من أسماء أحزاب سياسيّة تحكم بعض أقطار المشرق العربي وآسيا الصغرى، نهضت فجأة لتكوّن "حزيبا" بلا قواعد اجتماعيّة وبدون إمكانيّات ماديّة ضروريّة لإدارة هياكلها الحزبيّة وبعث خلايا لها في شتّى ربوع البلاد، متوهّمة امتلاكها القدرة على الفعل في الحياة السياسية، وهما بلغ بها درجة المرضUne obsession  .

الأنكى أنّه ليس لهذه الأحزاب من برامج غير خطوط عريضة تحوم حول الهويّة العربيّة – الإسلاميّة والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعية والتنمية الجهويّة والقضاء على البطالة ...
هكذا بعصا سحريّة وبقدرة قادر يقول للشيء كن فيكون !

وإذا صادف أن سألت إحدى هذه القيادات توضيحا لمقاربتها في معالجة بعض القضايا الاقتصادية أو الاجتماعية تجيبك بأنّ إطارات الحزب من المختصّين منكبّون على دراسة المسألة!!!

ولم تتورّع بعض القيادات الأخرى عن التبجّح بقدرة حزبها على خلق مليون فرصة عمل في ظرف خمس سنوات!!!
طوبى لنا معشر التّونسييّن، سنهتدي إلى الحلول التي ستخلّصنا نهائيّا من مشكل البطالة ومن المشاكل الاقتصادية .
فهل أخطأ من قال أنّ زمن المعجزات قد ولّى وانقضى؟؟؟
لكن من حسن الحظّ أن بعض القيادات الأكثر جديّة ورصانة ورجاحة عقل وسداد تفكير، تخاطب النّاس بلغة عقلانيّة وبواقعيّة، وتصرّح بأنّ حلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في ظرف خمس سنوات ضرب من ضروب المزايدات والعبث السياسوي، وهو أقرب إلى المستحيل منه إلى المستطاع.

فليتّق بعض أصحاب الأحزاب اللّه في هذا الشعب الذي أصبحت رؤيته للوضع السياسي من الضبابيّة بما جعله يعزف عن التسجيل في القائمات الانتخابية للإدلاء برأيه ، لأوّل مرّة في حياة الكثيرين، في انتخابات ينتظر أن تكون أكثر نزاهة وشفافيّة من سابقاتها.

لكن كيف لهذا الشعب أن يعبّر عن رأيه في وقت أوشك أن يكون لكلّ حيّ سكني من أيّ مدينة "حزبه السياسي"؟

الآن يستوجب الوضع الوقوف في طريق المنتصبين الفوضوييّن والمتاجرين بالمبادئ والمتطفّلين من هواة السياسة. وهل أنّ باسم حريّة التعبير ترتكب الحماقات ويفتح الباب لكلّ من هبّ ودبّ؟

أليس من الأفضل توجيه هؤلاء الطفيليّين والمتهافتين على فتات الموائد السياسية والمتطلّعين إلى القيام بدور أكبر من حجمهم الحقيقي، إلى تأسيس جمعيّات و منظّمات مدنيّة وجمعيّات غير حكوميّة : ONG تعالج بعض الإخلالات الاجتماعية ، فتكون فائدة نشاطهم أنفع إذا كانوا يسعون حقّا إلى خدمة مجتمعاتهم؟

ثم لماذا لا تفكّر بعض القيادات في بعث أحزاب تتفرّد بخطاب وببرامج أخرى غير التي تلوكها بقيّة الأحزاب. برامج أصيلة ملائمة لمتغيّرات الواقع المتحوّل باستمرار، مركزة على التعامل مع الأقطار الصناعية الجديدة الفاعلة أكثر فأكثر في عالم اليوم، كالصين الشعبيّة والبرازيل والهند وتركيا، أو " التنّينات" كتايوان وهنغ كنغ وسنغفورة وكوريا الجنوبيّة، أو  "النّمور" كأندونيسيا والفلبّين وماليزيا ... واستهداف أسواق جديدة لترويج المنتوج التونسي المتنوّع، قادرة على دفع جهاز إنتاجنا الفلاحي والصناعي إلى مزيد الإنتاج، كأسواق إفريقيا جنوب الصّحراء الكبرى التي ما زالت دون مستغلّة بالكيفيّة المثلى Des marchés encore sous exploités.

لماذا لا يفكّر السياسيّون في أحزاب غير مأدلجة، أحزاب براغماتيّة تركز على معالجة المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الموروثة عن نظام فاسد بكلّ أبعاد الفساد الأخلاقي والمادّي، قاطعة مع الخطاب الذي تقدّم والذي لم يتغيّر منذ الستّينات، ومستلهم من اديولوجيّات طوى ذكراها التاريخ منذ أكثر من عقدين؟

إنّ أغلب الأحزاب التي وصفها أحد المفكرين بعبارة "الكثرة ... وقلة البركة" ستختفي قريبا من السّاحة السياسيّة وتحديدا بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، ولن يبقى منها غير تلك التي تتمتّع بشرعيّة تاريخيّة وببرامج واضحة المعالم وبقيادات كاريزميّة تستقطب عددا من المهتمّين بالشّأن السياسي .

انتخابات المجلس التّأسيسي

كثير من الغموض يحوم حول تاريخ 23 أكتوبر 2011 وما يليه من قادم الأيّام، وحول المجلس التأسيسي نفسه خاصّة وأن تجربة المجلس القومي التّأسيسي الذين انتخب أعضاؤه يوم 25 مارس 1956 بأمر من آخر بايات الأسرة الحسينيّة الحاكمة منذ 1705 ، وهو محمّد الأمين باي، الصادر في 29 ديسمبر 1955 والذي ينصّ على إنشاء مجلس قومي تأسيسي منتخب لإعداد دستور للبلاد والذي جاء فيه :
" وحيث أنّ الوقت قد حان لمنح مملكتنا دستورا يحدد نظام السلط وسير مختلف دواليب الدولة وحقوق المواطنين وواجباتهم.
وحيث أنّه يتّجه تمكين شعبنا منا المشاركة مشاركة فعليّة بواسطة ممثّليه المنتخبين في إعداد القوانين الأساسيّة للبلاد ... أصدرنا أمرنا هذا بما يأتي:

الفصل 1 : يقع استدعاء مجلس قومي تأسيسي ليوم الأحد 8 أفريل 1956 لسنّ دستور لمملكتنا.
الفصل 2 : يقع انتخاب لمجلس القومي التّأسيسي حسب الاقتراع العام المباشر السرّي طبق شروط يضبطها قانون انتخابي يصدر فيما بعد.
الفصل 3 : يختم الدستور الموضوع من طرف المجلس القومي التّأسيسي بخاتمنا السّعيد كدستور لمملكتنا.

ولقد ترأس الحبيب بورقيبة المجلس القومي التأسيسي في أوّل جلساته ( 8 أفريل 1956) قبل أن يعيّن رئيسا للحكومة ليخلفه المناضل جلّولي فارس.
وللتّاريخ نذكر أنّ قائمة " الجبهة الوطنيّة" هي التي فازت في الانتخابات، وكانت تضمّ إلى جانب الحزب الحر الدستوري التونسي، المنظّمات المتحالفة معه : الإتحاد العام التونسي للشغل، الإتّحاد التّونسي للصناعة والتّجارة ، الإتّحاد القومي للمزارعين التّونسيّين ...

لقد تلاشت ذكرى المجلس الوطني التّأسيسي من ذاكرة أغلبيّة الشعب التونسي الذين لا يتجاوز سنّهم الثلاثين سنة، والذين لو يعايشوا أحداث ما بعد الاستقلال، تلك الفترة التي كانت حبلى بقرارات جريئة حددت اتجاه البلاد السياسي ورسمت الخطوط الكبرى لمسيرتها التنمويّة، ووضعت الأسس المهيكلة لمجتمعها، ممّا يستوجب الرجوع إلى التّاريخ لاستقراء تلك الأحداث.

أمّا اليوم فإنّ عددا من الأسئلة يبقى مطروحا مثل :
ما هو المجلس التّأسيسي؟
من يحق له انتخاب أعضائه؟
ما هي صلاحيّاته؟

إنّ المجلس التّأسيسي جمعيّة ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام والسرّي من قبل التّونسيّين الذين تتوفّر فيهم الشّروط التّالية :
  • بلوغ سن 18 سنة يوم الاقتراع
  • أن يكونوا من حاملي الجنسيّة التّونسيّة
  • أن يكونوا متمتعين بحقوقهم المدنيّة والسياسيّة

أمّا أهمّ المسؤوليّات الموكولة للمجلس التّأسيسي فهي قطعا صياغة دستور للبلاد.

إنّ الدستور هو مجموع نصوص قانونيّة يتمّ صياغتها من قبل أعضاء المجلس التّأسيسي لتنظيم البلاد مستقبلا وتحديد طبيعة النظام السياسي المتّفق على إتباعه.

وعموما فإنّ الدّستور هو القاعدة القانونيّة والدستوريّة لكلّ نظام سياسي يحترم نفسه ويعامل منضويه على أساس كونهم مواطنين لهم حقوق وواجبات يضمنها الدستور.
و هو الذي ينظّم السلطات الثلاثة ، وينظّم العلاقة بينها ويضبط حدود كلّ واحدة منها لتجنّب تداخلها ، إضافة إلى تجسيم طموحات وآمال الشّعب في فترة ما من تاريخه، تلك الطموحات والآمال التي فجّرتها ثورة 14 جانفي 2011 ورفعت شعاراتها أمواج الشباب الهادرة: حريّة، ديمقراطيّة، كرامة، عدالة، مساواة ...

لكن كم يلزم من الوقت لصياغة الدّستور؟

ما زال الغموض وعدم الدقّة يلفّان هذا الأمر.
لا أحد يملك إجابة دقيقة عن هذا السؤال حاليّا!
شهر، شهران، سنة، سنتان؟

التخمينات كثيرة والاقتراحات متنوّعة، ومن أجل ذلك بدأت بعض القوى السياسيّة تطرح فرضيّة الاستفتاء بينما ترفضها قوى أخرى ...

ثمّة أسئلة أخرى تزيد رؤِية أغلبيّة التّونسييّن للوضع السياسي ضبابيّة منها :

هل تقتصر مهمّة المجلس التّأسيسي على صياغة الدستور فحسب؟ أم ستشمل ممارسة السّلطة التّشريعيّة الفعليّة كما لو كان مجلس نوّاب؟
وهل سيكون تشكيل حكومة جديدة بديلة للحكومة الانتقالية من ضمن صلاحيّاته؟
ثمّ ماذا عن تعيين رئيس للدّولة؟
هل سيتمّ تعيين رئيس مؤقّت في انتظار المصادقة على الدستور الجديد وتنظيم انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة جديدة تصفي صبغة الشرعيّة على هياكل الدّولة؟

لا توجد أجوبة لكل هذه الأسئلة تنير السبيل أمام المواطن البسيط بلغة سلسة واضحة، لا بلغة الحقوقيّين الذين استحوذوا على المشهد السياسي و التي فاضت وسائل الإعلام بلغتهم الموغلة في ثنايا وتفاصيل العبارات التقنيّة التي ليس للمواطن البسيط القدرة على استيعاب معانيها بالدقّة المطلوبة، وهو الذي لم يكد يخرج من أكثر من نصف قرن من تصحّر الفكر السياسي وسيطرة التعتيم الإعلامي على المشهد السياسي، فضلا على أنّ بعض التونسييّن ما زالوا يتذكّرون ما آلت إليه الأمور وما أصبح عليه المجلس القومي التّأسيسي لسنة 1956 من قدرة على التدخّل في شؤون الدولة ومساءلة الحكومة حول بعض القضايا وحتّى سحب الثقة منها، وكذلك تغيير النظام السياسي للبلاد باسم ... الشعب والشرعيّة الانتخابية.

فهل سيكون هناك تشابه بين المجلس القومي التّأسيسي لسنة 1956 والمجلس التّأسيسي لسنة 2011 ، خاصّة إذا أدركنا أنّ المجلي التّأسيسي المنتظر سيكون المؤسسّة الشّرعيّة الوحيدة الممثّلة لسيادة الشّعب إلى غاية تنظيم انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة جديدة، وأنّ بعض القوى السياسيّة الممانعة لإجراء استفتاء متزامن مع انتخابات المجلس التّأسيسي قد عبّرت بصراحة بأنّ أعضاء المجلس التّأسيسي هم الذين سيحكمون البلاد بجمعهم لكل السلطات وهذا يعني في المحصّلة إمكانيّة انزلاق البلاد إلى دكتاتوريّة المجلس التأسيسي الذي يمكن أن يتحوّل إلى سلطة أبديّة بيد قوّة سياسيّة أعلنت عن تأكّدها من الحصول على 60% من نتائج الانتخابات المنتظرة؟

أمام هذه الأسئلة الحارقة والتي تتطلّب توضيحا رسميّا من قبل السلطة الانتقالية لتوضيح الصّورة فيما يتعلّق بهذا  "الإسهال" الحزبي وبصلاحيّات المجلس التّأسيسي، يبقى المواطن حائرا مفضّلا العزوف عن المهاترات السياسويّة مدبرا ظهره لها.

فهل سيصل الأمر إلى حد التحسّر على زمن انقضى دون رجعة، زمن كان الوضع السياسي فيه أكثر وضوحا رغم عيوبه الكثيرة؟
يا خيبة المسعى إذا ما وصل الأمر إلى هذا الحد!!!


ملحق

افتتح الحبيب بورقيبة رئيس المجلس التّأسيسي أوّل اجتماع للمجلس يوم 8 أفريل 1956 بكلمة قيّمة جاء فيها :

"... فنحن اليوم بصدد بعث دولة جديدة ينبغي أن يقام نظامها على أسس واضحة متينة. وسيطبع ذلك النظام بطابع عصركم هذا، وهو ككلّ شيء بشريّ قابل للتطوّر والتّعديل ولكن المسؤوليّة النبيلة الملقاة على عاتقنا توجب علينا التروّي ومراعاة الواقع ومعرفة نفسيّة شعبنا وتاريخه وحاضره والاعتناء بحاجيّاته الضروريّة لكي يضمن الدستور البقاء لدولتنا واستقرار الحكم فيها.

فلا يمكن أن ننسى أننا عرب ننتسب إلى الحضارة الإسلاميّة، وأننا أيضا نعيش في النصف الثاني من القرن العشرين نريد أن نساهم في ركب الحضارة وأن نكون في صميم عصرنا الحاضر، ولذا نمقت الفوضى والاستبداد ونرفض الجمود والرجعيّة ..."

التّعليق

      ما أشبه اليوم بالأمس القريب!!!