jeudi 21 juillet 2011

الثورة المضادة ترتدي عباءة العروشية و الجهويات


                                          
خبر أوّل:
 تم في بداية شهر جوان استباحة الدم التونسي من خلال ما سمّي ب "حوادث المتلوّي"، المدينة الفسفاطيّة الواقعة بجنوب غربيّ البلاد التونسيّة، والتي دارت بين عرشين هما أولاد بو يحي الذين يمثلون أغلبيّة سكّان المدينة، وعرش الجريديّة وهم أقليّة.
وفي حين يرى البعض حسب ما نشر في الجرائد وعلى الشبكة العنكبوتيّة أنّ الجريديّة احتكروا كلّ المناصب القياديّة في قطاع الفسفاط بالمدينة،  يرى البعض الآخر أنّ التعايش بين العرشين لم يطرح إشكاليّات فيما سبق بنفس الخطورة التي طرحها هذه المرّة، والتي كانت مناسبة أحكم بقايا النظام المنهاراستغلالها لصيانة مكاسبهم التي غنموها في العهد النوفمبري، وللإفلات من المحاسبة، وربّها للانتقام من نظام ارتكب حسب رأيهم مظلمة في حقّهم بمسحه قانونيّا التجمّع الدستوري الديمقراطي من مسرح الحياة السياسيّة وتصفية ممتلكاته.

خبر ثان:
14 جويلية 2011.
حلّت المصالحة محلّ العداوة والبغضاء بين عرشي السبيطليّة والهراهرة الذين تقابلا منذ أيّام في سبيطلة ...
وحسب مصادرمؤكّدة فإنّ شيوخ وعقلاء العرشين نجحوا في مساعي الصلح فتمّ ذبح الخرفان في المكان الذي وقعت فيه الأحداث الدامية كما تمّ نصب موائد الوئام وتشارك أفراد العرشين في تناول الطعام وكأنّ لا شيء قد وقع.

خبر ثالث:
14 جويلية 2011. 
جدّت يومي 12 و 13 جويلية 2011 أحداث أليمة في مدينة قفصة. وقد اتّفقت مختلف وسائل الإعلام والاتصال على أنّ العروشيّة والقبليّة والعنصريّة ... هي الأساس.

والملاحظ أنّه لم يثبت التاريخ مرّة واحدة وجود مثل هذا الصّراع بين أولاد سلامة وأحياء الحارة والصبط والمدينة العتيقة.
والثابت والمتأكّد أنّ الصراعات كانت على خلفيّات جد بسيطة وتدلّ على أنّها جاءت ممّن في قلوبهم مرض والكافرين بالثورة ...

الاستنتاج: أخبار ثلاثة قاسمها المشترك العروشيّة والقبليّة! 

ما هذه الانقسامات التي تهدد تماسك ووحدة المجتمع التونسي ؟
ما هذه الصراعات التي تهدد "الوحدة الوطنيّة " بالتصدّع ؟
صحيح أن الانقسامات كانت تميّز المجتمع التونسي، لكن كان ذلك قبل الاستقلال. لقد كان المجتمع وقتئذ منقسما بين البلديّة وهم سكّان الحواضر، المستقرّون في تجمّعات حضريّة من ناحية. والبدو أو الأعراب وهم سكان الأرياف والبوادي ومنهم المستقرّون في القرى والرحّل الذين يتعاطون تربية الماشية ويعتمدون الترحال بحثا عن الماء والكلإ لقطعان ماشيتهم وكانوا يتنقّلون باستمرار. وعند استقرارهم المؤقت في مكان ما تأويهم بيوت الشعر التي تنسجها نساء وبنات القبيلة وهي بيوت في غاية الجمال .
ونادرا ما كانت  العلاقة على أحسن ما يرام، بين القبائل البدو منها والرحل وبين النظام القائم، الذي لم يكن يرى في هذه التجمعات البشريّة غير وسيلة للتزوّد بالمنتوج النباتي والحيواني و... ما يجمعه ممثلوه منها من أموال، تفرضها سياسة جبائيّة مجحفة ولا متساوية بين الجهات والأفراد، هدفها الأساسي تلبية حاجيات الأسرة الحاكمة والبلاط المحيط بها.
بعد الاستقلال سعت الحكومات المتعاقبة إلى تعويض النزعة القبليّة والعروشيّة بفكرة "الوحدة الوطنيّة". وقد نجح النظام السياسي لتونس المستقلّة أيّما نجاح في بناء مجتمع انتفت منه الانقسامات القبليّة واختفت النظرة الدونيّة من فئة اجتماعية تجاه فئة أخرى،  أو هذا ما كان يوحي به ظاهر الأشياء على الأقلّ.
تجسّم هذا السعي في اجتهاد كبير لتعميم التعليم وتوحيده،  ومجانيّته والتشجيع على الإقبال عليه،  ونشر الخدمات الصحيّة في كلّ أنحاء البلاد، وكذلك تحقيق المساواة بين الجنسين. ممّا أضفى على المجتمع التونسي ميزة حداثية جعلته منفتحا على حضارة الأقطار المتقدمة، بقدر تمسّكه بأصالته وبثوابته الفكريّة والدينيّة التي إنغرست فيه منذ القرن الأول للهجرة والسابع للميلاد.
لكن يبدو أنّ النزعة القبليّة والعروشيّة لم تخمد نهائيّا، بل بقيت كالنار تحت الرماد.
والعروشيّة كما يعرّفها علماء الاجتماع، شكل من أشكال الهيكلة التنظيميّة للمجتمعات البدائيّة. ترتكزعلى القرابة الدمويّة، تلك التي يعبّر عنها العلاّمة عبد الرحمان بن خلدون في "المقدّمة" بالعصبيّة، إذ يقول في الفصل الثامن تحت عنوان "في أنّ العصبيّة إنّما تكون من الالتحام بالنسب أو ما في معناه":

"وذلك أنّ صلة الرحم طبيعيّ في البشر إلاّ في الأقلّ ومن صلتها النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة فإنّ القريب يجد في نفسه غضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه ويودّ لو يحول بينه وبين ما يصله من المعاطب والمهالك نزعة طبيعيّة في البشر مذ كانوا... "


لقد وجدت العروشيّة في المجتمع التونسي منذ أبعد الحقب الزمنيّة كأيّ مجتمع آخر من المجتمعات الإنسانيّة.
ولئن تمكّنت بعض المجتمعات من معالجتها وتعويضها بنزعة الانتساب إلى الوطن، أي غرس مفهوم الوطنيّة le nationalisme ، منذ القرن التاسع عشر الذي ازدهرت فيه الحركات الوطنيّة في أوروبا الغربيّة وأفضت إلى تحقيق الوحدة الألمانيّة في 1870 بزعامة وليام فون بسمارك، والوحدة الإيطاليّة سنة 1871 بزعامة قاريبالدي.

قلت أن العروشيّة لم تخمد نهائيّا والدليل على ذلك ما عشته شخصيّا في أواخر سنة 1977. حدث ذلك في مدينة صفاقس التي التحقت بها للتدريس في معهد الذكور بطريق قابس. وفي الأيام الأولى، وأثناء تعرّفي على مختلف أحياء المدينة، لاحظت وجود مقاعد خشبيّة كتلك التي توضع في الحدائق العموميّة، محاذية للسور المحيط بالمدينة العتيقة،  من جهة باب القصبة، وقبالة المعهد الفنّي، لكن لم ألاحظ ولو لمرّة واحدة من يجلس عليها، فدفعني فضولي إلى أن أطرح على مرافقي، وكان زميلا من أهل المدينة الطيبين، سؤالا يتعلق بسروجود مقاعد لا تستغلّ، فأجاب بأنّ تلك المقاعد وضعت ليستريح عليها "البراينيّة". ولمّا سألته عن معنى "البراينيّة"،  وقد فهم قصدي، أجاب بأن اللفظة تطلق على غير سكان المدينة، أي الغرباء عنها واللذين يقصدونها لقضاء بعض الشؤون، وعندما يأخذ منهم التعب مأخذه يجدون أمكنة يستريحون فيها!

يومها أدركت أن فكرة انقسام المجتمع إلى فئات عدّة متراتبة في الأفضليّة على أساس الانتساب إلى مدينة أو ريف، والتفريق بين بلديّة وبرّانيّة ليست حكرا على العاصمة. وأدركت أن عملا كبيرا ما زال ينتظر من على عاتقه تلقى مسؤوليّة تغيير المفاهيم المجتمعيّة وفي مقدمتهم المربّون، لتجسيم المعنى الحقيقي لفكرة "الوحدة الوطنيّة".

في الأيام الأخيرة صدمت ، كما صدم غيري، بما حدث من صراعات بين الجريدية وأولاد بو يحي، والسبيطليّة والهراهرة، والجلماوة وأولاد سيدي البشير وباب الجزيرة. وقد نسمع غدا بصراعات أخرى بين النوابليّة والشعابنيّة، والسواسة والمستيريّة، والهلاليّة والبوزيديّة، وأولاد باب سويقة وأولاد باب الجديد

ما هذا الخور؟
أهذه هي الثورة في مفهوم البعض ؟
ألم يع الناس بعد أنّ الثورة حبّ وإيثار وتماسك ووحدة ؟
ألم يبلغهم أنّ الثورة فعل سام،  لا ينحدر من ساهم فيه ودعّمه إلى درك الانقسامات الجهوية المقيتة، التي تقسّم ولا تجمع، تضعف ولا تقوّي، تشتّت ولا تلملم، تهدّم ولا تبني، وتأتي على الأخضر قبل اليابس وعلى كلّ ما أنجز وتحقق طوال نصف قرن ؟

مجموعتان من الأسئلة  أود طرحهما للتفكير فيهما، علّنا نتوصّل إلى وضع حدّ لهذه الحالة غير الطبيعية  التي نعيش على وقعها منذ بضعة أشهر،  والتي تشتت تركيزنا وتلهينا عن  القيام بما هو أساسي وعاجل،  لتسوية أوضاعنا بذكاء التونسي وفطنته المعهودتين والتين عرف بهما منذ أقدم العصور وأصبحتا من المكوّنات الأساسيّة لشخصيّته.

الأوّلى:
  من له مصلحة من كلّ ما يحدث  في بلادنا من غرائب الأمور التي لم نتعوّد ؟
ومن يصبّ الزيت على النّار ؟
من ينفخ على الرماد ليوقد نيران الفتنة بين أفراد الشعب الواحد ؟
من يحرّض التونسي على سفك دم أخيه التونسي ؟
من يحرّض على التمثيل بجثث إخوانه الذين كان يلتقيهم صباحا ومساء،في غدوّه ورواحه ؟
هل نحن في حرب ... أهليّة ولسنا على علم بذلك ؟
هل أنّ الجريديّة وأولاد بو يحي، والسبيطليّة والهراهرة، والجلماوة دخلاء على هذه البلاد ؟
أليس لهم الحق في التنقّل والتجوّل والشغل والسكن أين يطاب لهم المقام،  في أي شبر من هذه الأرض الطاهرة والزّكيّة ؟
كيف نسمح للبعض منّا بتلويث تربتها المعطاء وتعقيمها ؟

علينا أن نبحث عن المستفيد من كلّ هذا الخور الذي يحدث، وأن نستأصل جذوره،  في الداخل كان أو في الخارج.



الثّانية:
 أين هي مكوّنات المجتمع المدني ؟
أين هي الجمعيّات المدنيّة التي أصبحت تعدّ بالمئات ؟
 أم هل أنّ أقصى غايتها حصولها على ترخيص للعمل ؟
 وأيّ عمل هذا إن لم يكن التوعية ورص الصفوف،  الآن وهنا ؟
أين هي الأحزاب السياسيّة ؟
أليس التصدي إلى كلّ ما يشق المجتمع من صميم عمله ؟
لماذا نراها كلّها حتّى تلك الأحزاب الصغيرة التي يوهم مؤسّسوها أنفسهم بأن لهم وزنا سياسيّا في البلاد- وهي التي تأسست بالأمس القريب وكان رؤساؤها وأمناؤها العامون من الذين خدموا النظامين الأسبقين البورقيبي والنوفمبري – لماذا نراها تتكالب على عقد الاجتماعات  بمنخرطيها في كل أطراف البلاد، ولا تثير ما يهدد البلاد من عواقب سيّئة ؟
إنّي  أعرف البعض  من مؤسسي هذه الأحزاب، من قدم من فرنسا خصّيصا بعد التحوّل النوفمبري ليهنئ الرئيس الجديد. وعندما منع من ذلك،  تحوّل بقدرة قادر إلى المعارضة، وأسس اليوم حزبا سياسيّا واختار له اسما خاليا من كل إبداع، مكتفيا بنقل اسم حزب تركي يثير كثيرا من الجدل.

أليس الأفضل أن تتطرّق هذه الأحزاب السياسيّة المصابة بإسهال كلامي مزمن لا يفيد المواطن البسيط في شيء، إلى هذا الخطر المحدق بالبلاد والمهدد بفتنة، لو اندلعت لن يستطيع أيّ كان إطفاء نيرانها إلاّ بعد أن تكلّف البلاد كثيرا من الوقت والخسائر، فتدخل بذلك قلوب التونسيين،  وتكتسب شرعيّة وطنيّة تؤهلها إلى مغازلة الحكم الذي يبقى في نهاية التحليل غايتها الأولى.
أليس هذا ضعف إستراتيجيّ فادح من قبل هذه الأحزاب ؟ أم تراها ما زالت تعيش فترة الطفولة، أو لنقل فترة المراهقة السياسيّة ؟
أليس من مهامها الأساسيّة التوعية والتثقيف السياسي للمنضوين تحت لوائها ؟
أليس من مهامها تدعيم الوحدة السياسيّة التي تبقى الضامن الوحيد لتعايشنا على هذه الرقعة الجغرافيّة الضيقة التي تسمى تونس ؟

لكن ماذا عساني أقول، ومؤسّس أحد هذه  الأحزاب السياسيّة يعتبر العلم المفدّى، الذي قضى في سبيله مئات آلاف التونسيين،  ليرتفع مرفرفا من أعلى مؤسسات البلاد دون أن يرفع إلى جانبه علم دولة أخرى، اغتصبت أرضنا ويتّمت أبناءنا وهتكت أعراض بناتنا ونساءنا، ومشّطت قرانا وبقرت بطون الحوامل من نسائنا في قرية تازركة بالوطن القبلي، وفي غيرها من القرى والمدن التونسيّة الكثيرة، واغتالت زعمائنا السياسييّن والنقابييّن ... يعتبر ذلك العلم  مجرّد ...  خرقة ؟

 ماذا عساني أقول وقد ملأني شعور بانّ حزبا كهذا، وغيره من الأحزاب الأخرى المماثلة له، لا تربطني به ولا يربطه بهذا الوطن أيّ رابط،  بدعوى انتمائه إلى فضاء أرحب، لا معنى فيه للحواجز المصطنعة ولا للانتماءات الوطنيّة.
هذا النوع من الأحزاب لا يلزمني وأتصوّر أنّه لا يهمّ كثيرا من التونسيّين.
 لذا أقول اليوم أن البقاء في هذه الأرض لا يكون إلاّ لمن أثبت ارتباطه بها قولا وفعلا،  وثبّت ذلك في ميثاقه، وإلاّ ليس له في أرضنا مقام، من غير أن  يعني ذلك أي شكل من أشكال الإقصاء.

إنّ الوضع الحالي، الذي تمر به بلادنا في غاية الدقّة، ويتميّز بغياب أو شبه غياب السلطة السياسيّة وبالانفلات الأمني الذي سجل منذ 14 جانفي 2011، وبتحدي المواطنين للسلطة الأمنيّة التي فقدت في نظرهم الكثير من مصداقيّتها بسبب تورطها في كثير من القضايا،  وقيامها طويلا بدور المدافع عن النظام لا عن الشعب. كلّ ذلك أدّى  إلى البروز على سطح العلاقات بين الأفراد لجزء من المخزون القديم من أحقاد وأغراض لم تسوّ في الإبّان بالطرق المثلى، وذلك لأتفه الأسباب أحيانا بغية تصفية حسابات قديمة أو أخذ ثأر عطّلته القوانين الوضعيّة وترتيب التقاضي الطويلة في ظلّ عدم التشبّع بمفهوم المواطنة والولاء لتونس أوّلا وأخيرا.
لقد كان للنظام المنهار دور أساسيّ في تغذية الجهويّة بين الساحل وبقيّة المناطق، تغذية اتخذت من المجال الرياضي، ومن لعبة كرة القدم تحديدا، مرتعا لها ساهم فيه بكلّ غباء وحماقة، (أو بتخطيط جهنّمي) مسؤولون عن فرق رياضيّة تصوّروا أنفسهم خطأ أنّهم يخدمون جهاتهم، وفاتهم أنّهم يبذرون الحقد بين الجهات، ويشجّعون التنافر بين الأفراد، بينما كان من المفروض أن يعملوا على غرس معاني التداني والتحابب بين المواطنين.
زيادة عن ذلك فقد سعى النظام البنعليلي بكل ما أوتي من جهالة رأسه،  الذي  لم يمسك في حياته كتابا، إلى تكريس التنمية اللاّمتكافئة بين أقاليم بلاد أصبحت ذات وجهين متناقضين تمام التناقض، الساحل البحري المجهّز بكل أنواع التجهيزات الاقتصادية والصحيّة والاجتماعية والرياضية والترفيهيّة والشبابيّة، والداخل المتخلف عن ركب الساحل على كل المستويات، كما لو كان  سكّانه من غير حاملي  الجنسيّة التونسيّة ولم يساهم آباؤهم وأجدادهم  في تحرير هذا الوطن ودفع ضريبة الدم من أجل أن تكون تونس حرّة بين الدول.




ما هو المطلوب اليوم؟

هذا الوضع الهشّ الذي عليه بلادنا اليوم،  يتطلب منّا أن نكرّس في شبابنا مفاهيم المواطنة والحب اللاّمشروط للوطن من خلال مراجعة منظومة التعليم والبرامج التربويّة، والتخلّي عن المنظومات التربويّة المفروضة علينا مقابل ملاليم يعلم اللّه وحده من استفاد منها، من قبل فرنسا والكندا وبلجيكيا.
 وعلينا الاستفادة من تجارب الآخرين : تركيا، الهند، ماليزيا، البرازيل، الصين، أي التجارب التي أثبتت نجاعتها.
كما علينا تنويع اللغات المدرسّة في معاهدنا، ألم يحن الوقت بعد لفكّ هذا الارتباط البغيض باللغة الفرنسيّة،  التي ما انفكت تتأخّر في المحافل الدوليّة أمام اكتساح اللّغة الانكليزية، لغة التخاطب في كل العالم؟ دون أن يعني ذلك طبعا التخلي نهائيّا عن اللغة الفرنسيّة و إهمال اللغة الأم، العربيّة. لماذا لا نكون بلدا ثلاثي اللغات؟ أليس الإبداع والسبق من شيمنا منذ أقدم العصور؟
وعلى رجال التعليم ، مكوّني الأجيال، والذين همّشهم النظام المنقضي، (ولم يكن له أن يفعل غير ذلك، كما همّش الثقافة لأنّ فاقد الشيء لا يفهم ذات  " الشيء" ولا يعطي منه أي شيء بسبب فقدانه له!) تكريس السلوك الحضاري في ناشئتنا، واحترام بعضنا للبعض الآخر مهما اختلفت أفكارنا. والحرص  على التمسّك بمرجعيّاتنا الدينيّة والثقافيّة البعيدة كلّ البعد عن التعصّب والتطرّف.
وعلى أصحاب القرار أن يعتمدوا العدل والمساواة بين الأفراد والجهات.

إنّ الشباب الذي خرج إلى الشوارع وعرّض صدره "للكرطوش الحيّ" لن يتراجع في المستقبل، وها أنّنا رأينا رجالا ونساء، شبابا وشيوخا يستلقون على الأرض أمام شاحنات الشرطة يوم الجمعة 15 جويلية 2011، غير عابئين بما يمكن أن يحدث لهم.
إنّ هذا الصنف من المواطنين أراد أن يبلّغ السلطة أن الزبد بلغ الربى وأنّه لا صمت بعد اليوم، ولا خوف بعد اليوم، ولا تراجع أمام الظلم، والتعسف، والتجاهل ولامبالاة النظام.
إنها رسائل مضمونة الوصول بعث بها الشعب إلى أولي الأمر.
فليتّعظ من بيده الأمر.
إنّ اليقظة مستمرّة ولن تهدأ مستقبلا أبدا. لقد تغيّرت البلاد، وتغيّر سلوك العباد.
وعلينا أن نتصدى لكلّ محاولات بقايا الحثالة التي جثمت على أنفاسنا عقودا طويلة، وكتمت أصوات أدمغة اكتشفنا كم هي عظيمة،  وكم كان يمكن أن تفيد به البلاد لو تم الاستنارة والاستئناس بآرائها، عوضا عن طمسها وفسح المجال لغربان ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كلّ ريح، ولأنصاف رجال،  نفخ النظام في صورهم فتحوّلوا إلى شخصيّات مهمّة،  وما كانوا يحلمون يوما بذلك.  وكان عليهم أن يردّوا جميل من وضعهم في مراكز القيادة بالتسابق في التطبيل والتزمير والتظليل، همّهم الوحيد الدفاع عن أطماع تتعاظم يوما بعد يوم، لتصبح  مثل كرة الثلج المتدحرجة من أعالي الجبال، عوضا عن أن  يتّقوا اللّه في هذا الشعب المسحوقة أصواته، والذي ما زالت ثورته مهدّدة بثورة مضادّة.
يجب أن نتصدى لمظاهر الثورة المضادة  بمنتهى السلوك الحضاري.
إنّ ثورتنا حضاريّة وستبقى كذلك  كما قال ذلك الشيخ يوم الجمعة أمام كاميرا التلفزة الوطنية وكلّه حماس وعزم وإصرار على تبليغ رسالته.
إنّه عمل طويل النفس ، يتطلّب اليقظة والتأهّب لمعالجة ما يمكن أن يطرأ من إشكالات في الإبّان.
كان اللّه في عون الجميع.

مصدرالكاريكاتور : قريحة سيف الدين الناشي، مدونة "باكو نوار".
http://seifnechi.blogspot.com/2011/06/akhiran-rwanda-fi-tounes.html

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire