dimanche 17 décembre 2017

"Penser l'Islam" : قراءة لا فلسفيّة

                                                
شهد مطلع سنة 2017 صدور كتاب للفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري، عن دار النشر"قراسي"، عنوانه "لنتفكّر الإسلام"، تطرق فيه لعديد القضايا المتعلّقة تحديدا برؤية الغرب "للإرهاب الإسلامي" المُستهدف للبلدان الغربيّة، ولموقف الإعلام الغربي من الإرهاب. كما تطرّق للكتاب المقدّس، القرآن، وكُتب السيرة والأحاديث النبويّة، وما تتضمّنه من تناقضات تضع المسلم في حيرة من أمره حين يريد إختيار المنهج القويم.
عنوان الكتاب يطرح في حد ذاته إشكالا على مستوى التعريب، إذ يضع بين ايدينا  خيارات عدة تعكس مضمون الكتاب مثل: لنتفكّر الإسلام، لنتدبّر الإسلام، لنتأمّل الإسلام ...
هذا العنوان يذكّرنا بعناوين أخرى، يعسُر عدها لكثرتها تناولت ذات الإشكاليّات التي تناولها أونفري في كتابه، وذلك منذ سبعينات القرن الماضي تحديدا في إطار نظرة جديدة للموروث الديني الإسلامي بدءا بالكتاب المقدّس، على غرار كتب سليمان بشير دياغني ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد ويوسف الصديق ومحمود محمد طه وغيرهم كثيرون ...




لذلك فان كتاب أونفري يتنزّل في سياق اجتهادات مفكري الغرب لفهم أعمق وأشمل للعالم الإسلامي، ولتفسير ما يصدر عن "الذئاب المنعزلة" من عنف وأعمال إرهابيّة تُسبب للغرب أضرارا ماديّة وبشريّة ثقيلة ...

جاء الكتابُ في شكل حوار أدارته الإعلاميّة بجريدة "الجديد"، أسماء كُوار، أثارت خلاله عديد القضايا ذات الصلة بالإسلام كدين وبالعنف كممارسة ...
ولأهميّة الأجوبة المُقدّمة رأى المُحاور ضرورة جمعها في كُتيّب، اعتبره "كتاب مواطن"، تناول فيه الدين الإسلامي الذي يراه مشغلا فلسفيّا بقدر ما هو مسألة مُواطنة . ولتبرير موقفه هذا يرى أن التفكير في الإسلام كدين لا يستوجب ضرورة اعتناق المفكر للإسلام بقدر ما يتطلّبُ منه أن يكون "مدفوعا برغبة حرّة  للتدبّر".
يتمحور الكتاب حول ثلاثة عناصر أساسيّة:

  •  نقد اليسار الفرنسي وابراز فشل الحُكومات  اليسارية بالنأي بفرنسا عن بُؤر الصّدام المسلّح.
  •  موقف الغرب من "الإرهاب الإسلامي" وخلفيّاته.
  •  إشكاليّة التناقضات في الموروث الإسلامي.

 نقد اليسار الفرنسي  

استهل الفيلسوف كتابه بهذا المشغل، واختار له عنوان"تفكير فيما بعد الجمهوريّة "، عبّر ضمنه عن موقفه من اليسار الفرنسي منذ سنة 1983، مؤكّدا على "خيانته" لليساريّين منذ وصول الرئيس فراسوا ميتيران إلى سدّة الحكم،  وذلك  في مناسبتين شكّلتا القادح الذي فتح المجال لتسلّل اليمين المتطرّف إلى الساحة السياسيّة وتدعيم موقعه فيها، وأخرجتا في ذات الآن السياسة الخارجيّة الفرنسيّة عن صبغتها "السلميّة" التي لازمتها عُقودا طويلة، وألقتا بها في مركب السياسة الخارجية العُدوانيّة لعائلة بوش، الماسكة بزمام الجكم في الولايات المتحدة الأمريكيّة، مما ورّط فرنسا وأشركها في إعتداءات أسقطت حوالي أربعة ملايين ضحيّة تتحمّل فيها  جُزئيّا مسؤولية أخلاقية ...
ويطرح الفيلسوف السؤال الإنكاري التالي: هل بالإمكان تصوّر أن  ما يستهدف فرنسا اليوم من أعمال "إرهابية" صادرة عن مُسلمين مُتشددين يعيشون داخل فرنسا ويحملون جنسيّتها، لا صلة  لها بالسياسة الخارجية التي مارسها اليسار؟




هذا التساؤل فتح الأبواب على مصراعيها  لتشويه الرجل وتلويث سمعته منذ أن  توعّد الوزير الأول الفرنسي، إمانوويل فالس، المفكرين ( فلاسفة، علماء اجتماع، علماء نفس ، ديموغرافيون، مؤرخون...) والإعلاميين الغيورين على شرف مهنتهم ، الذين رفضوا الإستبداد الأيديولوجي وسيطرة رأس المال والنظام الليبرالي ككلّ ، مما اضطرّه  إلى التأكيد على مواصلة انتمائه لليسار الفرنسي لما قبل 1983 فيما يتعلّق بالسياسة الداخليّة وليسار ما قبل 1991 فيما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة.


موقف الغرب من "الإرهاب الإسلامي" وخلفيّاته

تناول الكاتب ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب و في فرنسا تحديدا، داعيا إلى الرجوع إلى أسبابها العميقة، وهوما قام به، عوضا عن الإقتصار على  تحليل نتائجها.
جاءت محاولته تلك في غاية الدقة ، وعكست  اطلاعه  العميق على الخلفيات التاريخية للأسباب التي ولّدت"الإرهاب"، بالرجوع إلى بدايات ظهور النزعة الإستعماريّة للغرب المُصنّع في النصف الأول من القرن التاسع عشر، مُستدلا في ذلك بخطاب الوزير الأوّل الفرنسي جول فيري الذي ألقاه في 28 جويلية سنة 1885 أمام أعضاء الجمعيّة العامة، والذي عبّر فيه عن "تفوّق" الحضارة الفرنسيّة وما يتطلّبه ذلك منها من فرض للقانون ولنمط عيشها على البلدان المُستضعفة ...
ويواصل أونفري في هذا السياق مُشيرا إلى الأكاذيب التي تجترّها سياسة الغرب مُقدّما كمثال إدعاء الأمريكي كولن باول حيازة الرئيس الأمريكي صدّام حُسين أسلحة دمار شامل تُهدد "الأمن القومي الأمريكي" وهو  يُقدّم  "الدليل القاطع" مُلوّحا  من أعلى منبر الأمم المتحدة بأنبوب اختبار يحتوي على سائل لا أحد غيره يعرف طبيعة المحلول الذي يحتويه ...



كما حاول دحض ذريعة الغرب "للتدخل في البلدان الأخرى" والتي روّج لها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، كوتشنار فيما يتعلّق بالعراق، وبرنار هنري ليفي فيما يتعلّق بليبيا-،  دفاعا عن حقوق الإنسان، وهو ما تذرّعت به الولايات المتحدة الأمريكيّة وفرنسا عند مهاجمتيهما،  بمشاركة أعضاء من حلف الناتو، بلدانا إسلاميّة، مُتسائلا لماذا لا تُهاجمُ البلدان التي تدُوس فعلا تلك الحقوق ، والتي تخترق القانون الدولي مثل الصين وكوريا الشماليّة والمملكة العربية السعوديّة وإيران وباكستان وقطر، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، التي ما انفكّت تدعم سياسة الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة؟


ويُضيف أن من بين هذه البلدان من تُزوّد "الإرهابيين" بالمال وبالعتاد العسكري: علاقة أسامة بن لادن بالولايات المتحدة الأمريكيّة وإيواؤه من قبل باكستان نموذجا ...
ويُؤكّد أن السياسة العالمية الجديدة انما هي سياسة إستعمار جديد، يستهدف بلدانا تزخر بواطن أراضيها بثروات طبيعية هائلة ومتنوّعة،  يسيل لها لُعابُ الغرب ولُعابُ مؤسساته الصناعية الخاضعة للوبيات ماليّة تتحكّم في الإقتصاد العالمي وتبحثُ عن  أسواق تُروّج فيها منتجاتها وتستمد منها المواد الضرورية لديمومة انتاج مصانعها، فيما تُقصف في ذات الوقت بلدان لا قدرة عن الدفاع عن سيادتها خدمة لتجّار الأسلحة الأمريكيين بالأساس.

ويُقدّم أجوبة لأسئلة طرحتها عليه مُحاورته من أهمّها :
  •  اندماج الجالية المسلمة في فرنسا من عدمه .
  •  مدى معرفة الفيلسوف المُحاوَر للإسلام.
  •  قضية منع المسلمات من ارتداء الحجاب والنقاب في بعض البلدان الغربية.

ويتولّى  بدوره طرح أسئلة حارقة على غرار:
أليس من الظُلم استهداف المسلمين بترويج الفكرة القائلة بأنّ الإسلام كدين مسؤول عن الإرهاب؟
قبل أن يطرح سؤالا خطيرا: كيف لا تكون فرنسا مُستهدفة اليوم إرهابيّا بعد أن حاربت طيلة ربع قرن، بدعم من النخبة الفكريّة، بلدانا اسلامية وساهمت في إسقاط أنظمتها الحاكمة وفي تدمير بناها التحتيّة؟


إشكاليّات التناقض في الموروث الإسلامي

يتعرّض الفيلسوف في هذا الجزء من الحوار إلى إشكاليّة التناقضات في الموروث الإسلامي ، مُتناولا ما في النصّ القرآني وفي كتب الحديث والسيرة النبويّة وكتب الفقه من تضارُب ، مُشيرا إلى انّها تُقدم الرأي ونقيضه.ففيها دعوة للحب وللتحابب وللتسامُح والتضامن والإخاء والتكافل والتعايُش، بقدر ما فيها من دعوة للتقاتُل ولسفك الدماء والضرب على البنان وقطع الأعناق وبتر الأعضاء من خلاف ، وأمر بالجلد وبمعاداة الأسامية، وتشييىء للمرأة وإذلالها وتعنيفها بالضرب وبالهجر في المضاجع، وبحرمانها  من حق في الميراث يُعادل حق الرجل.مشيرا إلى أنّه ليس مُعاديا للإسلام بل داعيا إلى ضرورة قراءة التوراة والإنجيل والقرآن كما نقرأ أثار ارسطو وافلاطون، أي بتدبّر للتناقضات وبسعي لفهم المقاصد، معتبرا ان كل من يحرّم هذا النوع من القراءة العقلانية والنقدية يكون معاديا لحريّة التعبير ولإعمال العقل.

ويحاول أونفري في هذا الباب استعراض معرفته العميقة للإسلام بالإستشهاد بعديد الآيات القرآنيّة وبالأحاديث النبويّة، وبعمليّة تدوين القرآن وجمعه وترتيب آياته وسُوره ...
لكن ما يُعابُ عليه في هذا الباب بالذات اعتماده المتكرر على أحاديث لا يستسيغُها العقل وردت في كتاب صحيح البخاري الذي لا يوجد في العالم الإسلامي اتفاق بين العلماء حول ما يتضمنه من احاديث نبوية تغذي العنف والقتل والصلب ينسبها لمن بُعث رحمة للعالمين .

وكذلك تأكيده على أن الخليفة الراشدي الثالث، عثمان بن عفّان، اعتمد في ضبطه المصحف على التسلسل التاريخي لنزول السور والآيات، مرتّبا السور حسب عدد آياتها من الأكثر إلى الأقل آيات.وهذا مُجانب للحقيقة لأن السور لم تنزل كاملة دفعة واحدة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، لا يُطابق ترتيبها حسب عدد الآيات الحقيقة، ذلك لأن السورة الخامسة(سورة المائدة) تتضمّن 120 آية، فيما تتضمّن السورة السادسة(سورة الأنعام) 165 آية، والسورة الثامنة(سورة الأنفال) 75 آية، والسورة التاسعة (سورة التوبة) 129 آية.ممّا يدحض ما ذهب اليه أونفري.

لذا فان مرجعيّة الفيلسوف الدينية ، فيما يخص الدين الإسلامي تتسم بعدم الدقّة وبعدم تنزيل استشهاداته في سياقها الزماني والمكاني، وباقتطاف الجزء الذي يدعم  فكرته مع اهمال بقية الآية ، على غرار ما قام به عند استشهاده بدعوة الإسلام إلى معاداة الأساميّة معتمدا في ذلك على الآية 30 من سورة التوبة.
وقبل ختمه كتابه يُجيب أونفري على أسئلة فرعيّة منها :

 - قضيّة منع المُسلمات من ارتداء الحجاب التي وعد بها ساركوزي في حملته الإنتخابية الثانية
 - قضية اعتبار الرسول محمد رجل حرب بينما كان الرجل شديد الحرص على التواضع وعلى نشر المحبّة حوله.
 - العلاقة بين الإلحاد والأخلاق.
- دور الميديا الغربية في المزج بين الإرهاب والإسلام.
- مدى تطبيق المقولة الماركسيّة"الدين أفيون الشعوب" على الدين الإسلامي.
- علاقة اليسار الفرنسي بالإسلام في تصدّيه للليبيراليّة.
 وفي الخاتمة نلمس حرص الفيلسوف على لفت نظر السياسيين الفرنسيين إلى خدمة بلادهم لا إلى الإستفادة منها، وإلى عدم جعل فرنسا عُرضة لمخاطر الإرهاب ولللإعتبار من التاريخ الذي تبقى أسمى معانيه أن الجنوح إلى السلم أفيد.



 خلاصة القول

 نُشير إلى ان الكتاب قيّم المحتوى، مفيد وثريّ إلى أبعد حد، لما يحتويه من استشهادات تنم عن سعة معرفة الكاتب لما يتناول. استشهادات مُستقاة من التاريخ الوسيط والمُعاصر.لكن يبقى الجزء المتعلّق بالموروث الديني الإسلامي في حاجة إلى مزيد من الدقة ومزيد من التعمُق والتمكّن من مضامين الكتاب المقدّس وكتب السيرة النبوية حتى لا تخرج الأحاديث أو الآيات القرآنية عن سياقاتها، كما جاء في اعتماده على الآية 30 من سورة التوبة والتي استشهد بها على مُعاداة الإسلام للأسامية في حين ان الآية لا تتحدث عن اليهود فقط.وكذلك استشهاده بكتب الشريعة التي ليست سوى اجتهاد بشري خال من القدسيّة وفيها من الأخطاء بقدر ما فيها من الصواب.  

ورغم ذلك يبقى الكتاب لبنة ذات بال في صرح المكتبة الفكريّة، حاول صاحبه إنارة الرأي العام الغربي قبل غيره حول "الإرهاب الإسلامي"، ما يجعل قراءته ودراسته مفيدة.
                                                                                     
مراجع يُنصح بالإطلاع عليها
 بالعربيّة:
-       نصر حامد أبوزيد، التفكير في زمن التكفير، ضد الجهل والزيف والخرافة، المركز الثقافي العربي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، المغرب 2014.
-       -جلال الربيعي، في  قراءة في القرآن، دار محمد علي للنشر، الطبعة الأولى، تونس 2013.
-       - محمود محمد طه، نحو مشروع مستقبلي للإسلام، ثلاثة من الأعمال الأساسية، دار رؤية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة 2012.


 بالفرنسية:
-       Soulaymane Bachir Diagne, comment philosopher en Islam ?,ed.Jimsaan,France 2014.
-       -Youssef Seddik,Le Coran autre lecture,autre traduction,ed.de l’aube,France 2002.
-       -Mahmoud Hussein,Ce que le Coran ne dit pas,Mohamed Ali editions,premiere édition,Sfax 2014.
-       -Mohamed Arkoun,Lectures du Coran,Alif les éditions de la méditerranée,Tunis 1991.
-       -Olfa Youssef, Le Coran au risque de la psychanalyse ;Albin Michel,Paris 2007.                                  




mercredi 6 décembre 2017

كيف نرنو إلى النجاة - خاتمة


 بعد محاولة التحليل التاريخي-ديني-سياسي لوضع العرب المسلمين في الجزء الأول والثاني،اختم مع إقتراح البدائل، الذي بدأ في المقال السابق  

ان حجر الزاوية  في فهم موروثنا بكل أبعاده، وادراك مقاصده، بدءا بالنص المقدّس ومنه إلى الأحاديث النبويّة والتفاسير وكتب الفقه وغيرها، هو البعد التاريخي ووضع الأحداث في إطارها، ثم فهمها من ناحية،  على ضوء ما توصّلت اليه العلوم الصحيحة والإنسانية من حقائق لم يُدركها  المُجتهدون من السلف،  ومن ناحية أخرى، على ضوء تغيّر العقليّات والمفاهيم وحتى معاني الألفاظ اللغوية التي بُني بها النص المقدس. و دون ذلك لن نتوصل إلى امتلاك الأدوات التي بواسطتها نفكّك شفرة ما تضمّنه من غموض...
وعلى المسلم في نهاية المطاف  أن لا يرتهن إلى الآخر في تبيّن  محتوى الكتاب الذي أنزله الله بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم، كما ذكر ابن خلدون، لأنّ المبيّن الوحيد الذي أوكل الله له وظيفة التبيان هو النبي

" لتُبيّن للناس ما أُنزل إليهم"
 (النحل، 44) 

يقول المفكر محمد أركون:
" لا للقطيعة التاريخيّة مع الموروث ولا أيضا للهويّة المُنغلقة.نعم لعلاقة نقديّة ورؤية تفكيكيّة للعقل الإسلامي 
ونعم لكتابة تاريخ نقدي للموروث الإسلامي وللعقل الإسلامي".

https://ar.wikipedia.org/wiki/محمد_أركون


وكتب الشاعر حافظ الشيرازي في مجلّة الدوحة، مُلتقى الإبداع العربي والثقافة الإنسانيّة، ما يلي:
 إن شخصيّة وهنة، نخرة، مُنطفئة، تنفي كيانها وتُنكر نفسها، لا تُساوي أي شيء يُذكر

https://ar.wikipedia.org/wiki/حافظ_الشيرازي

وهذا رأي  مُتماه مع فكر الشاعر الفيلسوف الباكستاني محمد إقبال، إذ كلاهما يدعو إلى وُجوب تخليص الذات الفرديّة والجماعيّة من مشاعر الدونية والتبعية، أي بتحصين الإختيار السّيادي وتعزيز إرادة القوّة الواقية ... والإنخراط الفعلي في صُنع الحدث والدلالة على مسرح التاريخ ... في ظلّ ترقية وإنعاش قيم التحرّر والكرامة،والنمو المُتكافىء والسّلم العادل .

https://ar.wikipedia.org/wiki/محمد_إقبال


ويبقى في رأيي فصل الديني عن السياسي، أم المعارك  وحجر الزاوية،  في الإقدام بكل جُرأة وحزم، 
 وبكل جديّة، وبقناعة ثابتة على الإصلاح العميق والشامل لموروثنا الديني ولمخيالنا الإجتماعي حتّى نبني  حضارة إسلامية جديدة الرؤى مُتناغمة مع ما يُستجد حولها، ومُعانقة عصرها ولها الرغبة في الإنفتاح على العصور القادمة لكي لا نبقى نشازا يثير إزدراء الآخرين.

                                                                                             أوت، 2017.
المراجع:
- العفيف الأخضر: إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان، منشورات الجمل،  الطبعة الأولى، بيروت، 2014.
- عبد الرحمان بن خَلدون: مقدمة ابن خلدون، تحقيق حامد أحمد الطاهر، دار الفجر للتراث، الطبعة الثانية، القاهرة، 2010.
- نادر الحمامي: صورة الصحابة في كتب الحديث، نشر المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2014.
- نصر حامد أبو زيد: مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن، نشر المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2014.
- محمد الطالبي: عيال الله، دار سيراس للنشر، تونس، 1992.




mercredi 20 septembre 2017

كيف نرنو إلى النجاة - جزء ٣

 بعد محاولة التحليل التاريخي-ديني-سياسي لوضع العرب المسلمين في الجزء الأول والثاني، نستهل هنا إقتراح البدائل 

واليوم،  وانطلاقا من وضع الضعف الذي صرنا إليه، و من استهانة الآخرين بنا،  ندعو إلى تحوّل المسلمُ إلى مُؤمن متبصّر، مُنفتحة أعيُنه على عصره وعلى الآخرين من بني جنسه، في عالم تحول إلى كوكب معلوماتي تترابطُ عناصره ترابطا وثيقا، رغم عدم تجانُسها،  لتشكل نمطا موحدا في كل المجالات. وان يساهم بدوره في البناء الحضاري للإنسانية، لا أن يواصل القيام بدور سلبي شبيه إلى حد بعيد، بدور الطفيليّات  النباتية  التي تعيش عالة على  نظيراته...
نُريده أن يرفض المذاهب والأيديولوجيّات المُحرّضة على مختلف أشكال العنف، ونشر للكراهيّة بين النّاس، ومُعاداة المعتقدات الأخرى، وتكفير أصحابها، وسبيهم لبيعهم لاحقا في أسواق النخاسة كعبيد وجواري...
ونُريده أن يتنكّر لكل أشكال الشعوذة والعرافة والسّحر المُرادفة للفقر الثقافي ولضعف الإيمان ولخلل في  التركيبة النفسيّة  ...
نريده ان يتبنى المنهج العقلاني، لتكون أحكامه متّزنة ، مبنيّة على القانون والمنطق والأخلاق، وعلى حب الخير للآخر مهما اختلف معه،  بشرط الآ يُشرّع للعنف وألا يتبنى منهج التكفير ... وأن ينخرط في مناخ مُفعم بالتفكير والنقاش والبحث والحوار دون كوابح أو شروط مسبقة ...
ونريد أن تكون الحرية المُرتكز الأساسي لكل جدال حول مسائل خلافية بين المتشددين دينا وبين دعاة التحرر من غطرسة السلفية، أي بين المُتشددين أو الأصوليين وبين العلمانيين، وفي مقدمة تلك المسائل علاقة الدين بالدولة وامتزاج الديني بالسياسي، وهي في الحقيقة مسألة خلافية وليست دينيّة حتّمتها فترة تاريخية مُعيّنة امتزجت فيها القيادة الروحيّة بالقيادة السياسيّة في زمن الرسول، واجتهدت قريش في السقيفة وبكل قواها في إدامتها بدعوى انتساب الرسول إليها ، حتى غدا حُكم المسلمين وراثيا منذ العهدالأموي ، ثم العبّاسي، واقترن بالفقهاء لإستصدار الفتاوي المكرّسة لسلطتهم، دون أن يعني ذلك إسلاميّة نظام الحُكم ...

مسلم القرن الواحد والعشرين مبدع و ملهم مثل نايف المطوع
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%80_99
  
نريد من مسلم القرن الواحد والعشرين  تبني المفاهيم والمبادئ التي روّج لها الفكر الحر ضد الظلم والقهر والإستبداد، وضد كل ما يتعارض مع العقل البشري ومع حقوق الإنسان أينما كان من حريّة وتسامح وتكافل وتضامن ومساواة أمام القانون ...
ونريده أن يتخلّص ممّن يدعي في الدين علما، ليكون حرّا وفاعلا في الكون، مُعبّرا بحريّة مطلقة عما يفكّر فيه، مُثمّنا دور العقل الذي هو"أعدلُ الأشياء قسمة بين النّاس" ...
ولا نُريده أن يكون مؤمنا مُتشددا مُتعصّبا مٌتقوقعا، سابحا في حدود فكره المُنغلق أصلا، مُنعزلا عن التيارات الفكريّة الأخرى، ساعيا إلى تكفير أصحابها وداعيا إلى إزاحتهم من مُدوّنة الفكر الإنساني، مُحرّضا على إيذائهم بكلّ الأشكال، عوضا أن  يعمل بالمبدا القائل"إن قناعات غيري، مهما تناقضت مع قناعاتي،، لا تقل قيمة عن قناعاتي" ...
نُريده أن يكون مقتنعا بالتطوّر، لأن التطوّر هو حركة التاريخ ومُحرّكه الأساسي. والتطوّرهو صيرورة هذا الكون الرافض للجمود وللتوقف في ذات المكان وذات الزمان ... ولأن كل من يتسلّح بمفهوم وبادراك لا يتغيّران ولا يُدخل في اعتباره البعد التاريخي والجغرافي، أي بُعدي الزمان والمكان، وكذلك البعد الثقافي والإجتماعي والبيئي والإقتصادي والسياسي وكل ما له علاقة بالموروثين المادي واللامادي من عادات وتقاليد وأعراف ومفاهيم ونمط عيش، يكون بعيد البعد عن حقيقة الأشياء ويجد نفسه على هامش التاريخ ...


نريده ان يعمل بقولة الإمام ابن عرفة
 "إن النظر إلى النصوص دون النظر إلى أحوال الزمان والمكان هو ضلال وتضليل"

mercredi 13 septembre 2017

كيف نرنو إلى النجاة - جزء ٢

في التدوينتين السابقتين، طرحنا اسئلة حول تخلفنا، ثم ركزنا على العلاقة بين الديني والسياسي. هنا، نذكر كيف اقفلنا على أنفسنا أبواب التفكر    

ولقد دعّم الإمام أبو حامد الغزالي موقف الإمام الشافعي وعاضد جهده في دعم السلف الصالح، منكرا التيار التجديدي للفكر الإسلامي ومُعارضا كل جهد عقلاني هبّت به نسائم فكر ابن رُشد، مما أوصد الأبواب أمام الفكر الحرّ والنير الذي أضحى تُهمة يُدان صاحبه ويُكفّر ويُهدرُ دمُه، بداعي الإختلاف الذي عوضا ان يكون رحمة، تحوّل إلى بدعة،  وإلى فتنة، ثم إلى  ضلالة مصيرُها ان تُلقى في نار حامية"حفاظا على وحدة الأمة".
وهكذا توقّف  التيّار  العقلاني أو كاد، وصار التفسير النقلي المُستند إلى الآثار المنقولة عن السلف، أي المُعتمد على الصحابة والتابعين هو الطاغي، فيما أصبح التفسير الراجع إلى اللسان في معرفة اللغة والآداب والبلاغة، وفي تأدية المعنى بحسب المقاصد والأساليب وباعتماد العقل في التدبّر محلّ إتهام كما عبر عن ذلك عبد الرحمان بن خلدون في المقدمة.

وكانت النتيجة أن وقف التقليد في الأمصار عند الأئمة الأربعة، إمــام أهل الحجاز و دار الهجرة مالك ابن أنس، وإمــام أهل الرأي أحمد بن حنبل، والإمــام الشافعي صاحب كتاب الأم، والإمــام أبو حنيفة النعمان.

" وسدّ الناسُ باب الخلاف، وطُرقه لمّا كثر من الإصطلاحات في العلوم.ولما عاق من الوصول إلى رتبة الإجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله، ومن لا يوثق برأيه ودينه، فصرّحوا بالعجز والإعواز، وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء ... ولم يبق إلا نقلُ مذاهبهم ...
ومُدّعي الإجتهاد لهذا العهد مردود منكوص على عقبه مهجور تقليدهُ، وقد صار أهل 
الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة ..."

هذا ما كتبه ابن خلدون في المقدمة، فصل في الفقه وما يتبعه من الفرائض.

في المقابل بدأ الغرب "الكافر"، ومنذ منتصف القرن الثامن عشر، ينفض عن نفسه غُبار الجهل المُتراكم عبر
 القرون، وينظر بعين الناقد إلى دور الدين الذي كان مُكبّلا للأيادي،  ومُسيطرا على جل أنشطة الحياة. وأدرك مفكروه أن رجال الكنيسة  يستخدمون الدين ذريعة ليفعلوا ما يشاؤون وليُقسّموا المجتمع إلى ملل ونحل وشيع،  لا بدافع من رغبة صادقة للوصول إلى الحقيقة، لأن هذه الرغبة النبيلة في حد ذاتها تؤدي إلى الطيبة والتسامح والتضامن والتآخي ، بل بدافع المسك بزمام السلطة والتحكّم في رقاب النّاس وإخضاعهم لمشيئة صاحب الأمر والنهي. 
  
وانطلاقا من ذلك وُجّهت أصابعُ الإتّهام إلى المكفّرين من رجال الدين ، واعتُبروا دُعاة فتنة، يُحرّضون الناس على أفكار وكتابات من يُخالفهم الرّأي، و من مُثيري الشغب الحقيقيين الرافضين للعيش في مناخ يسوده التفكير 
وحريّة التعبير.


وشكّل القرن الثامن عشر بعد ذلك انتفاضة الفكر الحر وأطلقت عليه تسمية"عصر الأنوار" وأصبح منطلقا لخروج الإنسان من حالة الخُنوع التي لازمته قرونا طويلة، ومُبشّرا بانبلاج عصر جديد، عصر الإنفتاح والحريّة والتسامُح والإستناد إلى  أثمن ما في الإنسان وهو العقل في القضايا المُتّصلة بالدين،  وبالسياسة وبغيرها من القضايا التي تتمحور حولها حياة الإنسان،  بما في ذلك من  مشاغل حياتية وماورائية على حد سواء.

mardi 5 septembre 2017

كيف نرنو إلى النجاة - جزء ١

في التدوينة السابقة طرحنا اسئلة حول تخلفنا، و في الأجزاء القادمة، نركز على العلاقة بين الديني والسياسي 

لمَا لا يكون الإلتحام بين الديني والسياسي منذ فجر الدعوة، والأوليّة التي أعطيت للطموحات السياسيّة المعبّرة عن المطامح الشخصيّة، هو السبب الأساسي الذي جعل الثقافة السياسية وقوانين الحكم إنعكاس لصراع سياسة-دين أكثر من كونها مجموعة مفاهيم ومبادئ مُستمدّة من روح الدين الإسلامي؟

إن مربط الفرس في رأيي يكمن في هذا التساؤل الأخير تحديدا- دون تجاهل أهميّة بقية التساؤلات - وقد بدأت ملامحه الأولى تتجلّى منذ "حادثة السقيفة"، التي  اعتبرها البعضُ "مؤامرة لحياكة "شرعيّة الخلافة"،  والتي يكاد  يُجمع الباحثون على أنّها لا تزال تشكّل ركنا أساسيا في الضمير الجمعي للمسلمين،  ووجعا لم يبرؤوا منه بعدُ.
 كيف لا وهي التي  تُعتبر القادح الأساسي لإندلاع الصراع والتداخُل بين الديني والسياسي على أساس المصالح،  شخصيّة كانت او فئوية أوقبليّة، والتي  أخذت  تطفو مؤشراتها  على الحياة اليومية للفريق المُقرّب من النبي وتأخُذ شكل تجاذبات في  الأسابيع الأخيرة من حياته،  وقد اشتد به المرض وأخذ منه مأخذه قبل انتقلاله الى 
جوار ربّه؟

هذا يعني ان كل ما ترتب بعد ذلك عن الصراع سياسة-دين من أحكام ونظريات فقهية ورُؤى واجتهادات مُفسّرين للنص المُقدس وللسيرة النبويّة ، لايعدو ان يكون إلاّ عملا بشريا أنجزه مفكرون، امتهن صنف منهم  التفسير، واشتغل صنف آخر برواية الأحاديث النبويّة،  فيما اختص صنف ثالث بكتابة التاريخ الإسلامي، من غير ان 
يعني ذلك ضرورة وجود حدود فاصلة  بين المشاغل الثلاثة.

لذا  فان هذا العمل، مهما اجتهد أصحابه لم يكن موضوعيا موضوعيّة مُطلقة، ولم يكن في مأمن من  التأثيرات الجانبية التي ميزت الإطار التاريخي والجغرافي الذي أنجز فيه، لذلك يبقى في نهاية الأم عملا تغلب عليه أحيانا المواقف السياسية مما يجعل صدقيّته لا تتجاوز ذلك الإطار.

ولعل هذا ما يُشير إليه المفكر المغربي أحمد الريسوني في كتابه:فقه الثورة:مُراجعات في الفقه الإسلامي السياسي، عندما كتب ما يلي:
   "إن تاريخ المسلمين وممارساتهم اختلطت بالمرجعية والثقافة الإسلامية ونتج عن ذلك الخلط أن معظم ما تضمنته كتب السياسة الشرعيّة تم تقديمه للجمهور على أنّه "سياسة إسلاميّة"، في حين ان نصيب التاريخ وتأثيرُه فيها قد يكون أكبر من نصيب الشرع وأدلّته، وبالتالي الإنتاج النظري والفقهي في قضايا مثل الخلافة والملك، أهل الحل والعقد، صلاحيّات الإمام وحُقوقه وطاعتُه، الشورى والبيعة، خلعُ الإمام وانخلاعه، نظام القضاء والحسبة، تدبير المالية العامة، ولاية العهد وإمامة المُتغلّب، هو تراث ديني لا يعكس سوى اشتباك العلماء والمفكرين في قضايا واقعهم."
https://www.goodreads.com/book/show/13559536


وكذلك ما يُشير إليه المفكّر نصر حامد أبو زيد في كتابه: نقد الخطاب الديني، اذ كتب:

"ان آلية التوحيد بين الفكر والدين التي اعتمدها الخطاب الديني، تركّز على إهدار البعد التاريخي، بمد فعالية 
النصوص الدينيّة إلى كل المجالات مُتجاهلين الفروق التي صيغت في مبدأ" أنتم أعلم بشُؤون دُنياكم"."

https://www.goodreads.com/book/show/4629784


و المُستفيد قطعا من وراء ذلك هو من حوّل أقوال السلف واجتهاداتهم إلى نُصوص لا تقبل مجرّد النقاش حتى لا نقول نقدها وإعادة النظر فيها، ومن احتكر، ثم فرض على جمهور المسلمين قراءة لاتاريخيّة وأحاديّة للتراث لتحقيق منفعة ذاتيّة ضيّقة، لا تأخذ في الاعتبار المصلحة العامة لجمهور المسلمين أينما كانوا..
وهذا مآله،  بكل خبث، أو بكل تسّلط، وبكل رفض للرأي الآخر،  التحكم في عقول الناس من خلال فرض نظرة رجعيّة للتراث، نابعة من رحم الماضي، وجعلها أداة بين أيديهم لفهم حاضرهم ومستقبلهم،  رغم وان الحاضر 
والمستقبل  ليسا  ثابتين  بل متغيّرين بحكم التغييرات المُتولّدة يوميا في عالمنا.

لكن في هذا القرن الجديد ، مُتسارع الإيقاع،  تسارُعا نعجز احيانا عن مسايرته وعن الإلمام بكل متغيّراته، فضلا
 عن استيعاب  مستجداته العلمية والفكرية والتكنولوجيّة، يبقى من أوكد واجباتنا كمسلمين غربلةُ تراثنا الفقهي  والروحي ومُراجعته مراجعة عميقة، واعادة النظر في كل قضاياه، ما عدا الثابت منها  في الكتاب المقدس وغير القابل للتأويل.ذلك لأن التراث ليس مقدسا، إذ ما هو، في جانب هام منه، إلا اجتهاد انساني في زمن وفضاء معيّنين، و لا قدرة له على طرح حلول أزلية لقضايا تتحوّل وتتوالد ويختلف الحكم فيها باختلاف الأزمان.
ومن المعلوم أن الإطار الذي حُبس فيه هذا التراث وهذا الموروث يسمى"الشريعة" التي يجمع المفكرون على أن الإمام الشافعي (توفي سنة 204 للهجرة) هو من وضع  أسسها وحدد أصولها استنادا إلى الأخبار،  أي إلى الأخبار المنقولة عن الرسول والتي جعل منها الركيزة الأساسية للشريعة كمُعاضد للنص في الوظيفة التشريعيّة و ارتقى بها إلى مرتبة النصّ التّاسيسي في بناء الفكر الإسلامي، موصدا الباب أمام كل نفس اجتهادي وامام كل قراءة، وكل تأويل، لا يتلاءم مع قراءته ومع  تأويله.

mardi 29 août 2017

كيف نرنو إلى النجاة - مقدمة

منذ ايام قرأتُ  نصّا آلمني مضمونه أيّما إيلام، قبل استيعابه والإذعان لمرارة الحقائق التي أوردها، والتي إجتهدنا زمنا طويلا  لدفنها في أعماق لاوعينا الجمعي، حتى لا تصدمنا، وتهُزّنا هزّا عنيفا، وتوقضنا على واقع مرير نمارس تُجاهه عمى الألوان منذ ما يزيد عن عشرة قرون ...
تضمّن النص ما يلي:
"أمّة هي خمس العالم من حيث التعداد، نبحث عنها في حقول المعرفة فلا نجدها، في ساحات الإنتاج فلا نحسّها، في نماذج الخلق والتعاون المُؤثّر والحريّات المضمونة، والعدالة فنعود صفر اليدين.صرنا حضاريّا وخلقيّا واجتماعيّا آخر أهل الأرض في سُلّم الإرتقاء البشري.حُكومات فرعونيّة إقطاعيّة، وجماهير تبحثُ عن والطعام وفنّ يدور حول اللذة، ومُتديّنون مُشتغلون بالقمامات الفكريّة.ينظر المُسلمون اليوم إلى التقدم الحضاري بعيون ناعسة، وينظر العالم اليوم إليهم نظرة استهانة، إنّهم أقرب للموت لا للحياة."

هكذا هي أحوال المسلمين في أعيُن  المفكّر الإسلامي محمد الغزالي.


كتاب أود قراءته
https://www.goodreads.com/book/show/18398609

اسفزّني ما قرات ووجدتني مدفوعا إلى استحضار ذلك السؤال المُزمن و الذي طرحه مثقفو العرب منذ نهاية القرن الثامن عشر، إثر حملة نابوليون الأولى على مصر وما أوقعتهم فيه من حالة ذهول، أدركوا إثرها مدى الجهل والتأخّرالذي كانوا عليه، و مدى خطورة حالة التقوقع التي كانوا يعيشونها، مُتوهمين انّهم "خير أمّة أخرجت للناس".

السؤال هو لماذا تقدّم الغرب وتأخّر العرب؟
ووجدتني ابحث عن أسباب تأخّرنا بعد ان كنّا كمسلمين، وليس كعرب ، قادة البحث العلمي والإبتكار والإختراع والإبداع ، ومترجمي علوم الأولين مع الإضافة  إليها إضافة نوعيّة مُعتبرة ...

فهل أن السبب الأساسي تقديسُنا لموروثنا الحضاري وللنصّ المقدّس والمؤسس لديننا تحديدا؟
أم هو تمسّكنا به (النص) حَرفيّا دون تدبّر مضمونه، ودون ان نعقل ما يهدينا إليه، من خلال قراءته قراءة سهميّة مقاصديّة، ونقد الجزء المتعلق بالمُتغيّرات فيه، نقدا موضوعيّا ومنهجيّا على ضوء الحقائق العلمية الجديدة، لإماطة اللثام عن المسكوت عنه وعلى ما يكتنفه الغموض، و حتى نُدرك ما تخفيه ألفاظه وآياته وسوره من عمق المعاني؟
   
بل لعلّه  تقديسُنا لمُفسّرين احتكروا فهم تراثنا الفكري والروحي، وحنّطوه في بوتقة قراءة وفهم أحاديّين، وركنوا 
كل ما خالف تلك القراءة وذلك الفهم في زاوية التكفير وإهدار الدماء.
وقد يكون عجزُنا عن تقديم رؤية جديدة تُعطي لمفهوم " الإسلام صالح لكل زمان ومكان " بُعده الكوني 
والمتجدد الذي لا تُقيّده اجتهادات الزمان والمكان؟


ستدور مقالتي المقبلة و عددها 4, حول هذه التساؤلات، و ستكون أسبوعية. 

samedi 4 février 2017

أحنا ... شكون أحنا؟

توا اكثر من جمعتين، معناها قبل ما تبدا دورة كأس افريقيا لكرة القدم، كل وسائل الإعلام ما تناقش كان في موضوع عودة الإرهابيين.وانقسمو الناس لكل لقسمين:
قسم يشوف انو هالإرهابيين منّا وإلينا،  ومتاعنا وسلعتنا عادت إلينا، وانو اللحم إذا نتن ما إيلو كان اماليه، وبما اننا معروفين بالإعتدال والتسامح ومن جماعة عفا الله عما سلف، وطاح الكاف على ظلّو، وخاطينا الداعي وركوب البرداعي، ما نراوش مانع باش يرجعو لتونس الي هي ابري تو بلادهم وبلاد جدودهم ...
وقسم يشوف الي هالجماعة هاذم باعو ارواحهم للشيطان، ونكرو في هويّتهم التونسيّة، وفيهم شكون حرق باسابرتو، وماعادش مستعرف ببلاد سيدي محرز وسيدي بو مخلوف والسيدة المنوبيّة حبيبة ربي، وبصّ في اللوزة،  يلوّج على هوية أخرى، وعلى أحلام أخرى، ويفنتزمي على عشرات الحوريات إلي وعدوه باش يتعرضولو في الجنة . فبحيث الجماعة هاذم ما يلزموناش ولا هوما منا ولا أحنا منهم، ومالأحسن انهم ما يرجعوش لبلادنا سينون رانا نبهذلو بحالهم ونكورو بيهم وإذا لزم نطورقو عليهم بالقانون، ونرتحو الإنسانية من وبائهم ومن ريحتهم السفشة ...
التقسيم هذا خلى برشا توانسة يتساءلو ياخي شكون أحنا؟ وعلاش ولينا هكا؟ وشكون تسبب في تقسيمنا؟ وشكون كان آسطا وسبب في تسفير الشباب إلى اغترو ومشاو جماعة منهم لليبيا، وجماعة لسوريا، وجماعة للعراق، وحتى لليمن وللتشاد وللنيجر وللسودان، ومن قبل لأفغانستان؟
اسئلة خلاتني نفكّر في شكون أحنا خاصة بعد ما  ظهرت فيّة أخرى عندها تقويم غير التقويم المتعارف عليه، وتطالب بالإعتراف بأمازيغيّتها وبأنها تمثل سكّان البلاد الأصلين، وان لخرين لكل فالصو...
فأحنا سيدي خويا التوانسة، رجال أحرار مالذهيبة  وراس جدير وبن قردان لطبرقة وعين دراهم ، الف ما فينا أف، كي صوابع اليد الوحدة ما نتفصلوش عن بعضنا ...
أحنا اولاد الخضراء عروقنا وعروق جدود جدودنا مغروسة في تربتها من أكثر من 65 ألف عام ... ارجعو للتاريخ وللآثار في قفصة والقطار، واد العكاريت والرديّف، والمقطع والقصرين والكاف، وام علي وقصر لمسة، والمتلوّي وعين أقطر، وقربة ونابل ووشتاتة، وواد مليان وعين برمبا...
وزيدو شوفو آثار الحضارة القبصيّة الي حُكمة البلاد من 8000 إلى 5000 سنة قبل ميلاد سيدنا عيسى ...
احنا ملح الأرض الطيبة المعطاء، وما نرضاش بالهمج والمتهورين والمتوحشين يرجعو يعيشو بيناتنا ...
أحنا الأحرار أولاد الحرة أم البلدان، صرّة العالم من قديم الزمان ...
رضعنا من صدر عليسة والجازية وعزيزة عثمانة، وبشيرة بن مراد وشريفة المسعدي، وخالتي مبروكة الفلاحة وام الزّين الجماليّة ...



صورة من #دڨة لحميد الدين بوعلي، من المصورين الفواوتوغرافين التونسيين المبدعين
https://www.facebook.com/hamideddine

بنينا حضارة ما زالت شواهدها واقفة لتوا... زينّا أرضيات وقصورات الملوك والأباطرة بقطع فسيفساسية صنعتها يدين جدودنا ...
غذينا الرومان بقمح بلاد افريقيا وبغلّة سوانينا... سقيناهم خمور من كرومنا .... قدمنا للكنيسة المسيحية أفضل كتّابها وفلاسفتها، وعطينا لروما ثلاثة ملوك واباطرة يحكموها ...
من أرضنا انطلق الإسلام باش يستقر في بقية بلاد المغرب وفي جنوب أوروبا مالأندلس لصقليّة ...
خيراتنا وذهوباتنا هزّها المعز لدين الله الفاطمي باش يضوي بيها على المصاروة وبنا بيها مدينة القاهرة المعزّية واقام الدولة الفاطمية ...
أحنا الي بنينا بسواعد جدودنا جامع عقبة بالقيروان وجامع الزيتونة المعمور حامي حمى الإسلام السنّي المالكي الأشعري الجنيدي ...
أحنا الي نجحنا في التوفيق بين العقل والنقل ... ونشرنا مبادىء الإعتدال والتسامح والعقلانية العلمية...
احنا الي تحررت المراة في بلادنا مالكلاكل الي قيدها بها التحجر الفكري إلي عطّل الإجتهاد في الدين بدعوى أن لا جديد تحت الشمس، وانوليس بالإمكان أحسن مما كان، وانو يصعب على الأواخر الإتيان بما جاء به الأوائل، وانو المُستجدّات بدعة وان كل بدعة فتنة وكل فتنة ضلالة وكل ضلالة في النّار...
أـحنا أحفاد عليسة وأملكار وحنبعل والفاتنة صوفونيبة والعالم ماغون ... أحنا أحفاد يوغرطة وماسينيسان وسانت اوغيستينوس والإمام سحنون والبهلول بن راشد والقاضي عياض وابن عرفة ...
احنا من نسل عبد الرحمان بن خلدون والثعالبي والحداد وفرحات حشّاد وبورقيبة والماطري والمنجي سليم والطيب المهيري والطاهر بن عمّار و والهادي شاكر وعلالة البلهوان والحسين بوزيان وجلولي فارس والرويسي ...ومن قبلهم الكاهنة وعلي بن غذاهم الماجري ومصباح الجربوع والبشير بن سديرة...
واحنا تلامذة المشايخ النيفر وجعيط وبلخوجة والمحجوب وابن أبي الضياف وسليمان بو حاجب ... اتباع احمد باشا باي وخير الدين التونسي وابن عاشور صاحب التحرير والتنوير ...
احنا فئران الداموس من قفصة والرديف والمتلوي وام العرايس وكاف الشفاير وسرا الورتان والقلعة الخصبة وتمرة وبوقرين ....
أحنا فلاّحة الجريد قبلي ونفطة وتوزر، صهدت الشمس الحارقة جلودنا وقطفنا الدقلة المدرجحة في عراجينها ... احنا فلاّحة السّاحل الي تشقّت ايدينا بجمعان الزيتون، وفلاحة بر افريقيا حصنا قمحها وشعيرها، وبحّارة بنزرت والمهديّة وطبرقة وصفاقس وجرجيس ... واحنا فلاّحة السبيبة جمعنا تفاحها ، وفلاحة دخلة المعاوين قطفنا قوارصها وفراوله، وخضرتها فلفل وطماطم وسفناريا ولفت وبسباس وكرمبيط، واحنا مغارسية صفاقس نبّعنا اشجارها زيت صافي يسافر لكل البلدان ...
احنا إلي نفرحو بالصيف ونرشقو مشامم الفل والياسمين ونتمشّاو على كرنيش بنزرت وبوجعفر وال 100 ماتر في صفاقس، ونتبخترو مع نسانا وصغارنا في شوارع  حلق الواد والكرم والمرسى، ونترشفو تاي سيدي بو سعيد المنعنع ، ونفرهدو أولادنا ونشيخوهم بالقلاص  متاع سالم وبكسكروتات جوزاف المرسى، ونشريوولهم بنبالوني نابل ولبلابي الحطاب وصحن تونسي من عند مانينو الباساج، ونسقيوهم الجواجم الصفاقسية ونذوقوهم زلابية ومخارق وريقونة باجا ومحشي تطاوين وبسيسة  تكرونة وزميطة جربة ... ...
أحنا إلي نعمرو المهرجانات الصيفيّة وأيام قرطاج المسرحية والسينمائية... واحنا إلي نتبعو أخبار الثقافة في بلادنا وفي العالم، وندمنو على مطالعة كتب محمد الطالبي وألفة يوسف وعبد المجيد الشرفي ويوسف الصديق وتوفيق بكار ومحمد فنطر وهشام جعيط ومنيرة شابوتو وراضي دغفوس ومحمد المدب ...
أحنا إلي نستناو كل عام وبالدقيقة والدرج معارض الكتب ... أحنا إلي نعشقو شعر أدونيس وأحمد مطر والمتنبّي والشنفرى والبحتُري وأبو العتاهية والنواسي ...
احنا إلي ننتلذذو شعر نزار والشابي وجعفر ماجد ومحمد الصغير أولاد أحمد... ونشيخو كي نسمعو شعر البرغوثي ولسود وسيدي علي سعيدان كي يبدا يطرز في كلامو المعسول ...




احنا إلي نعملو نشوة بغنايات الشيخ العفريت وصليحة وعلية وصفية، وشُبيلة وشافية والشرفي وبوشناق وسيدي علي، وعم الهادي الجويني والصادق ثريا وغرسة، ونقشات عم خميس الترنان وأيا زهرة، واسماعيل ولد الحطّاب والفرزيت وحبّوبة ...
أحنا إلي نشيخو على زكرة بوديّة وعلى نوبة بن عروس وأم الزين الجمّالية ... ونتفاعلو مع سلامية بن محمود ومحمد شقرون والمثلوثي وإنشاد سمير البكوش وفرقة مشكاة... واحنا إلي نُطربو لغنايات فيروز كل صبحيّة وتعجبنا غنايات مرسال وجورج والهادي قلة والشيخ إمام العيسى وفرقة البحث الموسيقي  وفرقة الموسيقى العربية......
أحنا إلي نبرو على  بعضنا في الكورة، الشاحلي ينبّر عالمكشّخ، والمكشخ ينبّر عالزنطور، والزنطور ينبر عالصفاقسي ... لكن في لخّر لكل يجمعهم الفريق الوطني وتذوب وقتها الألوان ويوليو لكل يد واحدة ...
أحنا إلي تنبعو في أخبار العالم إلي ولا يغلي كي طنجرة البرغل... نعرفو الشقيقة والرقيقة والشيطان وين خبا ولادو... نحاولو نفهمو آش صاير في العالم من 11 سبتمبر 2001 لليوم ...أمريكيا ولا يحكمها واحد أسمر اللون، حررنا جدودو في تونس من عام 1846، شبيّب طويل وشباب قد الباب ... لكن حل على بلادو  وعلى العالم باب جهنم بالحروبات الي خربت بلدان وشردت شعوب،  والحال انو متحصل على جائزة نوبل ...للسلام، وهاو جا بعدو واحد راس متروش  ناوي يزيد يخلوضها وكاننا في زمن الثلاثينات من القرن الفايت والله يحسن العاقبة وين باش ترصي بعد إلي منع مواطنين من بلدان اسلامية يحطو ساقيهم في بر الماريكان ...
بلداننا العربية قايمة على راس كلب ...حكم مترنح في مصر ... العراق غارقة في مكافحة الإرهاب ... سوريا في النازعات غرقا ...اليمن حدث ولا حرج واصبحت عرضة لهجوم تحالف ... عربي، معناها سيدي خويا العريبة ولات  كي القرنيط كيف ما يلقاو ما يعملو يدورو على صوابعهم يقضمروهم ... واحنا في تونس نساعدو في رواحنا رويدا رويدا كيما قال عم الراجل، ونحاولو نقدمولقدام بعد ما عملنا ثورة ضد الظلم والطغيان وفتحنا الطريق قدام تحرر العرب وقدمنا الضحايا من عسكرنا وامننا وقادة الفكر متاعنا... بلعيد والبراهمي ما يمشيش دمهم خسارة وبيه نبنيو تونس الجديدة ...
احنا في كلمة واحدة التوانسة الأحرار إلي نغيرو على بلادنا، ومستعدين نفديوها بدمنا وباولادنا، ونفرحو كي نشوفو علمها يرفرف في كل بلاصة، ويقشعر لحمنا كي نسمعو النشيد الوطني تعزفو فرقة الجيش وندخلو في سينة أخرى ...
واحنا ناس من طينة ما تحبش الظلم، ونرفضو انا نعيشو مع الإرهابيين والمجرمين وقتالة الأرواح إلي رفضو بلادهم وناوين اليوم يرجعو باش يعملو بعمايلهم كيما عملو في سوريا وليبيا والعراق...
احنا التواسة نقولولهم انا مستعدين باش ندافعو على بلادنا وعلى ثورتنا وعلى هويتنا كرجل واحد مهما كانت اختلافاتنا ...
والبقاء للوطن قبل وبعد كل شيء.