mercredi 27 août 2014

أصبح الإرهاب خبزنا اليومي : المعالجات


العقلانية، طوقُ النجاة

كتب الباحث الطاهر القلالي في مقال له قدّر فيه المراحل الزمنية التي مرّت قبل الآن، ما يلي:" إن اختزلنا زمن تاريخ الحياة فوق الأرض( والذي بدأ منذ ما يُقارب 3،8 مليار سنة) في سنة واحدة فقط، واعتبرنا أن وحيدة الخليّة ( أولى الكائنات الحية فوق كوكب الأرض) قد ظهرت في اليوم الأول من تلك السنة، أي 1 جانفي، لوجب علينا أن ننتظر آخر يوم من تلك السنة ( أي 31 ديسمبر ) بعد الظهر، لنُشاهد ظهور الإنسان ابدائي، وأن ننتظر مُنتصف الليل إلا الربع من ذلك اليوم الأخير من تلك السنة لنرى ظهور الإنسان المُعاصر "
هل نفذ المتشددون دينيا إلى عُمق هكذا كلام صادر عن " عالم علم" لا عن " عالم دين"؟ وهل أدركوا مغزاه؟

لطالما رفعوا شعارات خاوية المحتوى، وكرروا على مسامع الناس شعارهم المُفضل" الإسلام هو الحل "، ولطالم أوهموا بُسطاء القوم بأن كل شيء بدأ بانبلاج فجر الإسلام وبمجيء خاتم الأنبياء محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
لطالما اختزلوا تاريخ الإنسانية في تاريخ الأنبياء، وجسّموا ذلك في رسم على قدر من الغباء يمثّلُ شجرة يحمل كل غصن من أغصانها نبيّا من الأنبياء بدءا بأبي البشرية الأول سيدنا آدم عليه السلام ووصولا إلى مُبلّغ رسالة الإسلام للبشريّة.
هؤلاء ما انفكوا يوما منذ أطاح مصطفى كمال أتاتورك بأوهامهم، يُبشّرون بنظام الخلافة، مُتناسين أن الرسول الأعظم قُبض ولم يستخلف بعده أحدا. ولما ولي أبو بكر كان المسلمون ينادونه: يا خليفة رسول الله، حتى إذا جاء عمر من بعده فقالوا:يا خليفة خليفة رسول الله، فرد عليهم بقوله:  هذا امر يطول، بل انتم المؤمنون وأنا اميركم.  
هذا معناه أن عمر أحدث تحولا نوعيا في علاقة المسلمين بولي أمرهم، وخطا بثبات الخطوات الأولى نحو الفصل والقطع بين المرجعية الدينية والمرجعيّة السياسيّة، بين السلطة الروحية والسلطة الزمنيّة.
لقد كان رد عمر تجاه من تمسّك بلفظ الخلافة والخليفة، ردا قطعيا ونهائيا واضعا بذلك حدّا لحقبة هامة في تاريخ المسلمين، وهي الفترة التأسيسيّة الأولى التي كان فيها للرسول دور المُنظّر الديني والحاكم السياسي. وبوفاته وبانقطاع الوحي، وبعد أن أكمل للمسلمين دينهم وأتم عليهم نعمته، لم يعد لا زما مزج الديني بالسياسي، وانطلق المسلمون في مرحلة السياسي التي لا وُجود فيها ل " علماء الدين " خارج إطار المؤسسة الدينية أي المساجد، ولا مجال لقيامهم بدور الواسطة بين العبد وربّه، لأن العبد هو عبد الله اوانه  أصبح يمتلك من رجاحة العقل ومن المدارك الحسيّة ما يؤهّله لتحمّل مسؤولية خلافة الله في الأٍض، لذلك أوقف الله عملية بعث الأنبياء والرسل للناس.
من هنا يتأكّد عدم الحاجة إلى من يُنصّب نفسه باسم الدين، حاجزا بين الخالق والمخلوق، لأن الغاية من رسالة الإسلام هي " رفع الحواجز بين الإنسان وربّه، فلا مجال في هذا الدين لظهور سلسلة مراتب ومواقع يشغلها رجال الدين " كما كتب المُفكر علي شريعتي.
لذلك تُصبحُ عملية عقلنة كل شُؤون حياتنا الروحية كما المادية، ضرورة قصوى لمجابهة الإرهاب الفكري، وتتاكّد عملية التشجيع على التحول من مرحلة النقل الببغائي عن السلف إلى مرحلة العقلنة التي هي طوق نجاتنا من الغوغائية واللغط التي أصبحنا نعيشُها.
إن هكذا دعوة إلى العقلنة ليست بدعة إذ دعت إليها عديد الفرق الإسلامية ونادى بها عدد من العلماء المسلمين منذ قرون.

الجاحظ دعا إلى ضرورة التوقف والتثبّت والتمحيص لتمييز ما يقبله العقل لما يصلُه من معارف منقولة أو مكتوبة، وما يُنكره منها، ويقول في ذلك ، في كتابه الحيوان:" وبعد هذا فاعرف مواطن الشك والحالات المُوجبة له".وأكد على ضرورة تدريب الفكر على الشكّ وتوظيف الفكر على ممارسته( العقل) كرياضة.
منهج الشك عند الجاحظ يُقابلُه اليوم في رأيي الفكر الناقد الذي يضع الشك محل كل ما يصل إلينا سعيا للوصول إلى الحقيقة. أليس الشك طريق إلى اليقين؟
ألم يطلب سيدنا إبراهيم الخليل من ربّه أن يوريه من آياته ما يُبدد شكّه ويُدخل الطمأنينة على قلبه؟
بالعقل ميّز الله الناس عن بقية السوائم. وإذا كان الحيوان قادرا على ان يُفرّق بين نبتة ضارة فيُعرضُ عنها وأخرى نافعة فيُقبل عليها بالغريزة، فما بال الإنسان لا يُعمل عقله رغم إلحاح خالقه عليه باستعماله وتساؤله تعالى في مواضع عدة من القرآن بقواه:" أفلا يعقلون؟".
 المنطق القويم يرى إن البشر لا يتفاضلون فيما بينهم بغير العقل وبدرجة اعتماده، وانه من الخطا أن يكون تفاضلهم على أساس العرق أو اللون أو اللغة أو بما أنجزه السلف. المقياس الحق هو مقياس العقل، هو وحده المُحدد لمكانة الإنسان ولقيمته.
 وضعُنا اليوم يُحتّم علينا التعقل في المسألة الإرهابو – تكفيرية، خاصة وان التكفير أصبح تهمة تُطلق جزافا في أغلب الأحيان، دون اعتماد مقاييس موضوعية، على خُصوم يُخالفون المتشددين الرأي، فيما يتعلّق بنمط عيشهم، وبطقوسهم الخاصة، وبمظهرهم الخارجي، وبنظرتهم للحياة، وبتأويلهم للنص القرآني، في الوقت الذي تبقى فيه مسألة الإيمان من عدمه مسألة شخصيّة، لا دخل فيها لأي كان حتى لا نتناقض مع قوله تعالى
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفُر "
موقف محمد صلى الله عليه وسلم خير مرجع لنا فيما يتعلق بالتكفير، من خلال مُعاملته للصحابي أسامة بن زيد، الذي أقدم في احدى المعارك على قتل" عدو " بعد أن نطق بالشهادتين، ضانا انه نطق بهما للنجاة من موت محقق، فقال له عليه السلام:" هل شققت على قلبه ".

 قراءة جديدة للموروث تصديا للزحف الظلامي


فتوى داعشية نُشرت على صفحات الفايس بوك تقول: من لا يحب داعش فصيامه غير مقبول، صدمتني...تعمقت الصدمة بفتوى أخرى تقول: من لا يُصلي فصيامه غير مقبول... خطاب غبي تسلطيّ من قبل من يعتقد انه حاز نصيبا من " العلم " توهّم أنه غدا مُختصّا في الإفتاء، لا يُشقّ له غُبار، فتدحرج بذلك عن غير وعي إلى أدنى درجات المعرفة والأخلاق والتي يُعتبر التواضع أرفع درجاتها.

الفتوى الداعشية ذكّرتني بتصريح القاضي التيجاني محمد بن عبد الغفّار سنة 1931 في مدينة جرجيس بالجنوب الشرقي التونسي ومضمونه أن " الذين لا ينتمون إلى الطريقة التيجانيّة ليسوا مُسلمين وأنّهم من عُملاء الشّيطان". وذكّرتني كذلك بالخطاب الشهير لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بوش الصغير وهو يستعد لإطلاق حملته" الصليبيّة " على العراق التي يعتبرها إحدى أضلاع «مُثلّث الشر" والذي ذكر فيه أن " من ليس معي فهو ضدّي".
خط رهيف يربط بين هذين القولين ومواقف المُتطرّفين والغلاة ومن يقرأ الموروث الفكري العربي الإسلامي قراءة تقتصر على الجزء المرئيّ من السّطح.
هذا الموروث وهو جزء من الموروث الإنساني، في حاجة إلى نفض الغبار عن كنوزه، وتصحيح الأخطاء التي يتضمّنها وتعديل التأويلات المُوجّهة التي يزخر بها والمُتراكمة على مر الأزمان وابراز ما فيه من قيم نبيلة كالحث على العلم الذي طالبنا به الله تعالى في أول سورة نزلت على نبيه ورسوله في غار حراء، والنّأي عن سفاسف الأمور التي ينفُخ أعداؤنا على لهيبها لإذكاء نيرانها حتّى تُلهينا عن النبش في القضايا المصيرية.
موروثنا في حاجة إلى إعادة قراءته و إلى التمعّن في مضامينه نصا قرآنيا وكتُب سيرة وما كُتب في الفقه.
إنّها لحاجة نابعة من رحم الرغبة في تجديد المُقاربات المُحرّكة للأجيال، إذ لكل جيل تصور تختلف أبعادُه عن تصوّر الأجيال السّالفة، أهمها البعد الزمني. ويبقى الهدف من كل ذلك انما هو مزيد التعمّق في المعرفة.
ونلاحظ أن إعادة القراءة هذه يجب أن تخضع إلى منهجية بحث علمي، عقلية، مُجددة، لا إلى منهجية تجترّ ما أتاه الأوائل. منهجية يُحرّكها الفكر الناقد والموضوعي وتبصّر أثافيه الثلاثة الإيمان والتدبّرُ والتعامُل مع الآخر. هذه الأثافي تختزل روح رسالة الإسلام، وكل ما هو خارج إطارها ليس سوى قشرة خارجية وضعها أولئك الذين نصّبوا أنفُسهُم إكليروسا كنسيّا شبيها إلى حد ما بالإكليروس عند المسيحيين، ما حدا بأحدهم اعتبار نفسه " خليفة لرسول الله " محتلا بذلك مرتبة الوسيط بين المُسلم وخاتم الأنبياء
 ومعلوم ان لا علاقة للقشرة بجوهر الدين، وان كل خوض فيها لا يُعد سوى جدال عقيم لا يُساهم في غير تبليد العُقول وزرع الحواجز دونها ودون الوصول إلى المنهج العقلاني المُفضي إلى الإقتراب أكثر ما يُمكن من " الحقيقة ".
الخوض في القشور من قبيل دخول الأماكن بالرجل اليمنى قبل اليسرى، والمباشرة الزوجية في ليال معلومة، والتداوي ببول البعير، وتقصير اللحى حسب شكل معيّن، والوقوف للصلاة وقوفا مُعيّنا... انما هو خوض مُوجّه لإستهلاك العامة من محدودي الثقافة والإدراك، يجدون فيه ما يُلبي حاجاتهم الروحية، ويُحرّك خيوطه بعض الذين في قلوبهم مرض، والذين انبروا يتاجرون ببضاعة لا تتطلّب غير القليل من الدهاء يضحكون به على الذقون ويُحققون أرباحا طائلة.

ومن نتائج هذا الجدال " القشري " نشر دين شعبوي لدى العامة أبعدها عن الخط الأصلي للقرآن، مُعتقدا وعبادة ومُعاملات، وهو الخط الذي قام الرسول محمد على بلورته، وبُروز فئة من محترفي الكلام يُسمى أفرادها
" علماء "، مرجعيّتهم نظام انطلق من السقيفة ليُصيب في مقتل الشّورى ويُؤسّس لخلافة سرعان ما تحولت إلى حكم ملكي وراثي استبدادي، وضع لبناته الأولى مُعاوية أحد أبناء أبي سُفيان، زعيم مكّة والذي كان من ألد أعداء محمد حتى أن ابنته أم حبيبة، وزوجة الرسول اعترفت بفشلها في جلبه إلى حضيرة الإسلام. 
بدأت أولى مُحاولات مُعاوية لتأسيس حكم وراثي منذ كان واليا على الشّام ، وجاء ذلك في رده على سؤال أبي ذر الغفاري الذي لم يرق له صرف الوالي أموال الفيء وبناؤه القصور فقال له:" أين بيتُك المُتواضع في مكة يا مُعاوية، لمن هذه القصور اليوم بالشّام؟"،  فأجاب بقوله:" إنما المالُ مالُنا والفيء فيئنا فمن شئنا أعطيناهُ ومن شئنا حرمناهُ".
وتأكدت رغبة بني أمية لمّا طالب معاوية وهو على كرسي الخلافة البيعة لإبنه يزيد من بعده، حتّى أضحت ميزة من ميزات الحكم في بلداننا إلى وقت قريب جدا إذ ظهرت أنظمة حُكم سياسية جديدة وهي " الجُمهوريّات الوراثيّة".
موروثُنا الثقافي ثريّ جدا ومتنوّع وفيه قدر كبير من التقدميّة والحداثة إى أن الجانب الرجعي فيه هو الذي طفا على السطح ما يجعل اليوم تخليص غثه من سمينه واجب مطروح على مثقفي الأمة العربية الإسلامية التي لا حل لها غير التأقلم مع متطلبات الحاضر والمستقبل مع الحفاظ على كل ما تاريخنا من إيجابيّات. هذا في رأيي مفتاح النجاح الذي نحتاج والذي وفقت في الحصول عليه أمم تتصدر اليوم ترتيب الدول المُتحضرة والمتقدمة والمُحركة لخيوط السياسة العالميّة.
أما كتابة التاريخ العربي الإسلامي فتلك ورشة تحتاج إلى الكثير من العزم و إلى تظافُر جُهود المفكرين لتخليص مكوّناته مما علق به من شوائب،  باعتماد مقياس الموضوعية والتجرد من العواطف ومن عباءة القداسة التي يلتف بها،  وبنزع الغشاوة الحاجبة للعقل، الكابحة لجماحه،  والمانعة إيّاه من الغوص إلى أعماق مواضيع حسّاسة اعتُبرت زمنا طويلا من التابوهات، وكيّفتها مواقف هوائيّة على غرار الخلافة وما دار في السقيفة،  التي لم نشف إلى اليوم من جُرحها النازف، وتضارب مواقف الأنصار والمهاجرين من خلافة الرسول، وكُتبُ الحديث ، والسلف الصالح وتحديدا الصحابة، والتفاسير المُستندة إلى الغيبيّات، والأحاديث النبوية المنسُوبة إلى الرسول، واستحواذ السياسي على الدّيني...
غير أن هذا الجهد يبقى منقوصا ما لم نعد تثمين المُثُل العليا والقيم الخالدة التي دعا إليها الإسلام مثل حبّ الوطن والتفاني في العمل، والجديّة والصدق في القول، والحرص على طلب العلم، والتسامح، والتكافُل الاجتماعي، واحترام حريّة الآخرين حتى وإن تعلّق الأمر بالمُعتقد، ونكران الجشع واللّؤم والإنتهازيّة، والمُتاجرة بالدين وبأقوات النّاس، وعدم الانقضاض على ثمار نضال الآخرين وهو ما عشناه طوال ثلاث سنوات من عمر الثورة.
ويبقى تجريم التكفير في مقدمة ما يجب ان تتظافر الجهود لإقراره لأنه الباب الذي منه ينفذ الإرهاب ولأنّه الضامن للسلم الاجتماعية من ناحية، ولأن لا أحد يملك القدرة والكفاءة لتكفير الآخر ما دام الله وحده الوكيل على عباده. 

vendredi 22 août 2014

أصبح الإرهاب خبزنا اليومي : العوامل الخارجيّة

  

 الثورة اللّيبية وانتشار فوضى السلاح

ثورة فبراير الليبية التي دعمتها قوات حلف الناتو، أسقطت نظاما تواصل لأكثر من أربعة عُقود، إلا أنّها افرزت وضعا كارثيّا على كل الأصعدة أهم ميزاته تدمير الدولة وهدم البنى التحتيّة وما ترتّب عن ذلك من انتشار رهيب للفوضى شمل كل رُبُوع  البلاد  ما أصبح يُشكّلُ خطرا على سلامة سُكان أصبح قاسمهم المُشترك امتلاك الأسلحة القتاليّة، الخفيفة منها والثقيلة، بأعداد لا توجد أحيانا في ترساناتةعدد من الدول النامية. 
انعكست هذه الحالة  الآبوكاليبسيّة على الوضع الداخلي في تونس عبر بُوابتين:
البوابة الأولى هي لُجوء أنصار النظام الليبي المُنهار- ومن غير الأنصار أيضا- إلى بلادنا أين شكّل  بعضهم  قوى معارضة تسعى إلى اخماد الثورة وهي في خُطواتها الأولى.
البوابة الثانية تتمثّلُ في تسرب كميّات كبيرة و مُتنوّعة من الأسلحة عبر الحدُود المُستباحة دوما من قبل المُهرّبين لمُختلف أنواع البضائع في الإتجاهين، ليصل بعضُها إلى الجزائر ومنها إلى التشاد والنيجر فيها يبقى البعض الآخر بين أيدي الإرهابيين المُقيمين بين ظهرانينا في الجبال كما في المُدن.
لقد تحوّلت ليبيا ما بعد الثورة إلى بلد يتخبّط في فوضى عارمة ويتوزع فيه السلاح بين القبائل والأحزاب والجماعات التكفيريّة الإرهابية، وكذلك بين التجار الذين أضحوا يُعرضون" بضائعهم " من مختلف قطع السلاح،  في الأسواق العمومية على مرأى ومسمع من كل الأطراف، وفي واضحة النهار كما تُعرض الدواب للبيع في الأسواق الأسبوعيّة.
وتحوّل بلد شيخ المجاهدين عمر المُختار إلى فضاء شاسع تتركز فيه مُعسكرات تدريب أو  "صناعة " الإرهابيين منها معسكرات الغرب القريبة من الحدود التونسية الليبية أين  يتدرب حسب بعض المصادر مئات من مواطنينا قبل أن يتم تصدير البعض إلى سوريا للجهاد و يُعاد تصدير البعض الآخر إلى تونس.

المال الخليجي ودعمُه الجمعيّات الخيريّة

آلاف الجمعيّات  خيرية كانت أو مدنية أو دعوية تأسست في الثلاث سنوات الأخيرة. وتُشير الأرقام الرسمية في أواخر عهد النظام المنهار إلى وجود ما يزيد عن ستة آلاف جمعية مدنية من ضمنها جمعيات صيانة وحراسة العمارات السكنيّة،  والجمعيّات الحقوقية، والرياضية، وجمعيات حماية البيئة والمُحيط ، و ذلك تلميعا لصورة نظام حرص على الظهور في مظهر المُشجع لحرية التعبير،  ولحرية تأسيس الجمعيّات،  واحترام حقوق الإنسان
بعد الثورة تزايد عدد الجمعيّات ذات المضمون والشكل الدينيين تحت عنوان جمعيّات دعوية، أو خيريّة، قامت بعد تأسيسها بالتدخّل – إلى جانب جمعيات و منظمات  المجتمع المدني - لفائدة المواطنين المنكوبين جرّاء الفيضانات التي اجتاحت أجزاء من الشمال الغربي، اثر هطول كميات كبيرة من الأمطار والثلوج ما عطل الحركة في ولايتي جندوبة والكاف خاصة.
اقتصرت الأنشطة " المدنية "لهكذا جمعيّات مع قدوم شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى أول الأمر على الجانب الاجتماعي والتضامُني، مع شيء من دعاية تسمى عند اللغويين رياء. 
لكن نمت بالتوازي مع ذلك ظاهرة بعث الكتاتيب ورياض الأطفال القرآنيّة، وكذلك المدارس القرآنية المُوازية للمدارس الرسميّة لإحياء التعليم الزيتوني الذي اختفى بعد توحيد نظام التعليم غداة الإستقلال والإعتماد على النموذج الصادقي المُتميز بانفتاحه على العلوم الصحيحة والعقلية وعلى النمط الغربي مع تأصيل للثقافة العربية الإسلاميّة. وقد بدأ هذا النمط التعليمي الحديث يرى النور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وهكذا غدت المنظومة التعليميّة مُزدوجة ببروز منظومة جديدة مُوازية للمنظومة الرسمية ولا تلتزم بالأهداف التربوية التي رسمتها السياسة التعليمية.
 إضافة إلى كل ذلك، تم الإستيلاء على مئات امساجد من قبل متطرفين أنزلوا من المنابر عُنوة أئمة مُعيّنين من قبل وزارة الشؤون الدينيّة، ليُنصّبوا مكانهم أئمة تبنوا خطابا لم يألفهُ المُصلّون من قبلُ، قوامُه نشر الويل والثبور، وروايات عن عذاب القبور، وتكفير للعلمانيين ولبعض الأحزاب السياسية، وللعديد من الجمعيّات الحقوقيّة والجمعيّات المدنيّة، فتوتّر مناخ المساجد التي اُقيمت ليُذكر فيها اسم الله لا غير، ما دفع عديد المصلين إلى هجرها ومُلازمة بيوتهم مُكرهين.
إلا أن الأخطر من هذا – رغم خطورته – هو تصرّف بعض الجمعيّات في عشرات ملايين الدنانير تحصّلت عليها من مصادر تمويل  خارجيّة، خليجية المنشأ تحديدا، هدفُها نشر الفكر الوهابي في بلاد تميزت بالإعتدال تاريخيّا.

غزو الفكر الوهابي المُتشدد

تاريخ الفكر الوهابي في تونس لم يكن وليد الثورة. لقد حاول الوهابيّون منذ القرن التاسع عشر تسريب فكرهم إلأى تونس من خلال رسالة بعث بها سعُود بن عبد العزيز بن سعُود إلى الباي حمودة باشا الحُسيني، طالبا منه اعتناق المذهب الوهابي، فما كان من الباي إلا أن طلب من علماء البلاد الرد على الرسالة ل " يُوصحوا للناس الحق".
هنا نلاحظ أن السلطة السياسية قد تحملت وقتئذ مسؤوليّاتها وقامت بدورها في الدفاع عن " اسلام تونس " السُنّي المالكي الأشعري الجنيدي، أي المُعتدل والذي وفّق بين منهجي النقل والعقل، ومكّنت العلماء من أساتذة جامع الزيتونة المعمور، والمثقفين، من مُمارسة دورهم كأمناء على ثقافة هذا البلد، ونخبة مُجتمعه، من تقديم تصور معيّن للدين وللإسهام في إثراء الحقل المعرفي عموما، وحقل البحث العلمي تحديدا.
وجاءت ردود الفعل من عُلماء أفذاذ من أمثال الشيخ عمر المحجوب والشيخ إسماعيل التميمي، في رسالة ورد نصّها في كتاب اتحاف أهل الزمان لأحمد بن أبي الضياف. 
موقف الباي في القرن التاسع عشر كان أرقى من موقف الترويكا الحاكمة بقيادة حزب حركة النهضة، ذلك أن هذه الأخيرة أبدت تراخيا واضحا حتى، لا نقول مُتواطئا مع تسرب المال والفكر الوهابي إلى الفيالق التكفيريّة، ومع رقصة الذئاب التي كان يُنشّطها دعاة وهابيين، امتهنوا التجارة بالدين، تعلّقوا بقشوره أكثر مما تعلّقوا بلبّه وروحه، مما يذكرنا بذلك الصراع الذي قام في في بداية القرن العشرين في تونس بين طرفين هما:
·        دعاة إسلام الإعتدال، اسلام مستنير، منفتح على عصره وعلى العالم، اسلام الإبداع والخلق، اسلام الإيمان بحريّة الفرد المطلقة في تشكيل حياته على النمط الذي يراه، وفي تحديد اختياراته وأفعاله، اسلام يُشجع على تدبّر كلام الله واستنباط الحلول التي يتطلّبها تطور الحياة، وكان من بينهم العلامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي، المتخرج من جامع الزيتونة، ومؤسس جريدة سبيل الرشاد سنة 1869، والمُشرف على القسم العربي لجريدة صوت التونسي، لسان حال حركة الشباب التونسي التي كانت من أولى أشكال الحركات الوطنية في البلاد العربية في مطلع القرن العشرين. وقد كانت للشيخ الثعالبي معرفة موسوعية بالدين والفقه الإسلاميين.
·        دعاة زيتونيون مُتزمتون، تشبّثوا بمفهوم مُتحجر لا مُتحوّل للإسلام، وكانوا على علاقة متينة بمراكز التكلّس الفكري، من أصحاب الطُرق الدينية وخاصة الطريقة القادرية، وبشيوخ الزوايا.
        ولئن تميّز ذلك الصراع بتواطئي المُعارضين للنفس التحرري مع السلطات الإستعمارية، وتدبيرهم إيقاف الشيخ الثعالبي سنة 1904، وسجنة مدة شهر إثر نشره  مقالا في مجلة " المنابر " بتاريخ 13 مارس 1903، يشتكي فيه من تخلف الحياة الفكرية، ومُعربا عن يأسه من إمكان إصلاح قومه الذين " يعتقدون في أن كل كلمة طيبة هرطقة وكل كلمة جادة زندقة وكل خلق جديد كُفر وكل سعي إلى الأمام خُطوة من خُطوات الشيطان"، فإن صراع اليوم بين المُتطرفين والعلمانيين دخل مرحلة الإغتيالات السياسية التي لا نخالها توقفت بعد سقوط صقري المعارضة شكري بلعيد في 6 فيفري 2012 ومحمد البراهمي في 25 جويلية 2013.
        لذا فالفرق واضح بين مُتشددي بداية القرن العشرين ومُتشددي بداية القرن الواحد والعشرين الذين أصبحوا ضالعين في الإرهاب وفي الإغتيالات السياسية.
       ونشير إلى أن قوى الشد إلى الى الماضي السحيق، المُنشغلين عن عبادة العمل بعمل العبادة،  فما وجدوا في العمل كسبا ولا في العبادة أجرا،  على حد قول الشاعر الرقيق علي سعيدان، يُعوزهم التأقلم مع الحاضر، ويميّزهم الكسل الذهني،  ويكتفون باستحضار حلول استنبطها أجدادنا الأفاضل ليعالجوا بها قضايا الحاضر، لأنها أيسر وتُغنيهم عناء بذل الجُهد، هؤلاء دخلوا في مُواجهة صريحة ومُعلنة مع المجددين والمتنورين، والمُتأقلمين مع واقعهم المعيش، والمُستشرفين لغد يريدونه أفضل من الماضي دونما قطيعة مع موروثهم الثقافي ، مواجهة لا أحد يعرف مآلها.

        في الحقيقة ليس جديدا هذا النوع من المواجهات، بل هو قديم قدم الشمس ولن يتوفق إلا بتوقف نبض الحياة على الأرض، لذلك لم يخل منه لا زمان ولا مكان لأنّه يندرج ببساطة في خضم جدلية المتحول والثابت، المُتغيّر والجامد.
        ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الدور الذي كانت تقوم به الزوايا والطرق الدينية بالأمس هو ذات الدور الذي تقوم به الجمعيات الدعوية والخيرية اليوم، والتي تقع تحت هيمنة المتزمتين الرجعيين والمُتعصبين دينيا، لكن مع اختلافين اثنين وهما:
الأول أن مُتزمتي الأمس كانوا مُنغرسين في تونستهم، بينما يُميّز الإنبتات مُتشددي اليوم، المشرئبة أعناقُهم نحو الشرق الإسلامي، يُراودهم حلم بخلافة سادسة وسابعة، مُعطّلة عُقولهم، يُعالجون قضايا حاضرهم بحلول ماضيهم.
والثاني أن الطرق الدينية والزوايا ضخّمها الإستعمار وغذّاها ليوسّع الفضاء الخُرافي والعقلية التواكليّة، وليُشجّع التحجّر الفكري ويكبت أصواتا ترنو إلى الإنعتاق الثقافي والإجتماعي، فارتفع عدد الزوايا القادريّة وزوايا العيساويّة بتونس وسوسة وصفاقس، المدن الكبرى وقتئذ، والتي كانت تستغل عطايا أهل الخير ومداخيل الأحباس، فيما تتصرف جمعيات اليوم في أموال خليجية المصدر وهابية الهوىـ تُناصب النفس التحرري العداء وتقطع طريق المنزع العقلي ولا تعترف بقيمة الحُريّة وهي القيمة الأهم في الإسلام.

فهل من حلول لمُعالجة هذا الوضع المُتشعّب والمُركّب؟

vendredi 15 août 2014

أصبح الإرهاب خبزنا اليومي : العوامل الداخليّة


العُنف، الإرهاب، لم يولدا في الحقيقة مع "ثورة الحُريّة والكرامة"، بالشكل الذي نعيشُه اليوم، ذلك أن البلاد عاشت عُنفا أو إرهابا سياسيا اهتزت له أركان البلاد في مطلع ستينات القرن الماضي، وقعت حيثيّاته خارج الديار، ونعني اغتيال الزعيم صالح بن يوسف بأمر من خُصومه السياسيين في الحزب الدستوري الحاكم آنذاك، والذي لا يزالُ لوقعه أثر في أعماق " اليوسفية " وفي أعماق " غير اليوسفية " ممن يُعادون اللجوء إلى العنف والإرهاب والاغتيال في العمل السياسي.
ثم عاشت البلاد فترة من الهدوء خلا فيها المسرح السياسي من العنف باستثناء "العنف الشرعي"، عنف الدولة المُسلط على مُعارضيها من  الطلبة اليساريين الذين عرفوا المنافي والسجون مهم في عنفوان الشباب، وأنصار الإتجاه الإسلامي الذين لجؤوا بدورهم إلى العنف ممارسة برشّ خُصومهم بماء النار في مدينة تونس وإضرام النار في مقر لجنة التنسيق الحزبي بحي باب سويقة، نتج عنه وفاة أحد حراس المقر، وتفجيرات مُنتجعات سياحية بمدينتي سوسة والمنستير هندس لها أحد قيادي حركة حزب النهضة والذي ترأس لاحقا حُكومة الترويكا لمدة سنة تقريبا.
في أواخر العهد البورقيبي حوكم الإخوان وزُجّ بهم في السجون لتدخل البلاد فترة هدوء لم تشُبه سوى عملية قفصة بتخطيط من نظام القذافي كرد فعل لإحباط مشروع الوحدة بين البلدين والذي أمضيت وثيقته بجزيرة جربة.
في عهد الرئيس ابن علي عاشت البلاد قضيّتين هما قضية " برّاكة الساحل " في بداية التسعينات والتي قُدم فيها للمحاكمة مجموعة من الضباط العسكريين وعدد من الإطارات الأمنيّة المُنتمين لحركة الاتجاه الإسلامي بتهمة الضلوع في محاولة لقلب النظام السياسي، وكذلك قضية سليمان.
لذا بالإمكان القول أن البلاد عاشت بمنأى عن الهزّات الإرهابية للجماعات المُتطرّفة دينيّا بفضل القبضة الحديديّة التي كان ابن علي يُسيّر بها شُؤون البلاد. 
لكن خلال السنتين الأخيرتين 2011-2012 و2012-2013 وبداية سنة 2014 أصبح الإرهاب ظاهرة يتكرر وقوعها في مناسبات مُتقاربة في الزمن ما أدخل الحيرة إن لم نقل الرعب في قلوب عامة المُتساكنين وأصبحت الأسئلة الأكثر ترددا على الألسُن: إلى أين سيجر هذا العنف والإرهاب المتكرر البلاد؟
ولماذا عجزت المصالح الأمنيّة عن قطع دابره وإراحة النّاس من تداعياته؟
ليس من اليسير الإجابة عن هذين السّؤالين ما لم تتضح الرؤيا بخصوص الجذور المُغذية للإرهاب في بلادنا خلال السنتين الأخيرتين لنتبيّن بعض سُبُل معالجتها.
أصبح من البديهي القول أن الإرهاب تجاوز الإطار المحلّي ليُشكّل حلقة من مُخطط عالمي الأبعاد كانت حربُ أفغانستان ضد الإكتساح السوفياتي  أولى محطّاته لتعقبها حرب الغرب على العراق وهي في الحقيقة أسّ نظرية الفوضى الخلاّقة التي أرسى قواعدها الأولى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قبل لن تتجسم ملامحها في عهد كونداليزا رايس،  ما يعني أن المناخ الممهد للإرهاب في بُعده  الديني، وهو الذي يعنينا الأكثر، قد توفر ليكون رد فعل من قبل المسحوقين ضد قوى الظلم والاضطهاد والتعسّف وكل القوى" الكافرة" والتي تجوز مقاومتها برفع السّلاح.
بعد ثورة 17-14 في تونس لا حظنا بالعين المجردة تزايد أنصار التشدد الديني من خلال مظهرهم الخارجي: ارتداء الفتيان للحجاب ثم النقاب وقضية كلية منوبة وتوريد عميدها في قضية اتهم فيها بالعنف تجاه طالبة، وارتداء الشبان لأقمصة مُورّد أغلبها تُلبسُ فوق سراويل قصيرة مع انتعال أحذية خفيفة وإطلاق للّلحى حسب أشكال مُختلفة، وحتى من خلال بعض الأنشطة التجارية التي اتخذت من المساجد فضاء لعرض " البضائع الحلال" من عطور وبخور وألبسة وكتب وحتى بعض الخلطات المقوية جنسيا والتي تُلاقي إقبالا من الرجال.
ثم تتالت الأحداثُ التي ساهمت في تصلّب عود المُتشددين دينيا وكانت أهمها.

 تراخي حكومات ما بعد الثورة وتفكيك جهاز الدولة


بعد سُقوط حكومة محمد الغنّوشي الوزير الأول لنظام ابن علي سنوات طويلة، عيُن الباجي قائد السبسي وزيرا أولا مُكلفا بتصريف شُؤون الدولة وقيادة البلاد إلى أول انتخابات ديمقراطية دارت يوم 23 أوت 2011، واختار السبسي لوزارة الداخلية القاضي فرحات الراجحي الذي سرعان ما أقيل لعجزه عن إدارة وزارة على درجة من الحساسية خلال الفترة القصيرة جدا التي  قضاها كوزير والتي  تميزت  بمردوده الذي لم ينل  لضعفه استحسان الخبراء ، ولإسراعه

  
بتفكيك أكثر أجهزة الداخلية دقّة وهو جهاز البوليس السياسي، وإحالة عشرات الضباط على التقاعد الوُجوبي، فيما كان بالإمكان استيعابُهم وإدماجهم في الموجة الثورية التي غمرت البلاد وجعلهم إحدى ركائز المنظومة الجديدة والأستفادة من خبراتهم بتحويل وظيفة الجهاز من آلية لتحقيق أمن الرئيس وعائلته إلى جهاز يساعد على تحقيق أهداف الثورة.
إن جهازا كجهاز البوليس السياسي كان ثمرة تراكم للتجارب وللكفاءات عقودا من الزمن بحيثُ لم يكن من الحكمة التخلّص منه بجرة قلم ، وقد دلّت الأحداث التي شهدتها البلاد على أن القرار كان خطأ سياسيا واستراتيجيا قاتلا إذ خلّف ثغرة أمنيّة وهُوّة سحيقة في إدارة الشؤون الأمنيّة.
ولئن صحّ القول بأن التعفّن نخر الجهاز وعمّه الفساد إلا أن ذلك لا يطمس ما كان يقوم به في باب التصدي للإرهاب في الداخل كما في الخارج، وتحركه استباقيّا لإجهاض المخططات الإرهابيّة. إلا انه من المُؤسف أن يكون ذلك النشاط  موجّها كذلك ضد المناضلين السياسيين والحقوقيين والطلبة من اليمين ومن اليسار على حد سواء وعابثا بحقوق الإنسان أيما عبث.
لذلك فقد كان علي " السيد النظيف " كما يحلو للإعلام تسميته، الإستفادة من  خبرات قيادة الجهاز مع مُحاسبة من تورّط منهم في الفساد مُحاسبة رصينة وموضوعية، لا مُحاسبة ثأريّة فيكون بذلك قد رسم طريق العدالة الإنتقالية التي لم نر تجسيما لها إلى يوم النّاس هذا.
وهكذا فإن الفراغ الأمني مكّن المتطرفين من النشاط دون خشية من المُحاسبة والعقاب، فنصبوا الخيمات الدعويّة في الشوارع وفي الأسواق اليوميّة والأسبوعيّة، وفي محيط المدارس والإعداديّات والمعاهد لنشر الفكر الوهابي ولتجنيد عناصر جديدة من بين شُبّان لم يشتد عودهم بعدُ ويشكُون فقرا على مستوى الثقافة الدينيّة.
إن حزب التحرير على سبيل المثال، والذي تحصّل كغيره من الأحزاب التي توالدت بعد الثورة بالعشرات، حتى غدا المُواطن عاجزا عن التفريق بينها لتشابُه أسمائها،  وأحيانا تشابه شعاراتها وأهدافها وبرامجها( ان كان لها برامج)، يتمتّع بالدعم المادي للدولة ، وفي المُقابل يدعو جهرا إلى رفض الدولة المدنية والوطنية،   وإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوّة والتي تخلف الملك العضوض، ويطرح الإسلام كحلّ ويرفض الدستور العلماني، ويُكفّر  العلمانيين، ويقوم بتوشية جدران المدينة بمناسبة عقد مُؤتمره الثاني، بمُعلقات تدعو إلى العصيان المدني وإلى رفض دستور يراه مُنافيا للنص القرآني، صادق عليه  أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بالإجماع، ويطرح في المُقابل دُستورا إسلاميا لا على التونسيين فحسب بل على كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. كل هذا على مرأى ومسمع من المصالح الأمنيّة والقضائية والتي لم تُقاضيه بتُهمة بثّ الفوضى وللدعوة للعصيان، ما من شأنه أن يُدخل البلاد في دوّامة فتنة تأتي على الأخضر واليابس وقد لا نعرف السبيل للخروج منها. 

 جدال عقيم لقضايا هامشيّة

وقت طويل لا يُقدّر بثمن أضاعه نوّاب المجلس الوطني التأسيسي بطرحهم قضايا خلنا أن الأمر قد حُسم فيها منذ عقود من الزمن. وكان ذلك بتحريك من نوّاب حزب حلركة النهضة الهادفة صراحة إلى تغيير طبيعة المجتمع التونسي من خلال تغيير سلوكاته وعاداته وتقاليده وروزنامة أفراحه وأعياده الوطنية منها والدينية.
لقد تصدّرت قضايا هُويّة الشعب التونسي، ومكانة المرأة في المُجتمع، وإقرار الشريعة، جدول نقاشات المجلس شهورا طويلة في وقت كان عليه وضع دستور للبلاد، لم ينتخب الشعب نوّابه إلا لإنجازه.
لقد ذهب في اعتقادنا أن الفصل الأول من دستور 1 جوان 1959 قد حسم مسألة الهويّة ، إلا أن " النقاش البيزنطي" أعاد القضية إلى السطح وطفق الكل يُبدي  فيها رأيه ، خاصة   نواب طرف  سياسيّ – دينيّ أعاق  قصرُ  نظر بعضهم ، وأغشى التعصب بصيرتهم، ومنعهم جهلُهم لتاريخ شعب، لم يعشوا طويلا بين أحضانه ولم يُقاسموا  أفراده أتراحهم وأفراحهم وهمومهم ، بسبب هجرة إختاروها عن طواعية فعادت عليهم بالخير العميم، عكس الذين بقوا في غياهب سجون النظام السابق، من تناوُل المسألة بالفكر الشمولي الضروريلإعتقادهم أن انبلاج فجر الحضارة في هذا الوطن بدأ مع قُدوم العرب منذ محاولتهم الأولى فتحه سنة 27 للهجرة يقودهم  عبد الله بن أبي سرح أخو الخليفة عثمان بن عفّان من الرضاعة، مُتناسين أن الهويّة التي ربطوها بقُدوم المسلمين إنما هي " تفاعل الكلّ الاجتماعي مع الطبيعة والتاريخ، وهي بذلك ثمرة تكيّف جماعة انسانيّة مع تحديات المحيط الطبيعي الذي فيه نعيش منذ أزمان، اكتسبت خلاله جُملة من الخبرات والرؤى والمواقف والترميز وتنظيم الفضاء العام، وحددت فيه ملامح نمط تفكير وسلوك له سمات وصفات مُشتركة تسمى " الميزات القاعدية للشخصية الثقافيّة"(3) "إ، وذلك ستنادا إلى مُقوّمات عديدة منها اللغة التي هي أداة تواصُل بين الأفراد والأجيال المُشتركين في مرجعيّة لسانيّة تميّزُهم عن مجموعات بشرية أخرى، ومنها المعتقدات والقيم كالخير والشر، والحلال والحرام، والمُقدّس والمُدنّس، والعدل والظلم، والحق والباطل، أي تلك القيم التي يلتحمُ فيها الكُلّي بالجُزئي ليُكوّنا و حدة ذات مرجعية ثابتة وذاكرة جماعية تختزن صُورا تاريخية للإخفاقات وللنجاحات، للهزائم وللإنتصارات، للفواجع وللأفراح، للأهداف وللتحديات المُشتركة.
يُقر العالم كلود ليفي ستراوس في كتابه " العرق والتاريخ " أن الهوية في جانبها الثقافي، بقدر ما تتشكّل في بوتقة القيم والروابط ، فإنّها تتشكل بالإضافة إلى ذلك من الخبرات التقنيّة وأدوات الإنتاج الاقتصادية التي راكمتها مجموعة ما في علاقتها بالطبيعة وبالتاريخ.
  
قضية  "التناصُف" أو " التكامُل " التي اعتمدها المُتديّنون حسب تعبيرهم المُعتمد في تصنيف المواطنين، استهلكت بدورها وقتا ثمينا كان من الأجدر استثمارُه لمُناقشة قضايا التنمية وعدم التوازن الجهوي وتفاقم البطالة، وهي قضايا حارقة طرحتها الثورة للنقاش لإيجاد حُلول لها، خاصة وأن قضية المرأة كانت  محسومة في رأي أبناء الجيل الحالي وكذلك الجيل الذي سبقه والذي عاش بدايات الإستقلال، بعد أن ضبطت فُصول مجلّة الأحوال الشخصية غداة التحرر من الإستعمار، مكانة المرأة ضمن تصور مُتكامل لتنظيم المُجتمع وبعث هياكل مختصة من أجل ذلك.
لقد أصبحت المرأة منذ 1956 صنو الرجل في تونس، ومعه تشتركُ في كل الحقُوق والواجبات، وهو قرار وا انفك يُثير مطامح المرأة العربية التي " تحلم بربع حقوق المرأة التونسية" كما عبرت عن ذلك المُفكرة المصرية نوال السعداوي في مناسبات عدة.
هذا الحلم لدى الأخريات، حوّله دعاة الفكر الرجعي إلى كابوس أقض مضاجع التونسيين لأشهر طويلة، وفتح المجال أمام نائب لم يستح من أم حملته وهنا على وهن، وأرضعته رحيقها حولين، وسهرت على راحته تغذية وتنظيفا وتطبيبا إلى أن اشتد عوده واستوى" رجلا "، ليتفوّه بعبارت تخلو من الحياء، تُنادي بحبس المرأة في البيت واقتصارُها على أداء الوظيفة البيولوجية الوحيدة حسب رأيه وهي الإنجاب وتربية الأبناء فضلا عن غسل أٍجُل بعلها قبل أن تضع نفسها على ذمّته ليُفرغ فيها شهواته البهيمية وأطنان كبته وعُقده المتراكمة عبر السنين. والأنكى من كل ذلك أن نرى نائبات عن حزب سياسي يقُمن بارتهان مستقبلهن ومُستقبل بناتهنّ، مُستعدات للتصويت على مبدإ مُخجل ألا وهو " تكميل المرأة للرجل "، تطبيقا لأموامر بارونات حزبهن مُتجاهلات قوله تعالى:" خلقناكم من نفس واحدة وقوله :" وليس الذكر كالأنثى ". (4)
لعلّي ألتمس لهنّ عُذرا وذلك لضيق أفُقهنّ الثقافي واقتصارهن على مرجعيّات معيّنة وعلى فهم أحادي لكتاب الله وسُنّة رسوله بالإستعانة بكتب ابن تيمية وابن قيم الجوزية وأبي حامد الغزالي وحسن البنا والسيد قطب والقرضاوي والمودودي، وعناوين من قبيل " ما يجوز وما لا يجوز في نكاح العجوز "(5) و " المُباح في جهاد النكاح "(6) و " الطريقة النبوية السليمة في نكاح المرأة والبهيمة "(7)، ينشُر بعضُها مجمع الملك فهد للقرآن الكريم.

 انتشار ثقافة الكُره والقتل 

هذه ثقافة جديدة دخيلة على المُجتمع التونسي، عشنا مؤشّراتها الأولى لمّا ذُبح عون الأمن بجبل الجلود من قبل الشرطة السلفية، وفي حوادث جندوبة في فيفري 2013، وفي سفح جبل الشعانبي عندما نُصب كمين وعمليّتي سوسة والمنستير في أكتوبر 2013، والتي تأكّد لا حقا أن التخطيط لهما دبّر فيمدينة درنة اللّيبية، عاصمة الجماعات التكفيرية
  
لتسعة جُنُود ذُبحُوا في رمضان لسنة 2013 ومُثّل بجثثهم ما نغّص على التونسيين عموما صيامهم وأفسد عليهم مناخ شهر الصيام وخُصوصيّاته من عبادات ، وعادات، وطُقوس غذائية، وخُشوع تعبّدي، وكذلك عمليتا سوسة والمُنستير في أكتوبر 2013 التين دُبّرا لهما في مدينة درنة الّليبية،  عاصمة الجماعات التكفيريّة .
ولئن وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في التنديد بمظاهر العنف الجديدة، واعتبارها دخيلة عن مجتمعنا وغريبة عن تسامح التونسيين وكُرههم الشديد للقتل وللتشفّي ولذبح الإنسان لأخيه الإنسان، مهما كانت الدوافعُ، فإنّ المُتمعّن في نوعية الخطاب الذي تبثّه الجماعات التكفيرية في المساجد، التي لا يزالُ عدد منها تحت سيطرتهم، وفي الخيام الدعوية، يُدركُ أنّه مُناف لما تحرصُ وسائل الإعلام العلمانية على جعله أحد الثوابت المُكونة للراي العام. وانى لها ذلك في وقت يُموّل الفكر التكفيري من قبل جمعيّات دعويّة لها أموال طائلة تحت تصرّفها مجهولة المصدر، يُديرها تكفيريّون تبنوا وتشبّعوا وتشبّثوا بفكر مُتحجّر ظلامي قبليّ يعيش في فترة ما قبل الدولة، وما قبل النّظُم والمُؤسسات، ولا يُؤمنُ لا بالدساتير ولا بالقوانين التنظيميّة، ويعيشُ خارج إطار الزمن الحالي بوعي قولبتهُ عقيدة الكراهية إلى حد أصبح يرى أن الذبح والقتل إذا كانا مسبوقيت بالتهليل والتكبير هما فرضا عين على كل تكفيري  القيامُ به لينال بالمقابل مكانا في جنات الخُلد يتمتع فيه بمئات من حور الأعيُن الأبكار ممن لم يمسسهن قبله إنس ولا جان.
لقد تتلمذ  الصنف الأول من  هؤلاء التكفيريين في العراق في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، بينما تتلمذ البعض الآخر في أفغانستان اين شارك في مُقاومة الجيش السوفياتي، وضلع  أفراد منهم في عملية قتل الزعيم شاه مسعود، فيما إلتحق آخرون بتنظيمات  القاعدة بزعامة أسامة بن لادن والزرقاوي وأيمن الظواهري، قبل أن يعودوا إلى تونس مُتشبّعين بعقيدة الذبح ويُشاركوا في أحداث سليمان.
بعد الثورة شملهم العفو التشريعي العام الذي لم يقتصر على فتح أبواب السجون على مصراعيها أمام الإرهابيين التكفيريين في المُرناقية وبُرج الرّومي والهوارب، بل سمح بعودة أولئك  الذين تمرّسوا بالقتال في أفغانستان واليمن والعراق وسوريا لاحقا، وفي العديد من مناطق النزاع وفي جراب كل واحد منهم خبرات قتالية كثيرة.
أما الصنف الثاني منهم فقد نبت في مدارسنا، يعيشون بيننا، في أحيائنا الشعبية بالخصوص تلك التي زُرعت في أطراف المدن في زمن الأزمات بداية من ستينات القرن العشرين، ومنهم أفراد من عائلاتنا، ومنهم من يعيشُ داخل بُيوتنا وينتمون إلى خلايا نائمة برز بعضُها إلى السطح بعد أن وجدت في ثورة 17-14 التي لم يُشاركوا فيها، مُتنفّسا لها، وطفق أفرادُها يُدلون بدلوهم في بعض القضايا وينشطون في المساجد ويشاركون في الإجتماعات العامة وفي الوقفات الإحتجاجية وفي الإضرابات وفي معارضة مواقف العلمانيين وذلك بالتجمع ببطحاء باردو في قبالة مقر المجلس الوطني التأسيسي في رمضان لسنة 2013 وحتى في تزعم مظاهرة تندد بالإرهاب دعا إليها الإتحاد العام التونسي للشغل إثر عملية هنشير التلّة.
وفي الأثناء قام بعض المسؤولين في الدولة والبعض من مُستشاري رئاسة الجُمهورية، بمعيّة أقربائهم باستقدام شيوخ يدعون الإلمام بالعلوم الشرعيّة، جاؤوا يحدوهم الأمل ب " فتح البلاد مُجددا للإسلام " ولتعليمنا كيفية حجب بناتنا ونسائنا ب " اللباس الإسلامي " وغسل أدمغة صغيراتنا ، أمهات الغد، وتلقينهنّ عبارات البغضS والموت والغيظ،  وغرس مُعاداة من يُخالفهن الرأي في لا وعيهن.
ومن هؤلاء الشّيوخ من جاب البلاد طولا وعرضا واعتلى منابر المؤسسات الجامعية ونظّم الإجتماعات في الشطوط المعدة للسياحة التي يسترزق منها ملايين المواطنين،  من أجل تلقيننا دروسا في فنّ تغسيل الموتى قبل مواراتهم التراب.
وبالتوازي مع كل ذلك انتشرت الكتب المُجانبة للبحث العلمي والمركزة على الغرائز البشريّة وعلى المُعالجة بالأعشاب وبالرقية القرآنية، تُباع أمام المساجد وتغزو معارض الكتب، وتُعرض على شبكات التواصل الاجتماعي، تختلف مواضيعها بين الأدعية والفتاوي وجهاد النكاح ونكاح الزوجة المُتوفاة نكاح وداع وتعدد الزوجات...
 وتعالت الدعوات بمُراجعة بعض فصول مجلة الأحوال الشخصية المُتعلقة بمنع التعددية الزوجية وقانون التبني والسن لزواج الفتاة. والأدهى أن عددا من نواب اختارهم الشعب لإعداد دستور للبلاد أضحوا يبررون جهاد النكاح ويدعون إلى تبني ما في بطن الحاملات للاتي عُدن إلى البلاد بعد أن صُدّرن إلى المحرقة السورية، فيما ينادي آخر من الذين ينهلون من التراث الفقهي لصدر الإسلام بالقتل والصلب وقطع الأطراف من خلاف لكل  متظاهر لكل معارض علماني مُتناسيا صفته كنائب للشعب ومُبرزا عجزه عن التخلّص من " مرجعيّة الدعوة " التي اندمج فيها سنين طويلة.
وهكذا أضحينا نعيش تديّن السياسة، وتديّن الفضاء العام، وتسخير الدين لتنظيم حياة المواطنين في ظل تراخي الدولة في التصدي لبعض الظواهر التي مسّت من هيبتها وألحقت بعلاقاتها الخارجية ضررا كبيرا مثل مُهاجمة سفارة الولايات المتحدة ونهب المدرسة الأمريكية ذات عشية 14 سبتمبر 2011، وكذلك تأمين فرار زعيم أنصار الشريعة من جامع الفتح بعد أن نصب له الأمنيّون كمينا وكانوا قاب قوسين أو أدنى من القبض عليه مما اعتبره الملاحظون تغطية على الإرهاب الذي تعاظم منذ ذلك الوقت كالورم السرطاني في ظل انعدام المحاسبة، وذلك من خلال عديد 
الأحداث ومن بينها
:
  • الإعتداء على منزل مالك إحدى القنوات التلفزية التي عرضت فيلم برسيبوليس والذي اعتبر التكفيريون إحدى لقطاته مسّا من الذات الإلاهية، بينما عُرض نفس الفيلم في إيران مهد الثورة الإسلامية ولم يُحدث الهرج الذي أحدثه في تونس  

  • مهاجمة قاعة سينما أفريك آرتوتهشيم واجهتها البلورية إحتجاجا على عرض فيلم لا ربي لا سيدي
  •  الإعتداء اللفظي والمادي على مفكرين وإعلاميين وتهديدهم بالقتل ونهب مُحتويات منزل أحدهم: ألفة يوسف،  ومحمد الطالبي،  ويوسف الصديق،  والنوري بوزيد، وسُفيان بن حميدة، وسُفيان بن فرحات، وحمادي الرديسي...
  •  انتشار ظاهرة الزواج العُرفي في الأوساط الطلابية وفي بعض المدن أين يتمتع بعض الدعاة باشعاع واضح.
  • اختلاق قضية النقاب بجامعة منوبة واتهام عميدها بالإعتداء على طالبة ووفاة طالبين بسجن المرناقية بعد أن دخلا في إضراب جوع وحشي.
  • تسفير بناتنا إلى سوريا للجهاد من نوع خاص وتشجيع وزير الشؤون الدينية على ذلك جهرا.
  •  ظهور نظام تعليمي مُوازي للنظام الرسمي يتمثل في انتشار الرياض والكتاتيب القرآنيةوالتي ترتدي فيها بنات الخمس سنوات الحجاب ويُفصل بينهن وبين الذكور درءا لمساوىء الإختلاط.
  • قتل الزعماء السياسيين: محمد لطفي نقض وشكري بلعيد ومحمد البراهمي
  • ظهور جماعات يدعي أفرادُها حماية الثورة وأكثرهم يُحاول غسل ما علق به من أدران تجمعية أو طرابلسية، ركبوا على الثورة وارتدوا عباءات الأبطال المُساهمين في إسقاط النظام الدكتاتوري
  • الإعتداءات الغادرة لعناصر من الجيش في مُناسبات عديد نخشى أن نعجز مُستقبلا عن إحصائها.


هذه بعض العوامل  الداخلية التي شجّعت على تنامي الإرهاب. فما هي العوامل الخارجيّة؟