dimanche 6 novembre 2011

على هامش انتخابات 23 أكتوبر 2011 بإحدى ضواحي مدينة تونس الشماليّة : ضاحية العوينة


كنيسة العوينة سابقاً 

مدينة العوينة، هذه الضاحية الشماليّة الجميلة لمدينة تونس ، والواقعة في مفترق الطرق بين ضاحيتي سيدي أبي سعيد والمرسى الشهيرتين من جهة،  وضواحي حلق الوادي والكرم وقرطاج من جهة ثانية،  ومدن سكرة و عاصمة الورد مدينة أريانة ذات الأصول الأندلسيّة من جهة ثالثة، والمتموقعة بين ميناءين جويّ وبحريّ، هذه الضاحية التي ترددت طويلا بين صبغتي الريفيّة والحضريّة ، والمنصهرة في الثانية دون التخلّي  نهائيّا عن الأولى التي ما زال الحنين يشدّها إليها، والمتحضّرة  بنسق سريع والمتحوّلة  إلى  أحد أهمّ مراكز الإشعاع الحضري  الدائرة في فلك العاصمة، شهدت كمثيلاتها من المدن التونسيّة بأحيائها الراقية والمتوسّطة والشّعبيّة ، حدثا تاريخيّا يوم 23 أكتوبر 2011، بمناسبة تنظيم انتخابات أعضاء المجلس التّأسيسي، يذكّرك بأيّام أعيادنا البهيجة .

هذا الحدث سيبقى منقوشا في ذاكرة سكّان الضّاحية، شارك فيه المواطنون فرادى وجماعات... عائلات بأكملها تنقّلت إلى مراكز الاقتراع كما تتنقّل إلى أحد المنتزهات العائليّة للترفّه.

علت علامات الفرح والابتهاج وجوه المقبلين عن طواعيّة للمشاركة في الحدث، ولم تثنهم ساعات الانتظار الطويلة في الطوابير عن القيام بواجبهم لإيمانه الرّاسخ بأنّهم ينحتون بأصابعهم مستقبل أبنائهم ومستقبل بلادهم.

قال لي أحد النّاخبين بعد أن سألته هل أنّ كلّ شيء على ما يرام:"أكثر ما أكره في هذه الحياة الوقوف في الطوابير، يشعرني ذلك بالاختناق، يحبطني، لا أحتمل الانتظار حتّى وإن كان من أجل اقتناء رغيف خبز. أمّا اليوم فإنّي أتمنّى تخليد هذا الانتظار اللذيذ، هذه اللّحظة التّاريخيّة التي انتظرتها طويلا و"هرمت" وأنا أنتظر  أن أعيشها ولو مرّة واحدة في حياتي، لذا فإنّي أقف في الطابور دون ملل هذه المرّة وأنتظر دوري كغيري من المواطنين، لا بل إنّي مستعدّ للتّفويت في دوري للأخت الحامل وللأب الشيخ وللأم العجوز .

للّه كم هو لذيذ إيثار التونسي لغيره.و ما أجمل هذا التضامن بين أبناء بلاد أعتزّ اليوم أكثر من قبل بالانتماء إليها.
إنّي لا أكاد أصدّق بأنّا عشنا عقودا طويلة محرومين من هذا الشعور النبيل.

لقد أصبح الواحد منّا متمسّكا ببلاده أكثر من قبل وأكثر قربا من مواطنيه، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، يتألّم لوجعهم ويقاسمهم أمالهم . أليس هذا وجه من أوجه المواطنة؟

ومهما تكن النتائج غدا، ومهما كان المتحصّل  على أوفر نصيب من أصوات النّاخبين، فإنّ المهم أننا حقّقنا مكاسب اجتماعية في مقدمتها هذا الشعور بالانتماء إلى أمّ واحدة نرتوي كلّنا من ثدييها، و لا تصد أيّا منّا مهما اقترف في حقّها من حماقات، والرغبة في العيش في هذا الفضاء الرحب الذي يضمّنا جميعا ولا يدّعي أيّ منّا أحقيّة امتلاكه بمفرده، مهما اختلفت آراؤنا وتعددت مشاربنا وتضاربت قناعاتنا واختلفت مرجعيّاتنا الفكريّة . المهم أن تكون كل هذه المشاعر أساس مواطنتنا.

إنّ سلطة المواطنة قد أضحت اليوم السلطة الشرعيّة الخامسة، أفرزتها السلطة الانتخابية التي نتمنّى أن تسبح دوما في مياه الوفاق المتدفقة آمالا وطموحات فيّاضة ورغبة في بناء تونس الجديدة ، أم البلدان وسيّدة الأقطار ومنارة تهدي بنورها الوضّاء كل راغب في السير على درب التحرر من الطغيان وكل توّاق إلى الأفضل.
عشت يا زهرة الكون عبقة دوما وطيّبة الشذى...


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire