mardi 5 septembre 2017

كيف نرنو إلى النجاة - جزء ١

في التدوينة السابقة طرحنا اسئلة حول تخلفنا، و في الأجزاء القادمة، نركز على العلاقة بين الديني والسياسي 

لمَا لا يكون الإلتحام بين الديني والسياسي منذ فجر الدعوة، والأوليّة التي أعطيت للطموحات السياسيّة المعبّرة عن المطامح الشخصيّة، هو السبب الأساسي الذي جعل الثقافة السياسية وقوانين الحكم إنعكاس لصراع سياسة-دين أكثر من كونها مجموعة مفاهيم ومبادئ مُستمدّة من روح الدين الإسلامي؟

إن مربط الفرس في رأيي يكمن في هذا التساؤل الأخير تحديدا- دون تجاهل أهميّة بقية التساؤلات - وقد بدأت ملامحه الأولى تتجلّى منذ "حادثة السقيفة"، التي  اعتبرها البعضُ "مؤامرة لحياكة "شرعيّة الخلافة"،  والتي يكاد  يُجمع الباحثون على أنّها لا تزال تشكّل ركنا أساسيا في الضمير الجمعي للمسلمين،  ووجعا لم يبرؤوا منه بعدُ.
 كيف لا وهي التي  تُعتبر القادح الأساسي لإندلاع الصراع والتداخُل بين الديني والسياسي على أساس المصالح،  شخصيّة كانت او فئوية أوقبليّة، والتي  أخذت  تطفو مؤشراتها  على الحياة اليومية للفريق المُقرّب من النبي وتأخُذ شكل تجاذبات في  الأسابيع الأخيرة من حياته،  وقد اشتد به المرض وأخذ منه مأخذه قبل انتقلاله الى 
جوار ربّه؟

هذا يعني ان كل ما ترتب بعد ذلك عن الصراع سياسة-دين من أحكام ونظريات فقهية ورُؤى واجتهادات مُفسّرين للنص المُقدس وللسيرة النبويّة ، لايعدو ان يكون إلاّ عملا بشريا أنجزه مفكرون، امتهن صنف منهم  التفسير، واشتغل صنف آخر برواية الأحاديث النبويّة،  فيما اختص صنف ثالث بكتابة التاريخ الإسلامي، من غير ان 
يعني ذلك ضرورة وجود حدود فاصلة  بين المشاغل الثلاثة.

لذا  فان هذا العمل، مهما اجتهد أصحابه لم يكن موضوعيا موضوعيّة مُطلقة، ولم يكن في مأمن من  التأثيرات الجانبية التي ميزت الإطار التاريخي والجغرافي الذي أنجز فيه، لذلك يبقى في نهاية الأم عملا تغلب عليه أحيانا المواقف السياسية مما يجعل صدقيّته لا تتجاوز ذلك الإطار.

ولعل هذا ما يُشير إليه المفكر المغربي أحمد الريسوني في كتابه:فقه الثورة:مُراجعات في الفقه الإسلامي السياسي، عندما كتب ما يلي:
   "إن تاريخ المسلمين وممارساتهم اختلطت بالمرجعية والثقافة الإسلامية ونتج عن ذلك الخلط أن معظم ما تضمنته كتب السياسة الشرعيّة تم تقديمه للجمهور على أنّه "سياسة إسلاميّة"، في حين ان نصيب التاريخ وتأثيرُه فيها قد يكون أكبر من نصيب الشرع وأدلّته، وبالتالي الإنتاج النظري والفقهي في قضايا مثل الخلافة والملك، أهل الحل والعقد، صلاحيّات الإمام وحُقوقه وطاعتُه، الشورى والبيعة، خلعُ الإمام وانخلاعه، نظام القضاء والحسبة، تدبير المالية العامة، ولاية العهد وإمامة المُتغلّب، هو تراث ديني لا يعكس سوى اشتباك العلماء والمفكرين في قضايا واقعهم."
https://www.goodreads.com/book/show/13559536


وكذلك ما يُشير إليه المفكّر نصر حامد أبو زيد في كتابه: نقد الخطاب الديني، اذ كتب:

"ان آلية التوحيد بين الفكر والدين التي اعتمدها الخطاب الديني، تركّز على إهدار البعد التاريخي، بمد فعالية 
النصوص الدينيّة إلى كل المجالات مُتجاهلين الفروق التي صيغت في مبدأ" أنتم أعلم بشُؤون دُنياكم"."

https://www.goodreads.com/book/show/4629784


و المُستفيد قطعا من وراء ذلك هو من حوّل أقوال السلف واجتهاداتهم إلى نُصوص لا تقبل مجرّد النقاش حتى لا نقول نقدها وإعادة النظر فيها، ومن احتكر، ثم فرض على جمهور المسلمين قراءة لاتاريخيّة وأحاديّة للتراث لتحقيق منفعة ذاتيّة ضيّقة، لا تأخذ في الاعتبار المصلحة العامة لجمهور المسلمين أينما كانوا..
وهذا مآله،  بكل خبث، أو بكل تسّلط، وبكل رفض للرأي الآخر،  التحكم في عقول الناس من خلال فرض نظرة رجعيّة للتراث، نابعة من رحم الماضي، وجعلها أداة بين أيديهم لفهم حاضرهم ومستقبلهم،  رغم وان الحاضر 
والمستقبل  ليسا  ثابتين  بل متغيّرين بحكم التغييرات المُتولّدة يوميا في عالمنا.

لكن في هذا القرن الجديد ، مُتسارع الإيقاع،  تسارُعا نعجز احيانا عن مسايرته وعن الإلمام بكل متغيّراته، فضلا
 عن استيعاب  مستجداته العلمية والفكرية والتكنولوجيّة، يبقى من أوكد واجباتنا كمسلمين غربلةُ تراثنا الفقهي  والروحي ومُراجعته مراجعة عميقة، واعادة النظر في كل قضاياه، ما عدا الثابت منها  في الكتاب المقدس وغير القابل للتأويل.ذلك لأن التراث ليس مقدسا، إذ ما هو، في جانب هام منه، إلا اجتهاد انساني في زمن وفضاء معيّنين، و لا قدرة له على طرح حلول أزلية لقضايا تتحوّل وتتوالد ويختلف الحكم فيها باختلاف الأزمان.
ومن المعلوم أن الإطار الذي حُبس فيه هذا التراث وهذا الموروث يسمى"الشريعة" التي يجمع المفكرون على أن الإمام الشافعي (توفي سنة 204 للهجرة) هو من وضع  أسسها وحدد أصولها استنادا إلى الأخبار،  أي إلى الأخبار المنقولة عن الرسول والتي جعل منها الركيزة الأساسية للشريعة كمُعاضد للنص في الوظيفة التشريعيّة و ارتقى بها إلى مرتبة النصّ التّاسيسي في بناء الفكر الإسلامي، موصدا الباب أمام كل نفس اجتهادي وامام كل قراءة، وكل تأويل، لا يتلاءم مع قراءته ومع  تأويله.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire