samedi 1 octobre 2011

مفهوم المواطنة وحزب النّهضة



حصل شبه توافق بين أغلب الأحزاب السياسيّة والمنظّمات المدنيّة بعد الثورة في تونس، على وجوب أنّ يكون النّظام الجديد المنتظر إرساؤه بعد انتخاب أعضاء المجلس التّأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011،  نظاما مدنيّا، قوامه مفهوم المواطنة.

ماذا يعني هذا المفهوم ؟

المصدر مقال في مدونة تجليات فلسفية
http://shr.tn/Z9up
ما هي الأسس التي بني عليها ؟



  تاريخيّا، يعود هذا المفهوم إلى عصر الأنوار الذي عاشته البلدان الأوروبيّة الغربيّة وتحديدا فرنسا وبريطانيا في القرن الثامن عشر، والذين شهدا بروز "فلسفة الأنوار"، التي أسّس لها مفكّرون وفلاسفة من فرنسا أمثال فولتير وديدرو وج.ج.روسو وديكارت قبلهم، ومن بريطانيا أمثال جون لوك وتوماس هوبسن، إلى جانب فلاسفة من ألمانيا (بروسيا وقتئذ) مثل إيمانويل كانت.
  طرح هؤلاء مفهومين جديدين آنذاك وهما : العقل والحريّة.

 أمّا العقل فهو حسب ديكارت "أعدل الأشياء توزّعا بين النّاس"، وهو أداة التّفكير الدال على وجود الإنسان : "أنا أفكّر إذا أنا موجود"، ومقفزة Un tremplin للوصول إلى حقيقة الأشياء . فهو أساس التفكير النيّر والنّقد البنّاء لما سيطر على المجتمعات طويلا من أساطير ما أنزل اللّه بها من سلطان ومن أراجيف وأحكام مسبقة.

  وأمّا الحريّة التي يعرّفها ديدرو بكونها "هبة من السّماء ولكلّ فرد حقّ التمتّع بها طالما أنّه يتمتّع بالعقل"، فإنّها أساس لا تستقيم الحياة الكريمة بدونه، ولها أوجه عدّة منها حريّة التفكير والتعبير للتصدّي لكلّ أشكال الظّلم والقهر والعسف والعبوديّة.

  ولقد مكّن العقل الحرّ من مناهضة الحكم المطلق الذي قبعت أوروبا قرونا طويلة في ظلّه بمشاركة ومباركة الكنيسة وتزكيتها سلب الأنظمة السّياسيّة النّاس حريّة تقرير مصيرهم، وحقّهم في اختيار من يتولّى أمرهم بإرادتهم هم، لا بإرادة فئة نصّبت نفسها عليهم تحكمهم بمقتضى "الحقّ الإلهي"، كما كان يقول لويس الرابع عشر في فرنسا : "نحن لا نتلقّى تاجنا إلاّ من اللّه وإلينا وحدنا يعود حقّ سنّ القوانين دون مشارك أو حسيب" . وكذلك كان يحكم خلفاء بني أميّة وبني العبّاس والفاطميّين، الذين منهم من اعتبر نفسه الأولى بالحكم باعتبار انتسابه إلى"آل البيت" ، ومنهم من كان يرى أنّه "ظلّ اللّه في الأرض" والمؤتمن على خزائنه، بل أنّ منهم من أضفيت عليه صبغة القدسيّة والذي قال فيه الشّاعر:


  لقد أنهت "فلسفة الأنوار" النظام الإقطاعي، ووضعت حدّا للحكم الاستبدادي المطلق، وقلصت إلى حد كبير من سيطرة الكهنوت المسيحي، ورفعت الإنسان إلى مرتبة المواطنة، وفكّت قيود العقل، ونشرت مفهوم الحريّة، وجعلت العقل رديفا للحريّة وملازما لها فلم يعد لأحدهما معنى بدون الآخر، إذ لا معنى للعقلانيّة كاملا إن لم تكن في خدمة التحررّ ونشر الديمقراطيّة وتكريس مفهوم المواطنة، ولا معنى للتحرّر بمعزل عن العقلانيّة، لأنّ الأمر يصبح حينها عبثيّا ومشجّعا لبعث مناخ من الفوضى الهدّامة .


La liberté guidant le peuple, Delacroix © Musée du Louvre
الحرية تقود الشعب : متحف لوفر فرنسا
http://shr.tn/m4Bt

  ولقد نهلت الحركة الإصلاحيّة في العالم العربي من الفكر التنويري الأوروبي الغربي ، وارتوت من المحاولات الأولى لإصلاح الإمبراطوريّة العثمانيّة في القرن الثامن عشر رغم تعثّرها في عهد السلاطين أحمد الثالث (1703 – 1730 ) ومصطفى الثالث (1754 – 1773 ) وسليم الثالث ( 1789 – 1807 )، قبل أن تتأثّر مباشرة بالأفكار الإصلاحيّة لرواد النهضة العربيّة الحديثة من أمثال جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وكذلك رفاعة رافع الطّهطاوي وعبد الرحمان الكواكبى وفرح أنطون بالمشرق العربي، وخير الدين التونسي وسليمان بوحاجب وأحمد بن أبي الضّياف والطاهر الحدّاد وعبد العزيز الثعالبي ومحمد الطاهر بن عاشور والحبيب بورقيبة في تونس.


  أغلب هؤلاء المصلحين هم من الأبناء الروحييّن للفكر التنويري الذي حرّر الإرادة الإنسانيّة بجعله الإنسان كائنا مسؤولا عن صناعة مصيره بممارسته لحريّة الاختيار، تلك الحريّة التي أعادت له إنسانيّته ومكنته من أدوات التخلّص من قداسة الحكم السياسي التي أسّس لها مصادرو حريته باسم الدين، من المنتمين إلى الحركات والأحزاب ذات القاعدة الدّينيّة في عالمنا العربي، ومنها حزب النهضة الذي يتنزل هضمن القوى السياسيّة الإسلاميّة التي تختزل دينا توحيديّا عظيما وهو الإسلام، في مجرّد خطاب سياسي، وتقوم بأدلجته محوّلة إيّاه إلى مجرّد برنامج عمل دنيويّ مرتكز على مفاهيم عصريّة يعكسها البرنامج الذي قدمه زعماؤه في تونس يوم 14 سبتمبر 2011، ومنها:

  • اعتماد الديمقراطيّة
  • التأكيد على حقوق المرأة في المساواة في التعلّم والمشاركة في الحياة العامّة ( وماذا عن المجالات الأخرى كالترشّح للمناصب السياسيّة ومنها رئاسة الجمهوريّة على سبيل المثال؟)
  • تبنّي نموذج الدولة المدنيّة، والعمل على قيام مجتمع مدنيّ منظّم ومستقلّ يسعى إلى تحرير طاقة الأفراد وإشراكهم في الشّأن العام
  • ترسيخ الحريّات العامة والخاصّة

  هذا يعني أنّ حزب النهضة يهدف إلى تكريس انطباع لدى الرأي العام على أنّه حزب مدنيّ لا فرق بينه وبين الأحزاب الأخرى على مستوى الخطاب على الأقلّ، وهذه رنّة جرس جديدة تعكس تطورا لفكر هذا الحزب، رنّة متعارضة تماما مع ما سبق أن روّج له من نمط تفكير ماضويّ، ومن توهّم بأنّ ما كان صاحا وجيّدا في القرن السابع / الأوّل للهجرة سيبقى صالحا وجيّدا في القرن الواحد والعشرين ، وهو ما يستشف من البيان الأوّل الذي أصدرته حركة الاتجاه الإسلامي يوم 6 جوان 1981 والذي تناسى فيه الاتجاه وقتئذ أنّ الظروف والسياق والمحيط والإنسان ذاته قد تغيّر ، وأن لكلّ عصر مفاهيمه التي تفرض نمط تفكير وسلوك معيّن قد لا يتماشى مع عصور أخرى ، وأنّ الإنسان الذكيّ والواعي والمنتبه لحركة التّاريخ لا يسعه إلاّ مراقبة ومرافقة التحوّلات والتّأقلم معها، لا الثّبوت وإضفاء الاستمرارية والتواصل اللآّمتناهي على مفاهيم ماضويّة وسلوكات موروثة عن السلف (هذا إن صح انتسابها إلى السلف الصّالح ولم تتسرب إليها مدخلات لا علاقة لها بسلوكه)، ليدخل بذلك في خانة اللاّتاريخ، إذ ليس من المنطقي في شيء التمسك بمفاهيم العصور القديمة وإسقاطها على واقع دنيويّ متحرّك ومتحوّل باستمرار، لأنّنا نكون بذلك قد جانبنا الحقيقة وخلطنا الأزمنة خلطا غير سليم وغير متطابق ومنطق الأشياء. فكيف يمكن اشتقاق المستقبل من الماضي وإهمال ما طرأ من تطوّرات طبيعيّة بين الفترتين؟

 أليس هذا هو الجمود المناقض للطبيعة المتحرّكة؟

  ثمّ انّ ما أقدمت عليه الحركة من مشاركة في التوافقات التي انبثقت عن هيئة 18 أكتوبر حول حقوق المرأة والدّين والدّولة، وكذلك برنامجها الأخير المتضمّن ل 365 نقطة ( يوافق عدد أيّام السنة المدنيّة لا السنة القمريّة!)، ليس في رأيي سوى مرحلة من مراحل الإستراتيجيّة التي تتوخّاها الحركة لتغطّي بها ماهيتها الحقيقيّة وهي أنّها حركة دينيّة بحتة. والدّليل القاطع على ذلك مشاركتها بعد 14 جانفي 2011 في عمليّة تعويض أئمّة المساجد بإطاراتها الذين اتّخذوا من بيوت اللّه منابر للدّعوة إلى أطروحاتهم الحزبيّة، ومراوغاتها للتنصّل من الإقرار بمبدأ فصل الديني عن السياسي،  بل لا ترى موجبا لذلك، حسب ما جاء على لسان سمير ديلو، عضو الهيئة التّأسيسيّة لحركة النّهضة في جريدة المغرب ليوم 17 سبتمبر 2011، والذي صرّح بأنّ "القوانين المفرغة من الانتماء الحضاري للشعوب تفتقد الفاعليّة"، وتجييشها  لبيادق تحرّكها للتصدي لحريّة الإبداع بمناسبة عرض فلم "لا ربّي لا سيدي" للمخرجة الفاني في قاعة أفريكارت بالعاصمة، وقبل ذلك التظاهر أمام البيعة اليهوديّة الكائنة في شارع الحريّة بمدينة تونس . أليست هذه خير أدلّة على ازدواجية الخطاب الذي طالما أتّهم به أعضاء حزب النهضة الذين يدّعون مدنيّة حزبهم، لكن لا يملكون من الجرأة ما يقطع مع الصبغة الدينيّة الماضويّة التي تلاحقهم إلى يوم النّاس هذا.

  إنّ لكلّ زمان ولكلّ مكان إيديولوجيته وسياقه. وهذا الزمان، زمان "الرّبيع العربي"، الذي تفتّحت أزهاره الأولى في حدائق تونس الغنّاء، وملأ عبقها وشذاها آفاق الوطن العربيّ الرحب، هو بحقّ زمن يجب أن يعاد فيه لمفهوم المواطنة معناه الحقيقي ، وأن يعاد فيه ما منحته الطبيعة للإنسان وكذلك الشرائع سماويّة كانت أو وضعيّة من حريّة التفكير والتعبير والاختيار والممارسة لطقوسه، في مناخ من التسامح واحترام الآخر، المختلف عنّا لأنّ  الاختلاف لا يولّد ضرورة العداوة.

  فهل أنّ الأحزاب السياسية في تونس اليوم عامة وحزب النّهضة تحديدا، مستعدّة ومقتنعة بالتنافس في مناخ يضمن للمواطن التونسي ممارسة قناعاته بكامل الحريّة، والتمتّع بمواطنته دون مغريات اشتراء الأصوات ودون قيود أو تهديدات ظاهرة كانت أم باطنية؟
أم ترانا نناشد " ياسمينا آخر" ولو بعد حين؟؟؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire