mercredi 5 octobre 2011

ثورة الشباب استحوذ عليها ... الشيّاب ... !!!



منذ مدّة ليست بالقصيرة أصبح يعتريني شعور غريب كلّما فتحت جهاز التلفزة للتعرّف على مستجدّات الوضع السياسي في تونس من خلال إحدى القنوات التونسيّة، الرسميّة منها أو الخاصّة ...

أجدني عاجزا على وصف ذلك الشّعور لعجزي عن إدراك أسبابه وبالتالي عجزي عن تجاوزه واسترجاع شيء من سكينة افتقدتها وكانت تساعدني على فهم القليل من تداعيات "ثورة الياسمين" ...

كلّما فتحت الجهاز (التلفزة) إلاّ وأطلّت علي رؤوس ربطتني بها علاقات قديمة تعود إلى نهاية الستّينات وسبعينات القرن المنصرم، أي منذ بدأت أحبو في عالم السياسة وأنهل من كتيبات ونشريّات كنّا تتحصل عليها بالمجان من المركز الإعلامي السّوفياتي "نوفوستي" الكائن وقتئذ بشارع الحريّة، والذي كان يروّج علنا للاشتراكية العلميّة وللفكر اللّينيني تحديدا. وكم كانت سعادتنا كبيرة بتلك "الهدايا" في وقت لم نكن نملك فيه ثمن تذكرة قطار ت.ج.م . لذا كنّا نحتال "للركوب بالمجان" ثم نعتمد طريقة ال Auto-stop للعودة إلى الديار سالمين، يوم لم يكن أصحاب السيارات يتردّدون في مساعدة التلاميذ والطلبة بحملهم في سيّاراتهم عن طواعيّة ...

كم كانت جميلة و... بعيدة تلك الأيّام   !!! C'était le bon vieux temps
 
قلت أنّ الرؤوس التي تطلّ علي من الجهاز السمعي والبصري لم تكن غريبة عنّي رغم زحف ملامح المرحلة الأخيرة من الكهولة وبداية مرحلة الشيخوخة عليها، وما يصحبها من تجاعيد وفقدان للشعر و ... بعض الترهّل بسبب التوقّف عن ممارسة الرياضة و ... كثرة الجلوس على الأرائك الوثيرة وراء المكاتب الفخمة و التنقل في سيّارات لا تشبه السيّارات الشعبيّة في شيء Fonction 
!!!  oblige 

لقائل أن يقول تلك سنّة الحياة. أي نعم لا اعتراض لي على ذلك. وتلك الأيّام نداولها بين النّاس ...

لكن ما أعترض عليه هو أنّ هذه الرؤوس من مناضلي السبعينات و الثمانينات استحوذوا على الثورة ، يجنون ثمارها دون أن يكونوا قد شاركوا فيها مباشرة ... يقومون بأدوار البطولة في مسرحيّة لم يكتبوا فصولها ... يهرولون ويتسابقون إلى الحصول على مقاعد (وثيرة بكلّ المقاييس) في المجلس التّأسيسي ، كما هرولوا بعد 14 جانفي لبعث أحزاب لا ترتقي فيها نسبة الشباب إلى أكثر من 10% من بين منخرطيها، وإلاّ كيف نفسّر العزوف المحيّر للشباب في القائمات الانتخابية وتردد الكثير منهم في التوجّه إلى مكاتب الاقتراع يوم 23 أكتوبر 2011 ؟؟؟
 

أليس مردّ ذلك شعورهم بأنّ فئة أخرى من المجتمع التفت بحنكتها وتجاربها وقدراتها الكبيرة على المناورات وخبثها السّياسي، التفّت على ثورتهم وأفرغتها من المعاني التي شحنوها بها، وأصبحت تجادل في نوعيّة النّظام وكيفيّة سير أعمال المجلس التأسيسي وصلاحيّاته والفصل 15 من القانون الانتخابي ومناصفة قوائم الأحزاب وإجراء الاستفتاء من عدمه وأسباب خروج الحزب الفلاني من الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة ... ومن يصلح ليكون الرئيس المؤقّت الموالي وهل يكون من داخل المجلس التأسيسي أو من خارجه وهل أنّ النظام الجديد سيكون رئاسيّا أو رئاسويّا أو برلمانيّا أو في منزلة بين المنزلتين ... ؟؟؟


حركة "أهل الكهف" ★ حركة فنيَّة شبابيَّة تونسيَّة, في إحدى ابداعاتها
http://shr.tn/YId2

هل أن شباب 18 – 25 سنة، الذي فجّر الثورة معنيّ حقّا بهذا الجدال وهذا الصراع الفكري الهام لا محالة في هذه المرحلة الدّقيقة التي تمرّ بها البلاد، هذه المرحلة المفصليّة التي سيتحدد على ضوء ما ستسفر عنه النقاشات، نوعيّة النّظام السياسي وشكل المجتمع التونسي لعقود طويلة ؟؟؟

أليس هموم البطالة والهجرة السريّة والتّهميش والتنمية اللامتكافئة والمحسوبيّة والرشوة وانتشار المخدرات في صفوف الناشئة بشكل أصبح يثير المخاوف والكبت الجنسي الرهيب في صفوف الذكور والإناث بسبب قلة ذات اليد المعيقة على تأسيس علاقات شرعيّة بين الشباب والشابات ...

أليس الجدال في هذه الهموم أولى من الجدال في مشاغل أخرى ؟

أليس الشباب على حقّ حين يعتبرون وجوب إعطاء الأوّليّة للمسائل الاقتصادية والاجتماعية ؟؟؟
راجعوا صفحات الشبكات الاجتماعية وما تتضمّنه من مشاغل إن كنتم لا تعلمون.
تحدثوا مع الشباب، اقتربوا منهم، استمعوا وأحسنوا الاستماع لمشاغلهم في المقاهي والمترو وساحات المعاهد وفي بطحاء أي حي شعبي أين يتسامرون على ضياء القمر لتقاسم الآمال و... الآلام وربّما السقوط في المحظور لأنّ لا دواء للكساد والفلس والميزيريا إلاّ الفساد كما يشاع !!!

استمعوا إليهم جيّدا وقاسموهم أحلامهم. مدّوا أيديكم للأخذ بأيديهم ووضعهم على أولى درجات سلّم الرقيّ. حببّوهم في هذا الوطن وستكتشفون مناجم من ثروات قابلة للاستثمار الطيّب الذي ينفع البلاد والعباد.

سأواصل التمسّك بإيماني بأنّ في شخصيّة التونسي جين نادر ما زال خامدا ولم يتفتّق بعد وهو جين الإبداع. وفّروا لهذا الشباب ظروف العمل والعيش الملائمة وستدركون قدراته على الفعل.

لكن أين هم السياسيّون من مشاغل الشباب ؟
 لقد نجحوا في تأسيس لجنة عليا للدفاع عن أهداف الثورة ولم يؤسّسوا هيئة عليا لتدارس القضايا الاقتصادية والاجتماعية .
 يغمرني إحساس بأنّ الثورة توشك أن تنحرف عن مسارها الحقيقي وعن الشعارات التي رفعتها : كرامة، حريّة، مقاومة الفساد، واستحقاق التشغيل.
ماذا أنجز إلى حد اليوم لمعالجة معضلة التشغيل؟ ما هي الحلول المطروحة ؟
نحن لا نرى غير أحزاب تأسّست بعد 14 وتتحدث عن مخططات لتشغيل مئات آلاف العمّال !
أين هي هذه المخطّطات ؟؟؟ لعلّها في علم الغيب.

أهل الكهف


إن الثورة التي قادها الشباب بصدد التحوّل إلى ثورة وقودها الشباب، استفاد منها الكهول الذين منعوا طويلا من فرص التعبيرعن آرائهم ووجدوا في سقوط نظام ابن علي (هذا إذا ثبت أنّ النظام البنعليلي قد سقط فعلا و بالكامل) فرصة لا تعوّض لممارسة هوايتهم الوحيدة التي طالما مارسوها أيّام الجامعة وهي النقاشات التي كثيرا ما تتحوّل إلى نقاشات ... بيزنطيّة.

إنّ أغلب رؤساء الأحزاب اليوم يزيد سنّهم عن ستّين سنة، أي أنّهم دخلوا مرحلة التقاعد الإداري وسنّ اليأس السياسي، فهل هذا حقّا ما أفرزته ثورة... الشّباب ؟؟؟ 
 
أما آن لهؤلاء المسنّين الذي عجزوا عن إزعاج نظام ابن علي ولم يحاولوا حتّى مجرد الاعتراض عليه، أن يتركوا المجال لأبنائهم الشبان الذين ركبوا الأخطار غير عابئين بسلطة باغية لم يثنها عن قصف المتظاهرين في القصرين وسيدي بو زيد غير مواقف من حافظ على بذرة الرجولة فيه و جبنها الذي دفعها إلى تهيئة "الفاليجات" بسرعة ومغادرة البلاد وتركها لأهلها "واسعة وعريضة"، و أهلها أولى بها من الفجرة الذين لا يحملون بذرة وطنيّة بين أضلعهم.

بإمكان شيوخ الأحزاب الوقوف في الصفوف الخلفيّة لتأطير الشبّان وإفادتهم بما راكموه من تجارب وحكمة.
أليس هذا أفضل من أن نجبر على القول أنّ ثورة الشّباب استحوذ عليها الشيّاب ؟؟؟

             مع تحيّات شايب، مسمار مصدّد، كيما العود إذا شراف لا عاد يجي منّو لا فركة ولا مخطاف!
             وعاش من عرف قدرو.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire