samedi 18 février 2012

دعوة الصّادق شورو إلى التقتيل والصّلب والتّقطيع والنّفي - الجزء الأول


  تعليقا على مقال صدر بجريدة "المغرب"، ليوم 28 جانفي 2012،صفحة 16، بقلم باحثين جامعيّين، المهدي عبد الجوّاد ووفاء بلحاج عمر، عنوانه : دعوة الصّادق شورو إلى التّقتيل والصّلب والتّقطيع والنّفي"، في إشارة إلى دعوة الصّادق شورو عضو المجلس الوطني التّأسيسي، الحكومة إلى مقاومة "جيوب الردة"، والمعتصمين ، وقاطعي الطرقات، وذلك بتطبيق قول اللّه تعالى : "إنّما جزاء من يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أرجلهم وأيديهم من خلاف أو ينفوا من الأرض وذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنّ اللّه عزيز حكيم"، المائدة، الآية 5..


      ذكر الباحثان ما يلي : "إن دعوة الصادق شورو صريحة وصادقة وسافرة لإعادة إنتاج نفس الممارسة  التاريخيّة الفردوسيّة الأولى، الحرب، دعوة إلى إقامة الحدّ الإلهي، التقتيل التنكيل والصلب، وهي رغبة في إلغاء الآخر الكافر/ المرتدّ/ عدوّ الثورة. إنّها دعوة صريحة للاقتتال والاحتراب، واستبدال قانون الدّولة، وأجهزتها، بفتوى الشيخ الصادق، مع ما في الأمر من خطورة، حيث يتمّ يناء أجهزة دون الأجهزة الرسميّة ، وقوانين دون قوانين البلاد، وهو الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام"سلطة موازية" شبيهة  بهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومؤسّسة الحسبة، وهي مدخل لتفكيك مؤسّسات الدولة، وتطبيقا عمليّا لنظريّة " التدافع الاجتماعي"، الأثيرة عند السيّد راشد الغنّوشي".(انتهى كلام الباحثين)

       ونظرا لما يمكن أن يترتّب من تداعيات لانتصاب هيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومن إعادة إنتاج مؤسّسة الحسبة، منم تأسيس لمراكز نفوذ موازية، تدعم الحكومة النّهضويّة في مسعاها إلى إقامة "الخلافة الإسلاميّة السادسة"، وهي التي لا ترى لتطبيق الشريعة بديلا، رغم دعوتها إلى تدعيم المجتمع المدني، أردتُ المساهمة في الجدل القائم اليوم بين دعاة تطبيق الشّريعة وأنصار تدعيم الصبغة المدنيّة للدولة وللمجتمع التونسيّين، وذلك بالتعريف بشخص الصادق شورو باقتضاب أوّلا، ثمّ التعريف بهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وبمؤسّسة الحسبة ثانيا، وذلك من زاوية نظر المؤرّخ، واعتمادا على أمثلة من التّاريخ الإسلامي.

I. من هو الصّادق شورو؟




يمكن الحصول على بيانات أولية حول الرجل انطلاقا من الشبكة العنكبوتيّة مع تغذيتها ببيانات أخرى حتّى نتمكّن من الاقتراب من شخصيّة الرجل والغوص في دهاليز فكره وتلمس تضاريسه.
هو من مواليد سنة 1952، أي أنّه التحق بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي سنة 1958، بعد سنتين من حصول تونس على الاستقلال التّام، وبعد سنة واحدة من إلغاء النّظام الملكي وإعلان الجمهوريّة التي ترأسها  الحبيب بورقيبة، أحد أكبر قادة النضال ضد الاستعمار في النصف الأوّل من القرن العشرين، والمنتمي إلى جيل غاندي وجواهر لال نهرو ومحمد علي جناح وجوزيف بروس تيتو وأحمد سوكارنو وجمال عبد النّاصر وأحمد ولد دادة ومحمد الخامس وأحمد بن بلّة وباتريس لوبمبا ونلسن مانديلا وغيرهم كثر. وهو الذي أرسى قواعد الدولة الحديثة في تونس بمؤسّساتها المدنيّة وهياكلها الاقتصادية والقضائيّة والتربويّة والثقافيّة، وبقيّة دواليبها.

تابع شورو تعليمه العالي بكليّة العلوم بتونس،التي استشرى فيها الفكر الديني في سبعينات القرن الماضي، انطلاقا من المدرسة القومية للمهندسين ENIT أيّام كان المشرف عليها الأستاذ المختار العتيري، الذي أذن ببناء مسجد بالمدرسة، اشتُهر بصومعته الملويّة، الفريدة من نوعها في لبلاد، والتي تذكّر بصومعة جامع مدينة سامرّاء العراقيّة، الذي بني في العهد العبّاسي.
تخرّج شورو من كليّة العلوم بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الكيمياء، ثم التحق بسلك التدريس بكليّة الطبّ. وعُرف الرجل بنشاطه الحثيث، و كان أحد أعضاء لجنة البحث العلمي في القطاع الكيميائي، بالمركز الجامعي للبحث العلمي. وزيادة عن اهتماماته العلميّة فقد كان للرجل اهتمامات دينيّة تتعلّق بالتربية الإيمانيّة، واهتمامات حزبيّة ضمن مجلس الشورى المركزي لحركة النّهضة، وذلك منذ بداية الثمانينات، ممّا بوّأه رئاسة الحركة سنة 1988.
في 17 فيفري تمّ إيقافه، وعرف كلّ أنواع التعذيب التي كانت تدور فصولها في الطابق التحت أرضي لوزارة الداخليّة أي على بعد أمتار من الشارع الذي يفضّل سكّان العاصمة التجول فيه وقتئذ قبل أن تظهر الأحياء السكنيّة والتجاريّة الجديدة حول العاصمة. في تلك الوزارة كما في السجون،  أشرف الرجل على الهلاك مرّات عدة اضطرّت معها إدارة السجون إلى نقله إلى المستشفى في حالة خطيرة.
في 6 نوفمبر 2008، وفي إطار الاحتفال بذكرى التحوّل النوفمبري، أُفرج عنه ضمن آخر وفد من جموع ال 265 قياديّا نهضويّا زُجّ بهم في غياهب السُجون بتهمة الانتماء إلى جمعيّة غير مُرخّص لها، والتّحضير إلى انقلاب على النّظام القائم.
قضى الصادق شورو إذا 18 سنة من السجن منها ما يزيد عن ثلثي المدة قضّاهما في زنزانة انفرادية ضيّقة في إطار ما يسمّى بالعزل الانفرادي، وهو أقسى أنواع السّجن وأعمقها تأثيرا على الصحّة النفسيّة والعقليّة للسّجين. وقد عرف أغلب قيادي حركة النّهضة هذا النّوع من العزل من بينهم حمّادي الجبالي، رئيس الحكومة الحاليّة، وعلي لعريض و الحبيب الّوز والصّحبي عتيق وصالح كركر وغيرهم.
لكن بعد شهر واحد من تسريحة، اُعتُقل شورو ثانية ليحاكم هذه المرّة بتهمة إعادة تنظيم حركة النّهضة، على خلفيّة حوار أدلى به إلى قناة حوار التلفزيّة والمعارضة، وصدر في حقّه حكم بالسجن لمدّة عامين، قبل أن يُطلق سراحه في شهر أكتوبر 2010، أي قبل شهرين من تأزّم الأوضاع في تونس، وإقدام الشّاب محمد البوعزيزي على إضرام النّار في جسده يوم 17 ديسمبر، بمدينة سيدي بوزيد، تلك النّار التي سرعان ما التهمت أركان نظام نخره الفساد والعمالة والإجرام والعار، وقوّضت أسسه. 

II هيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

تشير آيات قرآنيّة عديدة إلى مسألة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، من بينها:
- " كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون"، آل عمران، الآية 110.
- "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويؤمنون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"،آل عمران، الآية 104.
- " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون اللّه ورسوله أولئك سيرحمهم اللّه إن اللّه عزيز حكيم"، التوبة، الآية 71.
هذه الآية الأخيرة تحديدا تُفهمُنا أن المؤمن يقوم بدور الوليّ تجاه أخيه المؤمن، يصدقه النصح، فيأمره بالمعروف وينهيه عن المنكر رغبة في رحمة اللّه العزيز الحكيم، ومساهمة منه في استقام حال الأمّة وسيرها على الطريق الصحيح.
وفي المقابل فإنّه ليس على المؤمن البقاء "متجلببا" في وضع اللاّمبالاة، معتمدا مبدأ "أنا ... وبعدي الطّوفان".
أسئلة عديدة حارقة تبقى مطروحة ويتطلّب طرحها إجابات واضحة تزيل الغموض، وتضع النقاط على الحروف، من بينها الأسئلة التالية:
·  ما هي الكيفيّة التي نمرّ بها من المستوى النّظري إلى المستوى التطبيقي، من دون أن نسقط في متاهة الإفراط في الاجتهاد؟
·       ما هو تعريف"المعروف" بكامل الدقّة؟
·       ما هو تعريف المنكر؟
·  وهل يوجد إجماع على تعريف موحّد ؟ بمعنى هل أنّ ما يبدو لي منكرا هو منكر أيضا بالنّسبة لغيري؟
·  وهل يجوز لأيّ كان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ؟ أم هل يفترض الأمر مستوى معرفيّا معيّنا، وإلماما بالشّؤون الدّينيّة يُمكّنُ الآمرُ بالمعروف والنّاهي عن المنكر إسداء النصيحة لأخيه المؤمن؟
·       ثمّ هل أنّ ما كان يعتبرُ منكرا في العصور الماضية ما زال يُعتبر منكرا في عصرنا هذا؟
·       وهل أنّ منكر اليوم هو منكر الغد رغم التحوّلات السريعة التي يعيشها عالمنا؟
·  وهل أنّ ما يعتبر منكرا في الصومال، يعتبرُ أيضا منكرا في المملكة العربيّة السّعوديّة، وفي موريتانيا، وكذلك بالنّسبة للجالية المسلمة التي تعيش في أحد البلدان الاسكندينافية؟ 
·  وما هي أفضل طريقة للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟ هل هي باللّسان أم بالقلب أم بالأيادي الشّاهرة للسيوف؟

هذه الأسئلة تُطرحُ أيضا فيما يتعلّق بالمعروف.
وهنا تستحضرني حادثتين، عشت فصول واحدة منهما، بينما قرأت تفاصيل الحادثة الثّانية في إحدى المجلاّت.

... 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire