" إن اللّه لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
( سورة
الرعد، الآية 11 )
"
لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله "
( حديث
)
لا يخفى اليوم على
من يملك بذرة من بصيرة، خطورة الوضع الذي نعيش بعد حوالي سنتين ونصف من ثورة
الكرامة التي لم يُحقق من أهدافها سوى حريّة التعبير والتي كثيرا ما سقطت في
" مستنقع فوضى التعبير "...
ولعل أبرز مظاهر
هذا الخطر، احتداد ظاهرة العنف المُسلّح الذي تحصّن مُمارسوه في الأيام الأخيرة
بجبل الشعانبي فيما يبدو أن زعيمهم المُفتّش عنه منذ واقعة جامع الفتح، بقي
في العاصمة يصدر رسائله للحكومة ويرى أنّها تستعجل المعركة ...
هذا العنف بات يهدد
مجتمعنا في أدق تفاصيل الحياة اليوميّة، لذا يتحتم مُواجهته لا بذات السلاح، أي
العنف المُسلّح ، بل باجتهاد كل الأطراف السياسية، ومُشاركة كل من يهمه شأن هذا
الوطن، والتوافق على حزمة من إجراءات عاجلة تطبّق على الفور، وأخرى آجلة لما
يتطلّب ضبطها من دراسة مُعمّقة لأنّها تتعلق بصير البلاد لعُقود قادمة ...
1) الإجراءات
العاجلة
هي جملة من الإجراءات أهمها في رأيي :
نشر
الاستقرار بإعادة الأمن إلى الشّارع ومنه إلى نفوس المتساكنين، وذلك بوضع حد للعنف
بجميع أشكاله، بدأ باللفظي منه والذي يُروّج التخوين والتكفير، ووصولا إلى تطهير
الجبال من العبوات الناسفة، ورفع الفضلات المكدسة في شوارع المدن.
التوقف
عن غض النظر عن خطاب التشدد الديني وعن استقدام دعاة يفرخون لنا فيالق المتشددين
المكفرين بشرعيّة الدولة.
إزالة
الاحتقان الاجتماعي وإعلان هدنة اجتماعية، تقوم فيها المنظمات
الشغيلة بإقناع العمال بحتميّة التعليق المؤقت للإضرابات والاحتجاجات
العنيفة وللمظاهرات الفوضويّة وللاعتصامات الوحشيّة ولقطع الطرق ولتعطيل تنقل
البشر والبضائع حتى وإن لم تكن تلك المنظمات طرفا في أغلبها.
مزيد
الحزم في مراقبة الحدود الترابية والبحرية مع تشريك المواطنين في ذلك بجعلهم طرفا
في استراتيجية الدفاع عن المصالح الوطنية العليا.
الانكباب
بأكثر جديّة على مُعالجة مشاكل الغذاء والفقر والتشغيل والتغطية الصحيّة وتذليل
الفوارق الجهويّة على مستوى التنمية، بتعصير البنية التحتيّة في المناطق النّائية
عن التجمعات العمرانية الكبرى وتشريك السلطات الجهوية في أخذ القرار، مما يبعث
الطمأنينة في نفوس السكان ويُشعرهم بأن الحكومة جادة في مساعيها للاستجابة
لمشاغلهم حتى وإن كانت تلك الحكومة مؤقتة.
مُراجعة
السياسة الجبائيّة و بما يُضفي عليها صبغة العدالة، وذلك بالقضاء أكثر ما يمكن على
ظاهرة التهرب الجبائي، وبتدعيم روح التكافل الاجتماعي بين مُكوّنات المُجتمع.
هذه في رأيي بعض
الإجراءات العاجلة التي بها يمكن الشروع في عمليّة إنقاذ البلاد وفي إعطاء المعنى
الحقيقي لمفهوم الوحدة الوطنيّة، على ألاّ تبقى معزولة عن بقية الإجراءات في
مجالات أخرى، بل لا بد، إذا أردناها مضمونة النتائج، أن تتنزّل ضمن استراتيجية
يتكامل فيها الأمني مع الواقعي مع السياسي مع الثقافي ومع الاقتصادي، يُحلّيها
خطاب عقلاني يستند إلى القدرة على أخذ القرار الحازم في الوقت اللاّزم، قرار لا
يُهمل أيّ شكل من أشكال العنف، ولا يعتبر مواقف المُعارضة تهويلا وسعيا إلى تعطيل
أعمال الحكومة، وينأى قدر المستطاع عن الأنانيّة السياسية والحسابات الحزبية
والفئويّة الضيقة الساعية إلى استغلال مصاعب الحكومة لابتزازها
والحصول على مكاسب ومواقع جديدة على المسرح السياسي.
2) الإجراءات
الآجلة
تتطلب وقتا من
التفكير المعمّق لتحقيق تشاركيّة كل الأطراف سواء منها الفاعلة فعلا مُباشرا في
الحياة السياسيّة، أو تلك المُنضوية تحت غطاء المجتمع المدني وكذلك المنظمات
العماليّة والثقافيّة والفنيّة وغيرها من المنظمات الأخرى، وأهم هذه الإجراءات:
إعادة
الاعتبار لقيمة العمل وجعلها في مقدمة جدول القيم التي تنهل من روح الثورة لغرسها
في وعي ولا وعي المواطن التونسي، بدأ بالناشئة في كل درجات المؤسسات التربويّة
وصولا إلى العمّال في المصانع والموظفين في الإدارات العمومية وحتّى الخاصة، ولدى
أصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة والكبرى. على كل هذه الأطراف الفاعلة في جهاز
الإنتاج أن تضع قيمة العمل نصب أعيُنها وأن تجعله أسّ إيمانها. أليس العمل ضرب من
ضروب حب الوطن؟ أليس حب الوطن من الإيمان؟
لا خير إذا في حبّ
للوطن يكون خاليا من السعي والجد والكد لتحقيق مناعته وتدعيم قدراته، ويكون خاليا
من عقد أبنائه العزم على تجويد مردودهم وتقديم المصلحة العامة على المصلحة
الخاصة.
التفكير
في انجاز ثورة ثقافية تعيد النظر في موروثنا الثقافي وتتناوله بالدراسات النقدية،
لتفرز غثه من سمينه، وتقدمه لنا في نسخة متحركة لا جامدة متأقلمة مع متطلبات عصرنا
الذي نعيش لا مع مُتطلبات عصر يعود بنا القهقرى ويُبرزنا في مظهر من تجاوزته
الأحداث والتطلّعات المستقبليّة. ثورة تقطع نهائيّا مع الرداءة والمحسوبيّة و تدبير الرأس مهما كانت الوسائل، وتضع حدا لسياسة دز تخطف .
إعادة
النظر في المنظومة التعليميّة إذ لا إصلاح اقتصادي واجتماعي وسياسي لا يقوم على
إصلاح مناهج وطرق التعليم وذلك بالتخلي عن الأسلوب التلقيني المعتمد على النقل،
ووضع بديل له يقوم على العقل وعلى استفزاز المُتلقي ودفعه ومُرافقته مُرافقة
ذكيّة ليُحسن التفكير والتدبّر حتّى يُدرك الحقيقة العلميّة ومنها يساهم في دفعها
وتجويدها بالابتكاروالاختراع والاكتشاف، والانتقال من
درجة المستهلك لما تبتكره الأمم الأخرى إلى درجة المُنتج للتكنولوجيا، درجة
المتبوع لا التابع، فيكون بذلك جديرا بحمله صفة الإنسان الذي كرّمه اللّه
على بقيّة الكائنات وتحدى من أجله ابليس والملائكة.
مراجعة
طرق الإمتحانات والتخلي عن الإرتقاء الآلي وعن إسعافات مجالس الأقسام واعتماد
الجدارة والكفاءة و التأسيس لثقافة الجد والكد وبذل الجهد و إقناع أبنائنا بأن لا
نجاح بدون عمل.
وعسى أن يكون لهذه
الإقتراحات صدى عند من يهمّه الشّأن الوطني.
*إسم كتاب لعلي
عبد الرازق شيخ الأزهر الذي اطرد من منصبه بعد كتابه أصول الحكم في الإسلام
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire