lundi 3 juin 2013

فكر حركة النهضة والدستور


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
سورة المائدة 105  

﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُوْنَنَّ مِنَ الْجَاهِلِيْنَ﴾.
سورة الأنعام 35

المصدر : أنيس شلبي : فايسبوك
http://www.facebook.com/ledessindujourAnisChelbi


   لا يُشكّل الدستور اليوم حجر الزاوية في الفكر السياسي لقادة حزب حركة النهضة، على عكس أغلب التيّارات السّياسيّة الأخرى، التي تعتبرُه العُنصر الأهمّ لتركيز حياة سياسيّة جديرة بمن فجّر ثورة ضد الطُغيان والاستبداد والقهر والحرمان والبطالة ليسترجع كرامة أهدرها نظام موغل في الجهل والأنانيّة، لأنّ ما يُشغلُهم ويُشغل عُملائهم من السلفيين، مهما اختلفت مشاربُهم وتفرّعاتهم بين علميّة وإصلاحيّة ودعويّة وجهاديّة ... إنّما هو السّيطرة المُحكمة على البلاد. تلك هي بلا مواربة إحدى الأثافي الأساسيّة للفكر النّهضوي ...
وضعُ اليد على كل مفاصل الدولة ودواليبها هي أولويّةُ الأولويّات عندهُم بعد أن منحهم " القدر " فرصة الارتقاء إلى دفّة حُكم لم  يكُن أكثرُ زُعمائهم تفاؤُلا يحلُم بالاقتراب منه حتّى، على الأقل في الآجل المنظور ...
لذا، والوضعُ على ما هو عليه، فلا سبيل إلى التخلّي عن حُكم لم يُشاركوا في الإطاحة بما سبقه مُشاركة مُباشرة، ولم يُشاهدوا  بين المُتظاهرين في شوارع مُختلف المُدن التونسيّة من تالة إلى القصرين إلى فريانة إلى منزل بوزيّان إلى صفاقس وُصولا إلى العاصمة، ومُرورا قبل ذلك بالحوض المنجمي سنة 2008، حيثُ بدأت تتهيّأ مُمهّدات ثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي 2011، وبعاصمة الحضارة القبصيّة العريقة قديما ، وعاصمة المناجم حاليّا، ذات الرصيد النضالي التاريخي، والتي كانت معقلا للمُعارضة اليوسفيّة في خضمّ الفتنة التي وضعت جناحي الحزب الحر الدستوري التونسي وجها لوجه،  إزاء موقف كل منهما من الاستقلال الداخلي، ثم معقلا للنضال العمّالي- اليساري ضد النظامين السّابقين، و ما زالت تنهل من تراثها الاحتجاجي لتغذي رفضها البنّاء والإيجابي لكل انحراف عن المسار الثوري، رفض هو أُسّ الثقافة الاحتجاجية المُنغرسة في أعماق سكّانها 
الصامدين في وجه كل أشكال الضيم، الاجتماعي منه تحديدا ...

تونس ديمة صامدة : قرطاجنة : فايسبوك
https://www.facebook.com/Carthagina 

وعليه فإنّ المشغل الأساسي ، والرهان الأشد تعقيدا في الفكر النهضوي اليوم، هو التغلغُلُ داخل النسيج المُجتمعي، ليتمكّن  حزب حركة النّهضة من استقطاب أكثر ما يُمكن من المُؤيّدين لأطروحته، في انتظار الانتخابات التي هو من يهيئ ظروف إنجازها ويُحدد تاريخها، ليضمن الفوز بها بأغلبيّة ساحقة لا أغلبيّة مُريحة.
 هذه الخُطوة الضروريّة الأولى، أمّا الخُطوة الثانية فهي التسرّب إلى دواليب الإدارة للتحكّم في أدقّ دقائق هياكلها وللتمكّن من القوانين لتطبيق ما يخدم مصالحه منها وتجميد ما يتضاربُ معها...
   وإذا كان الدستور في شرع العُقلاء يحظى بعُلويّته على كل القوانين الأخرى، وأنّ النقاشات حول فُصوله على قدر من الأهميّة وتتطلّبُ كل الجُهد واليقظة والإحاطة بكل الجزئيّات والمهنيّة من قبل المُختصّين في القانون الدستوري قبل السياسيين، فهو ثانوي الأهميّة في الفكر السياسي النهضوي، ولا تكمُن أهميّته إلاّ في مقدار ما يسمحُ بتمطيط النقاشات وإثارة الإشكاليّات المُتعلّقة بهويّة الدولة وبمدنيّتها وبتكميل المرأة للرجل ...
   لمسنا ذلك من أحاديث زعيم حركة النهضة وقائدها الروحي راشد الغنّوشي التي تسرّبت في مُناسبة أولى عند حديثه مع أحد قادة السلفيّة الوهابيّة، البشير بن حسن، والذي جاء فيه ما يلي:
" القانون يا سيّدي يُفسّرُه القويّ، إذا كنّا أقوياء سنُفسّر هذا القانون(مجلّة الأحوال الشخصيّة )، سنُقصي منه أشياء وندعُ أشياء، المهمّ أن نُثبّت الوُجود الإسلامي في هذه الابلاد."
أمّا المُناسبة الثانية، فكانت حديثُه مع بعض قيادات السلفيّة إذ دعاهم فيه إلى:
" التريّث حتّى يتمكّن الإسلاميّون من السيطرة على مفاصل الدولة... حينها تُصبح الدساتير والقوانين أمرا شكليّا..."
لذا فإنّي أرى أنّ الدستور وما يدور حولهُ من نقاشات هو لُعبة حزب حركة النّهضة لتحويل وجهة الشعب ونُخبه عمّا يدور في الكواليس الإداريّة من تعيينات تبدأ من العمدة لتنتهي عند الوالي ومُرورا بالمُديرين وبالرؤساء المديرين العامين المُشرفين على المُؤسّسات العُموميّة بما يضمنُ التحكّم في الإدارة بقبضة من حديد.
والحقيقة أن كلّ ما يحدُث منذ أن أسفرت انتخابات 23 أكتوبر  2011عن نتائجها لا يدعو إلى الاستغراب لأنّه نابع من عُمق الفكر النهضوي سليلُ الفكر الإخواني، ذلك أنّ الإخوان المسلمين كحركة أسّسها حسن البنا ( 1906-1949) في مدينة الإسكندريّة سنة 1928، والمُلقّب بين أنصاره ب" الإمام الشهيد "، هي حركة دعويّة سلفيّة، وطريقة سُنيّة، وجماعة إصلاحيّة تفهم الإسلام فهما شاملا حسب ما ورد في مضمون رسالة المُؤتمر الخامس لمُؤسس الحركة. وهي حركة فكريّة لا تُؤمنُ بالديمُقراطيّة، التي يراها الأب الروحي للسيد راشد الغنّوشي، أبو العلاء المودودي(1903-1979)
" تأليه للإنسان "، ويراها خليفة أسامة بن لادن، أيمن الظواهري" دين وضعي كافر ". كما أنها لا تُؤمنُ بالبرلمانات التي تُشرّعُ للناس فتجعلُ نفسها بذلك ندا للمُشرّع الأكبر وهو اللّه وشريكا لهُ في رُبوبيّته، وتضعُ بذلك نفسها موضع الخالق تعالى بينما التّشريع لا يكون إلاّ للّه ، والحُكم له وحدهُ، حسب ما يراه السيد قطب (1906-1966).

حسن البنا


لا غرابة إذا أن تجعل حركة النهضة من مُداولات الدستور ملهاة وأمرا ثانويّا،  مُقارنة بمراكز اهتمام أخرى تحرص على إيلائها كل جهدها لتتمكّن من التحكّم في البلاد، ولا يُقلقُها كثيرا طولُ المُناقشات حول فُصول مُسودة الدستور ما لم تتهيّأ بعدُ الظروف التي تضمن تأبيدها لمُراقبة مراكز القرار في البلاد عبر:
- تركيز شبكة اجتماعيّة قويّة في العُمق التونسي تُعتبر القوافل التضامُنيّة والطبيّة أحد أدواتها.
- نشر ثقافة استُخرجت من الكُتب القديمة،  تنبعثُ منها روائح الانغلاق والجهل والتكلّس الفكري،  تكفّل دُعاة استضافوهم من بُلدان لا تعتبر المرأة فيها كائنا كامل الحُقوق والواجبات، ولا يُسمحُ لها باستخراج بطاقة هويّة أو بقيادة سيّارة، بنشر فكرهم السلفي.
-  السيطرة على لآلاف المساجد بتنصيب أئمّة مُوالين لهم يمرّرون خطابا مشحونا تكفيرا وشيطنة لمن لا يشاطرونهم الرأي من المُثقّفين والإعلاميين والمسرحيّين، بلغ حد التحريض على القتل الذي كان الحقوقي شكري بلعيد أحد ضحاياه.
- الاعتماد على أذرعة تُروّج العُنف والإرهاب لكل من يُخالف الطرح النّهضوي، تُمثّلُها " لجان حماية الثورة ".
وهكذا فإنّ حركة النهضة لا تعترف بما اتفقت أغلب الأمم على اعتباره المنظومة الأكثر عدلا لتنظيم المجتمعات وتسيير شُؤونها ، وهي الدساتير التي تضمن حقوق وواجبات الجميع بدون استثناء، وتعترف  فقط  بما تراه من خلال قراءة أحاديّة للموروث الديني المُشترك، تُجبر الآخرين على اتباعه تحت التهديد بتكفيرهم وبإهدار دمائهم. إن هذا ليس بغريب على من شعارُه: تنظير فتكفير فتفجير... وللّه في خلقه شُؤُون...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire