mercredi 12 décembre 2012

الإضراب العام ليوم 13 د يسمبر إضراب سياسي!!!


  

  من أغرب التّهم التي أصدرت في شأن الإضراب العام ليوم 13 ديسمبر 2012 أنّه إضراب سياسي. وردت هذه التّهمة على لسان مرشد حزب حركة النّهضة الأستاذ( سابقا ) راشد الغنّوشي صاحب المقُولة الخالدة: إنّ روابط حماية الثورة هي الضمير الحي لثورة 14 جانفي 2011، ورددها بعده كلّ أعضاء الحُكومة – وهل يقدرون على مُخالفته – باستثناء النّاطق الرسمي باسم الحركة الأستاذ عبد الفتّاح مورو الذي أعرب أيضا عن عدم مُوافقته على مشروع قانون تحصين الثورة الهادف إلى إقصاء التجمّعيين من الساحة السياسيّة.

   إن هذه التّهمة لا تخرُج عن إحتمالين اثنين، إمّا أن تكون صدرت عن مسؤولين على رأس الدّولة جاهلون لتاريخ هذه الأمّة ولتاريخ الإتحاد العام التونسي للشغل، وتاريخ المُنظّمة النقابيّة التي سبقت إنشاءه وهي جامعة عُمُوم العملة التّونسيّة التي أسّسها محمد علي الحامي في أواخر سنة 1924، أو أنّهم يستنقصون ذكاء التّونسيين ويعتبرونهم إلى السذاجة وقصر الذاكرة والجهل أقرب منهم إلى معرفة دقائق تاريخهم. وفي كلتا الحالتين فإنّ الأمر على درجة من الخطورة ويدلّ على أنّه ليس للثورة ما تستحقّ من المسؤولين وأنّ من يُشرفُ على إدارة دواليبها ليس في الحجم المؤمل La Révolution Tunisienne mérite mieux que ceux la.

  إن القول أنّ الدعوة إلى الإضراب العام إنّما هي من قبيل العمل السياسي  لا يعكس غير الجهل بطبيعة العمل النّضالي نقابيّا كان أو مدنيّا أو حُقوقيّا، لأنّ جُلّ الحركات النقابيّة في العالم مُنحازة اديولوجيّا أو سياسيا منذ أن تأسّست الأمميّة الاشتراكية الأولى، وحتّى قبل ذلك بكثير عند تأسيس إتحاد النقابات البريطانية إثر الثورة الصّناعيّة The Trade Union. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الكثير من المُنظّمات النقابيّة ذات صبغة حزبيّة واضحة إن كان ذلك بالولايات المُتّحدة الأمريكيّة أو ببريطانيا أو بفرنسا أو بأقطار  أمريكا اللاتينية ، ومُرتبطة بالأحزاب الشيوعيّة أو الاشتراكية أو التروتسكيّة أو المسيحيّة الديمُقراطيّة .... هذا من ناحية أولى .

   من ناحية ثانية فإنّ النّضال النقابي التونسي الذي تأسس في سنة 1924 بهُويّته التونسية على الأقلّ، كان تعبيرا عن إرادة العُمّال التّونُسيّين في القطع مع الكُنفدراليّة العامة للعمّال التي غلبت على نضالها النزعة الاستعمارية ، وهو على عكس ما يجب أن يقُوم عليه العمل النقابي كما هو مُتعارف عليه في كلّ أنحاء العالم، ورغبة منهم في تحسين أوضاعهم المهنيّة والماديّة بتنظيرهم مع رفقائهم العمّال من حاملي الجنسيّة الفرنسيّة، في الامتيازات وفي عدد ساعات العمل، ولا أدلّ على ذلك من قول محمد علي الحامي في الاجتماع التأسيسي لجامعة عُمُوم العملة التّونسيّة في أواخر سنة 1942 أنّه  لا معنى للمُطالبة بتحسين ظروف العمّال التّونسيّين في ظلّ دولة مُستعمرة.

   إنّه لمن الحماقة والسذاجة وكساد الطّبع على حد قول  الأستاذ مُصطفى الفيلالي ، ألاّ يُعتبر هكذا مطلب على أنّهُ مطلب سياسيّ!!!
       ثمّ متى وُجد تفريق بين الاجتماعي والسياسيّ من المشاكل التي تهزّ المُجتمعات، أليس كلّ قضايا المُجتمع سياسيّة كما أنّ كل القضايا السياسيّة هي قضايا تهُمّ المُجتمع Les problèmes politiques sont les problèmes de tout le monde, et les problèmes de tout le monde sont des problèmes politiques.

   إنّ إتحاد حشّاد الذي تأسس غداة الحرب العالميّة الثانية، بعد إفشال التجربتين النقابيّتين، الأولى على يد محمد علي الحامي، والثانية التي حاول من ورائها الدستوري بلقاسم القناوي إعادة الروح لجامعة عُمُوم العملة التونسيّة سنة 1937، كان البوتقة التي ضمّت  كلّ مُعارضي الاستعمار من الوطنيّين يتقدمُهم النقابيّون في زمن كان فيه الزّعماء السياسيون في غياهب السجون الفرنسيّة بعد حوادث 9 أفريل 1938، وإليها لجأ الوطنيّون باختلاف مرجعيّاتهم الفكريّة وقناعاتهم السياسيّة . فهل كان يُلامُ حينها على اشتغال الإتحاد بالسياسة وبأنّه كان ملاذ المُناضلين الأوفياء لمعركة التحرير الوطني؟؟؟

   من ناحية ثالثة فإنّ الإتحاد نجح بامتياز في المسك بطرفي المُعادلة : الاجتماعي والسياسي، وذلك من خلال إنخراطه في بناء دولة الاستقلال،  وإرساء بُناها التحتيّة،  ورسم خريطة الطّريق لاستشراف المصير المُشترك، وتقديم  الدراسات فيما يتعلّق بإصلاح القطاعات الاقتصادية،  وإعادة تنظيم هياكل الوظيفة العُموميّة،  ورسم الخُطوط الكُبرى لبرامج ومُخطّطات التنمية الاقتصادية،  وإصلاح المنظومة التربوية وتونستها وتحسين مردوديّتها، ومزيد إحكام التغطية الاجتماعية، وما على المُشكّكين في ذلك، وعلى من يلوم الإتحاد على الاهتمام بالشّأن السياسي من سادتنا المسؤولين على إدارة شؤون هذه المرحلة الانتقالية الثانية بعد الثّورة، إلاّ العودة إلى اللّوائح المُنبثقة عن المُؤتمر السّادس للإتّحاد العام التونسي للشُغل، وإلى اللاّئحة الاقتصادية لمُؤتمر الحزب الدستوري بمدينة صفاقس.

   لذا كفانا إدعاءات باطلة واستبلاه للرّأي العام ومُحاولات لكتابة أحاديّة للتّاريخ، وعلينا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى التخلّص من النظر إلى الشّؤون المصيريّة من زاوية ضيّقة.
  ألا يكفي ما عانيناهُ من اعتداءات على الذاكرة الجماعيّة وعلى ذكاء التونسيين طيلة 23 سنة، وهل نحن في حاجة إلى المزيد من هكذا صنيع؟
إنّ من يعتقدُ ذلك فهو يُعيد إنتاج سياسة ثار ضدها الشعبُ ذات 17 ديسمبر 2010 وواراها التّراب ذات 14 جانفي 2011 – أو هكذا يعتقد -، ويُعيد ارتكاب نقس حماقات النظام البنعليلي . فعسى ألاّ يُؤدي ذلك إلى ثورة ثانية، إن كنّا نُكنّ حقّا لهذا البلد كلّ الحبّ الصّادق واللاّمشروط.

                                                                                                                 العوينة، 12 ديسمبر 2012.

   

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire