lundi 15 juin 2015

كلام في المثليّة الجنسية الجزء الأول


مسيرة في تونس في مارس أثارت الكثير من الضجة 
Source : http://360.ch/blog/magazine/2015/03/les-lgbt-tunisiens-bien-decides-a-montrer-quils-existent/


تناولت مُختلف وسائل الإعلام، المكتوبة والمرئيّة، والسمعية منها بدرجة أقل، في الأسابيع الأخيرة، موضوعا اكتسى حوله الجدال أهمية كبرى واتسم بتناقض المواقف واختلافها بين مُؤيّد ومُتسامح ومُعارض بشدّة ، ألا وهو موضوع المثليّة الجنسيّة بعد ان منحت الكتابة العامة للحكومة ترخيصا بالنشاط ل"جمعيّة شمس".
في الحقيقة لم يكن الإعتراف بنشاط جمعية مدنيّة ليُثير مُعارضة أو إحتراز أو رفض بعض الأطراف في بلد تدعي نُخبتُه السياسيّة تحديدا، والفكريّة عامة الدّفع نحو تأسيس مُجتمع مدني وبناء دولة القانون والمُؤسّسات، التي تُصبح فيها حريّة التعبير مُتاحة لكلّ فرد ويضمنُها الدستور الضامن كذلك لحريّة الضمير، لو لم يُصرّح المسؤول عن الجمعيّة خلال برنامج تلفزيّ بأن " حوالي أربعين بالمائة من التونسيين مثليين" حسب رأيه، ممّا أقام منابر النقاش ولم يُقعدها، وحوّل التعليق على هكذا جمعيّة تهدفُ إلى "حماية الأقليّات الجنسيّة" إلى موضوع السّاعة في مُختلف المُستويات الإجتماعيّة تقريبا.
ولفت نظري تعليق أحد الحرفيّين من أصدقائي، أقضي في ورشته من حين إلى آخر بعض الوقت لتبادل الآراء حول شتى المواضيع، إذ قال وهو في حالة غضب لم أعهدها لديه: "لا بد من الحُكم بالإعدام على المثليّين الجنسيّين الذين تُدافع عنهم جمعيّة شمس، أسوة بما  قام به أسيادُنا من الخُلفاء العظام في عصر قوّة الدولة الإسلاميّة".
استفزّني هذا التعليق ودفعني إلى طرح جملة من الأسئلة لعل الإجابة عنها تُساهم في بلورة مسألة حرّكت الشارع التونسي حراكا لم يُخفّف من حدته سوى حملة" وينو البترول"، وتُخفّفُ من موجة الإنفعال والتشنّج  الذين يجعلاننا نسقُط عن لا وعي في مُستنقع الذاتية ونجانب الموضوعيّة.
 هذه الأسئلة هي:

ما هو تعريفُ المثليّة الجنسيّة ؟
- ما هو تاريخ المثليّة الجنسيّة؟ وما هو موقف المُجتمعات منها؟
- هل عرفت المُجتمعات العربيّة المثلية الجنسيّة قبل وبعد الإسلام؟
- ما هو موقف الأديان السماوية وتحديدا الإسلام من المثليّة الجنسيّة؟
- من هم أشهر المثليّين العرب؟
- هل من وسائل للوقاية ولمُعالجة المثليّة الجنسية؟

1) المثليّة الجنسيّة: تعريفُها ونظرة المُجتمعات لها
كثيرة هي تعريفات المثليّة الجنسيّة، إلا أنّ قاسمها المُشترك هو أنّها تتمثّلُ في في العلاقات والمُمارسات الجنسيّة بين طرفين ينتميان لنفس الجنس وأنها مُنافية للفطرة البشريّة .ولا تكتسي المثليّة الجنسيّة  معناها الحقيقي بميل طرفين من نفس الجنس وانجذابهما لبعضهما البعض  فقط بل لا يكتمل ذلك المعنى إلا بمُمارسة الفعل الجنسي.

2) المثليّة الجنسيّة في التاريخ
لازمت ظاهرة المثليّة الجنسيّة الإنسان مُنذُ أقدم العصور، وعرفتها المُجتمعات البشريّة مُنذ أن وُجد الإنسان على سطح الأرض. كل المُجتمعات قديمها وحديثها، البدائيّةُ منها والمُتحضّرةُ بما فيها مُجتمعات ما بعد الصناعية والتي غزتها التكنولوجيا العالية وغمرتها الرقمنة والتطبيقات المعلوماتيّة الحديثة والمُستحدثة يوميّا، كُلّها وبدون استثناء عرفت الممارسة الجنسيّة المثليّة التي ستُلازمُ الجنس البشري ما دام لهذا الجنس حضور على كوكب الأرض.
المُلفتُ أن كل ما يمتّ للجنس بصلة كان إلى وقت قريب ولا يزال في العديد من المُجتمعات، يُعتبر من التابوهات التي يعسُر الحصول على بيانات حولها لدراستها، وذلك لأسباب عدّة من بينها الطابع الشخصي للعمليّة ذاتها من ناحية، وودُخولها في خانة الحُريّات الفرديّة، ومن ناحية أخرى موقف المُجتمعات ونظرتها للعمليّة على أنّها سُلوك شاذ ينبُذهُ المجتمع الإنساني لل"عار" الذي يُلحقُه بفاعله وبذويه. لذلك لم يكُن من المسمُوح به الإفصاح عنه،ـ وإذا ما تُفُطّن له فإنّهُ يُدانُ ويترتّبُ عنه إنزالُ أقصى العُقوبات بفاعله إستنادا إلى نُصوص دينية أو وضعيّة.
ولئن يُفيدُنا تاريخُ البشريّة بإدانة المثليّة الجنسيّة عبر التاريخ إلا انهُ يُعلمُنا أيضا أن هكذا مُمارسة لم تكن منبوذة في كلّ مراحل التاريخ وفي كل الحضارات. لقد كانت المثليّة رائجة في حضارات ما بين النهرين وفي الهند والصين ومصر في القديم. ففي اليونان حظيت بالتقدير وهو ما نستنتجُه من محاورات الفيلسوف أفلاطون التي يُفصحُ فيها عن شغفه بالغلام أليسباديس وبممارسته المثليّة الجنسيّة في مدينة أثينا قاعدة الديمقراطية.
لم تقتصر الظاهرة على أثينا فحسب إذ عرفتها العديد من المُدن الإغريقيّة على غرار مدينة إسبرطا مُنافسة أثينا العنيدة والتي عُرفت ببأس سكانها وبشدّتهم وبالصبغة العسكرية التي التصقت بنظامها السياسي.
وفي اليونان القديم نسج المخيال الديني أساطير حول مثليّة الآلهات، وها أن اكبر الآلهات الإغريقيّة زيُوس قد عُرف بممارسته لها، وكذلك الشأن بالنسبة لآلهات أخرى مثل أبولو و هرماس وبوسيدون...
غير أن الأمر يختلف تمام الإختلاف بالنسبة للأديان المُنزّلة التي اتفقت كلّها على نبذ المثليّة الجنسيّة لإعتبارها في نظرها مُنافية للفطرة البشريّة.
وللإشارة فان المثليّة الجنسيّة نوعان.

أ ) المثليّة الجنسيّة الأنثويّة
يُطلقُ عليها اسم السحاق، وتذكر عديد المراجع أن الشاعرة الإغريقيّة صافو وقد كانت باهرة الجمال وفائقة الذكاء، تزوّجت وهي في الخامسةعشر من عُمرها وأنجبت بنتا، إلا أن زوجها اُصيب ب "لعنة" جعلته عاجزا عن أداء واجباته الزوجيّة فهجرتهُ ونفرت من العلاقة مع الرجال واتجهت إلى العذارى الحسان تُغني وتعزف معهنّ على القيثارة وتُمارسن السّحاق فاستغنين بذلك عن الرجال.
في العهد الروماني انتشر السحاق كذلك ومُورس داخل القصور الملكية وقُصور الأثرياء وخُصّصت حمّامات للنساء تُمارسن داخلها السحاق. ومن أشهر الرومانيّات اللاتي عُرفن بذلك أغرييتا و ياسا و سيرافينا
ب ) المثليّة الجنسيّة الذكوريّة
تُعرفُ تحت مُسمى اللُواط وتندرجُ في خانة المواضيع الدقيقة والمسكوت عنها لإعتبارها من التابوهات خاصة في عالمنا العربي  فهي أحدُ أضلُع مُثلّث التابوهات: الجنس والدين والسياسة، المُسيطر على الذهنية المُشتركة لمُجتمعاتنا والذي يصعُبُ التخلّص منه أو حتى التخفيفُ من ضغطه في ظل أنظمة يتقلّص فيها مجال المسموح به يوما بعد يوم ، وتُوصدُ فيه أبواب النقاش في مواضيع حياتيّة لا نتمكّن بدون تفكيك شفراتها فهمُ السّلوكات المُعقّدة ممّا ينتُج عنه الكثير من التشنّج والإقصاء الناتجين عن   والتعتيم والجهل بخفايا القضايا
والّواطُ ممارسة قديمة قدم الإنسان ولعلّها ظهرت بالتوازي مع السحاق إن لم يكن هذا الأخير نتيجة حتميّة لللّواط
انتشر اللّواط قديما في بلاد اليونان في صُفوف الرهبان والحُكماء بسبب النظر إلى الزواج الشّرعي نظرو امتهان واحتقار إذ كان يُعتبرُ عملية قذرة تُبعدُ الإنسان عن التفرّغ لخدمة الآلهة. لكن ترتّب عن هذا "المنع" لتلبية حاجيات بيولوجيّة وعن هذا الإعراض عن مُمارسة الجنس مع النساء لإعتبارهنّ وقتئذ غاويات وخائنات، ترتّب عن ذلك ميل إلى الغلمان لمُمارسة الجنس معهُم.
كتب محمد علي البار ما يلي:
" كان لكل حكيم فيلسوف كأفلاطون وابوقراط غُلام أو مجمُوعة من الغلمان الحسان يلتصقُ بهم جنسيّا بين حين وآخر إذا غلبت عليه الغلمةُ والشّبقُ سيّما عندما يُريد التفكّر في حلّ مُشكلة أو استنباط سرّ عميق."
ولقد كانت الآداب الإغريقيّة  تمدحُ المثليّة الجنسية الذكورية وتُشيد بها علما وانها لم تكن حكرا على النخبة المُثقفة إذ هناك من يعتقد أن المُجتمع اليوناني بأكمله كان شاذا جنسيّا .
فماذا عن المُجتمعات العربية قبل وبعد الإسلام؟


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire