I. ازدواجيّة
الخطاب النهضويّ
لم يعد
خفيّا على ذي عقل ازدواجيّة خطاب زعماء حزب حركة النهضة، وعناصره الفاعلة في الساحة
السياسيّة ، منذ الحملة التي سبقت انتخابات أعضاء المجلس الوطني التّأسيسي، والتي
استعدّ لها الحزب كأفضل ما يكون، وركّز تنظيما تسرّب إلى كلّ أقاليم البلاد،
معتمدا أساليب اغرائيّة خرجت عن نطاق المنطق والقانون، كتقديم عطايا عينيّة كانت
أو نقديّة، إلى جانب الوعود الفضفاضة المؤسّسة على التعميم والمغالطات وعدم توضيح
المصطلحات المستعملة بالدقة المطلوبة لأغراض إنتخاباويّة، تدخل في خانة ما يعبّر
عنه باللّهجة الدارجة التّونسيّة : "كلام اللّيل مدهون بالزبدة كي يطلع عليه النّهار... يذوب".
كيف لا
وقد اعتمد النهضويّون في حملتهم الانتخابية خطابا يقرّ بمدنيّة الدولة وعدم تغيير
المكتسبات الحداثيّة للمجتمع، وهو ما أكّد عليه زعيم الحركة السيّد راشد الغنّوشي
يوم عاد من منفاه إلى تونس، وتحديدا في مطار تونس قرطاج. لكن عندما يختلون في
جلساتهم الخاصة وفي لقاءاتهم بقواعدهم العريضة بحضور ضيوف أجانب، يعربون عن
نواياهم الحقيقيّة المتمثّلة في إقامة "الخلافة الإسلاميّة السّادسة"،
ومراجعة محتوى مجلّة الأحوال الشّخصيّة، التي لا تعدو في نظرهم أن تكون غير اجتهاد
بشريّ قابل للمراجعة، لا بل أنّ زعيم الحركة ذاته لا يرى كحلّ لاستئصال مشكل
"العنوسة"، أو العزوبيّة التي طالت الشابات التونسيّات - متجاهلا أنّ
الظاهرة ذاتها تُسجّلُ في صفوف الشبّان – غير العودة إلى إلغاء القانون الذي منع تعدد
الزوجات!!!
والملفت
أنّ النّهضويّين لم يتوقفوا عن الوعود بتنمية اقتصاديّة على النّمط المتّبع في
تركيا، التي يروا تشابها كبيرا بينها وبين البلاد التّونسيّة. ولم يتوقّف زعيمهم
على التأكيد بتأثّر الزعماء الأتراك بأفكاره التي حوتها عديد الكتب التي ألّفها، والتي
غزت بعد الثورة رفوف المكتبات التونسيّة بعد منعها زمنا طويلا في إطار الحصار الذي
كان مضروبا من قبل النظام البائد على الرّجل.
ولعلّ
أهم نقاط التشابه بين البلدين، زيادة عن تشابه علميهما إلى حد الخلط بينهما في
مناسبات عدّة في الخارج، وتحديدا في الملتقيات الرياضيّة، هو أن كلاّ منهما يشكّل
منطقة تلاقحت فيها عدّة حضارات منذ أقدم العصور.
إنّ تركيا
ذلك البلد الجميل الحالم ومتردد الانتماء بين قارة آسيا شرقا والقارة الأوروبيّة غربا، هو
نتاج تلاقح حضارتين متناقضتين عبر التاريخ الطويل للبلاد، يسّره الموقع الجغرافي لرقعة
من الأرض استعمرها اليونانيّون قديما، بينما استقبلت هضبة الأناضول في الوسط الغربيّ
للبلاد الحضارة الحثيّة، التي نافس أسيادها فراعنة مصر في الألف الثانية قبل
الميلاد.
في
القرون الوسطى استقرّت في تركيا قبائل من آسيا الوسطى، بعدما اضطرّهم المحاربون
المغول إلى ترك بلادهم. ثمّ أسّس الأتراك السلاجقة والعثمانيّون إمبراطورية جعلوا
مركزها قلب الأناضول، وراحت تمتدّ شيئا فشيئا حتّى بلغت في القرن الخامس عشر
القارة الأوروبيّة من جهة، واجتاحت الهلال الخصيب واستولت على أغلب أراضي شمال
إفريقيا من جهة أخرى، في إطار ما يحلو للبعض تسميته بالفتح العثماني، لكنّه لم
يختلف في شيء عن الاستعمار الروماني سابقا أو الفرنسي لاحقا .
عرفت
الإمبراطوريّة العثمانيّة عظمتها الحقيقيّة في القرن السادس عشر في عهد سليمان
القانوني الذي كان ملك فرنسا فرانسوا الأوّل يسمّيه Soliman le magnifique .ثم بدأ الانحطاط البطيء الذي انتهى سنة 1918 بالانهيار التّام وبوضع مصطفى كمال
أتاتورك (أب الأتراك) حدا لإمبراطوريّة عاشت أكثر من أربعة عقود. وأدخل أتاتورك
إصلاحات أساسيّة في المجتمع والدّولة، ففصل الروحي عن الزمني، ونظّم قانون الانتخابات،
وشجّع التعليم، ووزّع الأراضي على المزارعين، ووضع برنامج تصنيع للبلاد، وأصدر
مجلّة الأحوال المدنيّة سنة 1926، وهي مدوّنة عصريّة للحياة العائليّة والشخصيّة
وتمنع تعدد الزوجات، وأصدر "قانون القيافة" في نفس السنة، والذي أكره
الأتراك على ارتداء البدلة والقبّعة الإفرنجيّة، واستبدال الألقاب العربيّة بأخرى
أوروبيّة، وألغى الكتابة بالأحرف الأبجديّة العربيّة وعوّضها بالأبجديّة
اللاّتينيّة والتي تكتب من اليسار إلى اليمين.
وللعلم
فإنّ قانون القيافة هذا هو الذي اعتمده العلمانيّون لإسقاط عضويّة النّائبة مروة
قاوقجي التي تمسّكت بارتداء الحجاب داخل الحرم البرلماني .وأمر مصطفى كمال بوضع دستور
للبلاد يؤكّد على علمانيّة الدولة، التي يضمنها الجيش الوطني، والذي يحاكم ويسجن
كلّ متحامل على المكاسب العلمانيّة للمجتمع. وقد كان رئيس الوزراء الحالي رجب طيّب
أردوغان أحد ضحايا المسّ من علمانيّة الدولة وسُجن عشرة أشهر في سنة 1988، إثر
تصريحه الشهير وهو يومئذ رئيس بلديّة إسطنبول، والذي قال فيه : "إنّ المساجد
هي ثكناتنا،والمآذن حرابنا، والقباب خوذاتنا ..."
لكن منذ
ذلك التاريخ أصبح الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركبا، أكثر اعتدالا
وتقبّلا لعلمانيّة الدولة التركيّة، وأكثر احتراما لصبغتها المدنيّة، وقد عبّر عن
ذلك أردوغان ذاته، خلال زيارته للبلاد المصريّة في شهر سيتمبر 2011، في إطار
زيارته لبلدان "الربيع العربي"، بدعوته إلى عدم التخوّف من دستور
علمانيّ، وبتصريحه للفضائيّة المصريّة Dream
2 الذي جاء فيه : "إنّ الدستور التركي يُعرّف
العلمانيّة بأنها التعامل مع أفراد الشّعب على مسافة متساوية من جميع الأديان وأنّ
الدولة العلمانيّة لا تنشر اللاّدينيّة". وقال عن نفسه :
"رجب
طيّب أردوغان ليس علمانيّا، فهو مسلم لكنّه رئيس وزراء دولة علمانيّة".
فهل أنّ
قيادة حزب حركة النهضة التي تطرح نفسها على الساحة السياسية كبدائل لتونس الجديدة،
قادرة على التخلّص من ازدواجية الخطاب الذي تمارس، والنظر إلى الوضع السياسي لما
بعد الثورة بوضوح أكثر وعقلانية أعمق، بدون تشنّج وتوتّر واعتبار أن الرأي الآخر
المتأتّي من المعارضة، لا ينشد بالضرورة التهديم أو التعطيل والمماطلة و"وضع
العصا في العجلة" من قبل عدوّ سياسي مقيت، كما يروّجون، وأن تستوعب الرّسائل
التي وزّعها المسؤول الأوّل التركي، وتستفيد من التزاوج البديع في تركيا بين
العلمانيّة والإسلام والديمقراطيّة، كما نجحت في المزاوجة بين أحزاب الترويكا لخلق
تحالف داخل المجلس الوطني التّأسيسي يتمتّع بأغلبيّة الأصوات.
وهل
بإمكان زعماء حزب حركة النهضة الوقوف على أرضيّة الواقع الصلبة لتونس اليوم،
والتفاعل مع الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة التي تطلّ برأسها، وبناء
مشروع تونسي أصيل، يتحوّل إلى نموذج يُتّبع من قبل بقيّة الشعوب، وغضّ النظر عن
حلم عسير التّحقيق وهو حلم إرساء خلافة إسلاميّة لم تنجح منذ قيامها في تحقيق حلم
المسلمين لأنّ سلبيّاتها أكثر بكثير من إيجابيّاتها.
أماّ
تونس، هذا البلد المتموقع في أقصى شمال القارّة الإفريقيّة، والممتد على مجال صغير
من الأرض، فهو متأثّر بدوره بتيّارين حضاريّين مختلفين ومتواصلين غير متضاربين عبر
التاريخ، بل متمازجين ومتراشحين تراشحا عجيبا يُعد إحدى المميّزات القاعديّة
لشخصيّة المواطن التونسي اليوم، ومنذ القديم، وهما تيّار شرقي بدأ منذ وطأت أرجل
أوّل الفينيقيّين أرض بلادنا في أواخر القرن قبل الأخير للألفيّة الثانية قبل
الميلاد (حوالي سنة 1100 ق.م.) ليؤسّسوا في شمالها الشرقي أولى مستوطناتهم
المتوسّطية مدينة أوتيكاUtique ، واتجاه غربيّ تمركز رسميّا سنة 146 ق.م.
عبر الرّومانيّين الذين نجحوا في التخلّص من المنافسة الجيو سياسيّة والاقتصادية
القرطاجيّة لهم في الجزء الغربي لحوض البحر الأبيض المتوسّط أين إنبرى أسطولهم
البحري ، بسفنه الحربيّة والتّجاريّة يرتع بمطلق الحريّة.
هذين اللّقاحين والتيّارين الحضاريّين تأثّرا
بالموروث الثقافي الأصلي للمنطقة قبل أن ينضاف إليهما التأثير العربي الإسلامي الذي
وصل إلى شمال إفريقيا منذ منتصف القرن السابع للميلاد / القرن الأوّل للهجرة، ثم
التأثير الأوروبي بداية من أواخر الثلث الأوّل للقرن التاسع عشر، ممّا شكل في
الأخير القواعد الأساسية للشخصيّة الثقافيّة التونسيّة.
لذا فإنّه
ليس بالإمكان اليوم فهم الخصوصيّة الحضاريّة لبلادنا ما لم نستوعب البعد التّاريخي
المتجذر في أعماق الحضارة الإنسانيّة لما يزيد عن سبعة آلاف سنة، منذ حضارة
القبصيّين التي ألهب أحد أحفادها جسده ذات 17 ديسمبر من سنة 2010، ليمتد لهيبه إلى
مشارق الأرض ومغاربها معلنا عن بدء عهد جديد الكلمة فيه للشعوب، وما لم نتخلّ عن
المنطق المغلوط الذي يعتبر الإسلام منطلق كل المفاهيم والقيم والتنظيمات.
إنّ هذه
الرقعة الجغرافيّة الصغيرة من الكون قد ورثت أمجاد العهد البوني أمثال أفراد عائلة
يرقة وأشهرهم أميلقار وحنّبعل وحنّون الذي أنجز أوّل رحلة بحريّة طويلة حملته إلى
سواحل غرب إفريقيا وجعلته يدرك حدسا أن إمكانيّة كون الأرض مستديرة الشكل أمر
وارد، والعالم ماغون مؤلّف أوّل موسوعة فلاحيّة في التاريخ البشري ، وكذلك الأدباء
والمبدعون في العهد الروماني أمثال القديس أغسطينوس والكاتب ترتوليانوس، الذين
أثريا مكتبة الدراسات اللاّهوتية والأدبيّة المسيحيّة، إلى جانب الشعراء والفنّنين
والمهندسين والمعماريين والحرفيين الذين ما زالت مآثرهم قائمة الذات إلى يومنا
هذا، تدلّ عليها ما سلم من أيدي النّاهبين من آثار المسارح والمعابد والحمامات
والقصور والمنشآت المائيّة.أمّا رموز العهد الإسلامي فهي أكثر مما يُحصى ومنها على
سبيل المثال الإمام سحنون والبهلول بن راشد والقاضي عياض وعبد الرحمان بن خلدون،
وصولا إلى رواد الحداثة في القرن التاسع عشر أمثال الجنرال خير الدين التونسي والمؤرخ
أحمد بن أبي الضياف محرر قانون إلغاء العبيد سنة 1846، وعهد الأمان سنة 1857
ودستور 1861 الذي سبق الدستور التركي بخمسة عشر سنة، وسليمان بوحاجب والجنرالين
رستم وسليم، والمصلح الطاهر الحداد ومؤسس الحركة النقابيّة التونسيّة محمد علي
الحامي، وروّاد التاريخ المعاصر أمثال المصلح الاجتماعي الطّاهر الحداد ومؤسس
الحركة النقابية التونسية محمد علي الحامي والزعماء السياسيين أمثال الأخوين باش
حانبة وعبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة ومحمود الماطري وصالح بن يوسف وفرحات
حشاد وعلي البلهوان، ومنارات الدراسات الدينيّة من الأب والإبن أبن عاشور والشيوخ
جعيّط والنيفر وابن الخوجة وغيرهم كثر.
فهل
تجاهلت القيادة النهضويّة ما راكمته البلاد طوال آلاف السنوات من التجارب السياسية
والدستوريّة وتقوقعت في ظل كابوس نظام الخلافة، تحلم بإعادة إنتاجه، لأنّه في
رأيها غاية المنى يهون لتحقيقه ازدواجيّة الخطاب والتغرير بالرأي العام، الذي اعتبره
أحد الملاحظين للشأن السياسي خيانة مؤتمن. وهل لا زالت تعتقد أنّ الأهم والأوكد
إنّما هو إرساء نظام ماضوي ما أنزل اللّه به من سلطان، ولا يعدو أن يكون غير
اجتهاد في سياق معين، في زمن معيّ، ليس صالحا للاستعمال ضرورة إذا ما أخرج من
سياقه.
وزرنا" الأول حمادي الجبالي، ذو الصلاحيات "العريضة"، في تنبكو |
II. السلفيّة المتشددة وتواطىء حزب حركة النهضة الخفيّ معها
لا
أحد ينكر اليوم نجاح التيّار السلفي هذه المرّة في تحريك الساحة السياسية التي
خرجت من سباتها منذ الثورة، وذلك لما أحدثته من ردّة فعل المجتمع المدني والأحزاب
العلمانيّة وجرّها إلى مناقشة قضايا افتعلتها وطرحتها للجدال، بعد أن خلنا أنّنا
تخلّصنا من تبعات المنشور عدد 108 لسنة 1981، المانع ارتداء"اللّباس
الطّائفي" في المؤسّسات التعليميّة والإدارية، وحتى في الشوارع، بفضل جرعة
زائدة من التفاني Un excès
de zèle من قبل
حرّاس النظام القائم، غير المعنيّين بشعار"الشرطة في خدمة الشعب".
لقد نجح
التيار السلفي في إرباك الساحة السياسيّة بلفت الأنظار إليه وطرح نفسه كمعطى سياسي
جديد لا يمكن تجاهله في أي عمليّة حسابية سياسية، وأنّه لم يعد ذلك ذلك الطرف
الثانوي في الفعل السياسي. ومن أجل تأكيد ذلك افتعل قضيّة النقاب التي انطلقت
شرارتها الأولى من كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بمدينة سوسة، والتي لم تكن
عمليّة فرديّة ومعزولة كما أرادت حركة حزب النهضة إيهامنا بذلك، بل كانت أولى
الخطوات لتمشّي محبوك يتنزّل ضمن رؤية سياسيّة شموليّة تستهدف بنية المجتمع
التونسي ونمط عيشه الذي يعتبرونه لا إسلاميّا، ممّا يستوجب إرجاعه إلى النمط
الإسلامي وذلك بتطبيق الشريعة إرجاعا هو في رأيهم فرض عين على كلّ فرد واجب القيام
به من خلال بوّابات العقيدة والعبادة وشكل اللّباس النسائي، انطلاقا من قراءة خاصة
لآيات قرآنيّة أُخرجت من سياقها التاريخي والموضوعي وإسقاطها على سياق مُخالف، وانطلاقا
تحديدا من آية تتعلق بالخمار الذي لم يحصل بين الفقهاء القدامى والمعاصرين اتفاق
حولهُ وحول معنى كلمة "جيب". فضلا على أنّ الفقهاء المعاصرين لا يرون في
النقاب واجبا شرعيّا على المرأة التمسُّكُ به، بل أنّ أكثرهم يميل إلى ارتداء
الحجاب الذي لا يمنع المرأة من المشاركة في الحياة العامّة، والذي يختلف الكثير من
الكثير من المفكّرين في شأنه ولا يراه العديد منهم لباسا إسلاميّا أصلا.
وفي
الحقيقة فإنّ قضيّة النقاب تتنزّل ضمن رؤية السلفيين للشكل الذي يجب أن يكون عليه
المجتمع الذي تحتلّ فيه المرأة مركز الجدال بينهم وبين الحداثيين والعلمانيين
وغيرهم من ألوان الطيف الفكري. فالسلفيّون يرون أنّ المرأة مثار فتنة دائمة، لذا
فإنّ مواراتها عن الأعين هو الحلّ الأنجع لدرء ما يمكن أن يتسبّب فيه وجودها في
الفضاءات العامّة، سافرة الوجه من سلبيّات.
وهنا
نصل إلى مربط الفرس، وهو أنّ السلفيّين يرون ضرورة عزل المرأة عن بقيّة المجتمع،
ويعتبرون أنّ البيت هو مكانها الطبيعي، فيه تعتني بالأطفال، وتسهر على متطلبات
الأسرة، أمّا الاختلاط بين الذكور والإناث فإنه لا يؤدي إلاّ إلى الوقوع في
الموبقات، لذا يتوجّب الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليميّة بكل درجاتها،
وتكليف الأساتذة الرجال بتدريس الذكور، بينما تُكلّف الأستاذات بتدريس الإناث،
مستلهمين رؤيتهم تلك من منهج حدد خطوطه الكبرى الفقيهان الأصوليّان أحمد بن حنبل
وابن تيميّة، وقد أسّس الأوّل أحد أشهر المذاهب المعتمدة عند المسلمين، خاصّة في
الجزيرة العربيّة، وبلور الثاني المنهج الذي يسمّى اليوم سلفيّا.
ثم ان
قضيّة النقاب التي أفضت إلى تعطيل الدروس وغلق المركّب الجامعي بمنّوبة ليست سوى
حلقة من مسلسل بدأت أهمّ حلقاته منذ شهر فيفري 2011، وحاولنا ضبطها في الجدول
التالي :
التاريخ
|
الحدث
|
المكان
|
السبب/ المطالب
|
17
فيفري 2011
|
تظاهر
مجموعة من السلفيين رافعين الرايات السوداء، رابطوا أمام البيعة اليهوديّة
|
شارع
فلسطين، تونس العاصمة
|
المطالبة
بتهجير اليهود التونسيين من البلاد
|
18
فيفري2011
|
مهاجمة
المومسات وتعنيفهنّ والمطالبة بإغلاق المواخير
|
تونس
العاصمة وعديد المدن الأخرى
|
اعتبار
تواجد "أقدم مهنة في العالم" عار في المجتمعات الإسلاميّة
|
8أفريل
2011
|
الاعتداء
الجسدي على المخرج السينمائي التونسي النوري بوزيد
|
مدينة
تونس
|
اعتباره
يساريّا ملحدا وأحد رموز التيار اللاّئكي
|
جوان
2011
|
مهاجمة
المصطافين في الشواطئ وتحريم اختلاطهم بالمصطافات، ومهاجمة حفلات تحييها بعض
العائلات احتفالا بنجاح أبنائها في الامتحانات الوطنيّة
|
الشواطئ
التونسيّة وعديد المدن الداخليّة أساسا
|
منع الاختلاط
بين الذكور والإناث، والسباحة بثياب لا يستر العورة واعتبار إقامة الحفلات بدعة
|
26 جوان
2011
|
مهاجمة
قاعة العرض السينمائي أفريك-آرت لمنع عرض شريط"لاربّي لسيدي" للمخرجة
نادية الفاني
|
قلب
تونس العاصمة
|
الإعتراض
على الإبداع الفنّي إذا كان لا يتماشى مع تعاليم الشريعة الإسلاميّة، واعتراف
المخرجة بعدم
ه تصريح المخرجة بعدم إيمانها باللّه |
6 أوت
2011
|
الاعتداء
على تجهيزات مقهى فتح أبوابه للمفطرين في شهر رمضان
|
مدينة
جندوبة
|
الاعتراض
على من لا يقوم بالفرائض الدينيّة ومن لا يستتر إذا عصى
|
أوت
2011
|
إفساد
مسيرة سلميّة لمحامين يطالبون بضمان الحريّات الفرديّة
|
نهج باب
بنات، تونس العاصمة، أمام قصر العدالة
|
الاعتراض
على محاكمة السلفيين الذين اعتدوا على قاعة السينما أفريك-آرت
|
23 أوت
2011
|
إفساد
محاضرة يلقيها الفيلسوف والمفكّر يوسف الصدّيق
|
تونس
العاصمة
|
معاداة
الفكر الحداثي الذي يعتبر يوسف الصديق أحد رموزه
|
5
أكتوبر 2011
|
اقتحام
كليّة الآداب وترهيب الإطارات البيداغوجيّة والإداريّة بها
|
مدينة
سوسة
|
فرض حق
المنقبات في الدراسة
|
9
أكتوير 2011
|
مهاجمة
مقر قناة نسمة التلفزيّة ومحاولة اقتحامه وتهديد العاملين فيه
|
شارع
محمد الخامس، تونس العاصمة
|
الاعتراض
على الفكر النيّر الذي تروّج له البرامج التي تبثّها القناة
|
14
أكتوبر 2011
|
التظاهر
احتجاجا على قناة نسمة
مهاجمة
منزل مدير القناة وإتلاف محتوياته والشروع في إضرام النّار فيه
|
تونس
العاصمة وضاحية سكرة
|
الاحتجاج
على عرض القناة فلم الصور المتحركة "برسيبوليس" الذي يعرض مخرجه صورة
للذات الإلهية لبضع ثوان
|
18 أوت
2011
|
مقاطعة
دروس اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانيّة في كليّة الشريعة وأصول الدين
|
تونس
العاصمة
|
عدم
تحجب الأستاذات
|
20
أكتوبر 2011
|
إفساد
مسيرة سلميّة رفعت شعار"أعتقني" تنادي باحترام الحريّات العامّة
|
مدينة
القيروان
|
عدم
الموافقة على حريّة التعبير
|
30
أكتوبر 2011
|
منع الاختلاط
داخل المطعم الجامعي، وتقسيمه إلى قسمين،قسم للطلبة وقسم للطالبات
|
كليّة
العلوم بمدينة قابس
|
التصدي
لمظاهر الانحلال الأخلاقي بالجامعات التونسية
|
15
نوفمبر 2011
|
مهاجمة
المعهد العالي للفنون والحرف وتهديد أستاذة بالقتل
|
مدينة
القيروان
|
الإعتراض
على عرض منسوخات للوحات الرسّام الإيطالي مايكل أنجلو
|
18
نوفمبر 2011
|
اعتداء
تلامذة في التعليم الثانوي على أستاذة التربية التشكيليّة وتهديدها بالإبادة هي
وأمثالها
|
معهد حي
التضامن، تونس العاصمة
|
اعتبار
متعاطي الفنون الجميلة كفّارا، وإقامة الحد عليهم واجب
|
19
نوفمبر 2011
|
التهديد
بالإبادة لطلبة المعهد العالي للفنون الجميلة
طرد
"جمعيّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" والتي لم تتأسّس بعد أستاذة
الأنتروبولوجيا التي عُيّنت على رأس إذاعة الزيتونة الدينيّة
|
مدينة
تونس
|
// //
// //
اعتبار
الأستاذة غير مختصة في الدراسات الإسلاميّة
|
28
نوفمبر 2011
|
تضامن
طلبة من التيار السلفي مع زميلتهم المنقبة والتي رفضت كشف وجهها للتعريف بنفسها
قبل إجراء الامتحان
|
المركب
الجامعي بمنوبة، تونس العاصمة
|
المطالبة
بالسماح للمنقبات بالدراسة دون الكشف عن وجوههنّ للتثبّت من هويّتهنّ، وتخصيص
مصلّى للطلبة، وتكليف أساتذة رجال لتدريس الطلبة الذكور، وأستاذات لتدريس
الطالبات
|
ملاحظة : أوقفت هذا
الجدول في منتصف شهر ديسمبر 2011.
وللتذكير فإنّ حزب حركة النهضة
واجهت الأحداث التي افتعلها السلفيّيون امّا بالصمت الذي ينمّ عن التأييد أو
بتبرير غير مقنع يعتبر أنّ ما حدث ليس سوى حدث معزول لا يدعو إلى كلّ ذلك "التهويل"
من قبل مكوّنات المجتمع المدني، ممّا يدلّ دلالة قطعيّة على التواطىء الخفيّ بين
النهضويّين والسلفيّين إن لم نقل اتفاقا ضمنيّا بين طرفين يرتويان من ضرع واحد وهو
السلفيّة، ويتقاسمان الأدوار، طرف مهمّته التنظير والقبول بالمشاركة في العمليّة
السياسيّة والدخول في العمليّة الانتخابية للظهور بمظهر الديمقراطي، وطرف يقوم
بدور الأداة العسكرية، تفتعل الأزمات وترهّب المجتمع المدني وتضغط عليه لفرض نمط
العيش السلفي.
لا أدلّ
على ذلك من مواقف زعيم حركة حزب النهضة الشيخ راشد الغنوشي التي نُشرت بتاريخ 14
نوفمبر 2011 بالجريدة الإلكترونيّة السعوديّة "كلّ
الوطن"، والتي مجّد فيها أكبر دعاة الوهابيّة الشيخ عبد اللّه بن باز رئيس
الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة، و هو الذي سبق أن كفّر الزعيم الحبيب
بورقيبة واعتبره مرتدا ووافقه في فتواه تلك عدد من أهل العلم والإفتاء في العالم
الإسلامي من بينهم الشيوخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصريّة، وأبي الحسن الندوي،
وعبد اللّه بن حميد، والأستاذ محمد المجدوب، وعبد اللّه المطوّع، وعصام العطّار،
وعبد اللّه بن إبراهيم الأنصاري، بل أنّ الشيخ عبد اللّه المطوّع قد دعا الجامعة
العربيّة وقتئذ إلى تشكيل محكمة لمحاكمة الرئيس التونسي وقطع العلاقات معه. وعبّر
الشيخ الغنّوشي في الجريدة عن تعلّقه بالوهابيّة وبالتيّار السلفي المتشدد من خلال
إشادته برموز السلفيّة في الجزيرة العربيّة، والترحّم على أرواح من التحق منهم
بالدار الآخرة.
كلّ هذا
بعد أن صرّح في تونس بدعمه للمجتمع المدني ووعد باحترامه للحريّات العامة وعزمه
على مزيد دعم مكاسب المرأة التونسيّة.
فهل ما
زال بعد كلّ هذا من يفرّق بين حركة حزب النهضة وبين الحركة السلفيّة؟
وهل ما زال من يصدّق تصريحات
النهضويين المتعلّقة ببناء مجتمع مدنيّ وعدم مساسهم بالمكتسبات المجتمعيّة للتونسيين؟
وتبقى
الإشكاليّة المطروحة اليوم، بعد كلّ هذا: هل أنّ النموذج السلفي صالح لتونس اليوم؟
أم هل بإمكان السلفيين التخلي
عن التشدد الذي يميّز تحرّكاتهم، والقبول غدا بقانون اللعبة الديمقراطيّة، ومراجعة
قناعاتهم الماضويّة والانخراط في عمليّة التوافق بين العلمانية والإسلام
والديمقراطيّة، والانصهار الفعلي في المنظومة السياسيّة التي تفرض التقيّد
بالقوانين التي منها احترام الحريّات الفرديّة كحريّة التعبير وحريّة اللّباس
وحريّة الإبداع العلمي والفنّي والأدبي؟
تلك حكاية أخرى ...
سيــكشف الصنــندوق في المــرة القــادمة مــوقف المواطن التونسي من الاسلاميين و أنصــارهم ومنــاهضيــــهم عــــندها سنتأكــد من هي النوعيـــة الغالبة في المجتـــمع هـــل هي أحفـــاد بني هلال وبني ســليم أم أحفــاد الرومـــان
RépondreSupprimerأحفاد بني هلال و بني سليم الذين خربوا البلاد و قضوا على الأخضر فيها و قطعوا الأشجار التي كانت تمتد من قابس إلى قمودة و التي يقول عنها البكري في كتابه أنها كانت غابات متواصلة بدون إنقطاع أم أحفاد الرومان الذين خلفوا لنا حضارة مازالت آثارها قائمة الذات إلى اليوم ? أما الصناديق التي ذكرت فمتى كانت
RépondreSupprimerتفرز غير الغباء في المجتمعات الجاهلة لتاريخها