mercredi 11 janvier 2017

أيّ عالم نعيش؟

سُؤال يُقضّ مضجعي منذ سنوات ويُلحّ على دائرة تفكيري.. يقتحم مجال مشاغلي،  في أي وقت يُريد، ودون إستئذان  بحثا عن إجابة ضافية شافية لما يحدُث على مسرح معيشنا من مشاهد وفُصول لم نعهدها من قبلُ ...
السؤال هو التالي: أيّ مشروع حضاري بانتظار أبنائنا وأحفادنا، تُبشّر به أحداث غريبة هنا وهنالك كالانتفاضات والمظاهرات الصاخبة والحروب الأهلية، وعمليّات الشد والجذب بين القوى العظمى، المُتضاربة المصالح و المُتنفذّة في مصائر البلدان المُستضعفة ؟

لوحة ل إريك لاكومب
http://www.ericlacombe.com/

وسائل إعلام مُعيّنة، بكل لغات العالم، لا تتوقّفُ على مدار الساعة عن عرض أكثر المشاهد فضاعة فننقاد إلى 
متابعتها رغما عن أنوفنا، عاجزين عن منع أطفالنا من مُشاهدتها، كأنّنا أضحينا مأخوذين بسحر، لا نفهم تأثيره علينا، حوّلنا إلى مُدمنين على مشاهدة الدماء المُتدفقة من عمليّات التفجير، وعمليّات جمع الأشلاء المُبعثرة والعقارات المُهدّمة والسيارات المتفحّمة، وأدخل على شخصيّاتنا تحوّلا جينيّا، لا يرى العُنف إستثناءا، ولا ينزعج من إنقلاب المفاهيم والقيم، تحوّلا أفرز "إنسانا" جديدا مُغايرا لذلك الإنسان الذي عمّر أرض الله منذ ظهور الإنسان المُفكّر...
إنّها الثورة، إنه الإنقلابُ الكلّي للمفاهيم ولنمط الحياة، ولكل شيء على وجه الأرض ... إذا تحوّل  ما كان خارقا إلى أمر عادي، فتلك هي  الثورة...  هذا ما كان يُردّده  الزعيم الكوبي الراحل فيدال كاسترو...
حرب أهليّة لا تنتهي انخرطت فيها فصائل مُعارضة لنظام قائم وفيالق جهادية – إرهابيّة ، كلها تحظى بمساندة وتمويل من قبل قوى عظمى وأخرى إقليميّة ...
حركات تحررية تقودها فصائل شيعيّة الهوى في زمن أصبح لكل شرعيّته،  تُواجه بشراسة تحالُفا عربيّا أرغمت بعض الأقطار العربيّة على الإنخراط فيه حفاظا على توازُناتها الإستراتيجيّة وعلى علاقاتها مع الإخوة الأشقّاء ...
غارات جوية لبلدان عظمى ترفع شعار الحرية والديمقراطية وتتغنى بأهزوجة حقوق الإنسان ، وتُقدم نفسها على أنها ذروة ما وصلت إليه  الإنسانية من تقدم وتحضّر في القرن الواحد والعشرين، تستهدفُ أنظمة"شرعيّة"، تُلح على إسقاطها، وتشنّ عليها أبشع الهجمات الجويّة، من غير إذن مُسبق من مجلس الأمن، بداعي أن زعماء تلك الأنظمة دكتاتوريون ومُستبدون بشُعوبهم، فتُسقطُهم وتمثل بجثثهم شنقا واغتصابا على مرأى ومسمع من العالم، قبل أن تُفسح المجال لتسرّب فيالق القتلة والمرتزقين، ليُعيثوا في الأرض فسادا، قتلا وتفجيرات واغتصابات ... فيأتون على الأخضر واليابس، ويحولون أقطارا إلى حُطام باسم دين حوّلوه رمزا للعُنف وسفك للدماء، ويحكموها بقوانين أخرجوها من كُهوف الجهالة والغطرسة والتحجّر الفكري والتّأويل الأعرج لشرع الله ...
يوميّا تجدُنا، ورغما عن أنوفنا،  نُتابعُ  مشاهد مُقرفة، تقشعرّ من هولها أجساد أكثر الآدميّين صلابة، فتُحدثُ في أعماقنا شُروخا قد لا تندمل أبدا، و الله وحد عليم  بتأثيراتها علينا آجلا وعاجلا ...
أيّ عالم هذا الذي أصبحنا نعيشُ على وقعه السريع ؟
وبأي مشروع حضاريّ يبشروننا لقادم السنوات؟
إنتفاضات... ثورات... أدرجت في خانة اتّفق على تسميتها "ربيعا"، لكنه ربيع اقتصر على أقطار عربية مُعيّنة  ولم يمتد إلى أقطار لا تزالُ  تعيش أوضاعا مُزرية في آسيا وأمريكا اللاتينيّة ...
مظاهرات لا تتوقف منذ سنوات ... إعتصامات تقطع الطرقات وتُربك أجهزة الإنتاج ... محاولات انتحار جماعي ... أرباك لمراكز الحكم وللماسكين بدواليب السلطة أفرز "أيادي مُرتعشة" مقيّدة عن أخذ القرارات الحاسمة ...وعن تطبيق القانون ... وتبرزُ في صورة  المُتواطئ مع كل الخروقات ما انجر عنه تدهور جميع أنواع الخدمات والسعي الحثيث نحو الإفلاس المادي والمعنوي ...
 أمن لم يعُد "مكفولا" ... سُلوك مُواطنيّ لامس أدنى درجات التحضّر، إن لم نقل سقط في هاوية التهوّر و ... الوحشية البدائيّة ...
إنفجارات بأحزمة ناسفة وبسيّارات ملغومة،  شملت المساجد والكنائس والملاهي الليليّة والتجمعات البشرية  في الأسواق  والمنتجعات السياحيّة على حد سواء. فإلى أين المفرّ؟
أي عالم هذا الذي نعيش؟
عالم بلغ من التشعّب حدّا  لم يعد الكثيرون  قادرين معه على مُواكبة الأحداث واستيعاب المُستجدّات ... عالم سريع الإيقاع، يسود فيه  منطق العنف والخراب والدمارعلى منطق التعقّل والمُثل العليا والمبادىء السامية ...
عالم هزمت فيه العنهجيّة والهمجيّة، التعقّل والتأمل والتريّث، فخمد صوت الحكمة وطفا على السطح صوت التحدي والإرهاب والتخريب وصوت التكفير في زمن التفكير،وأضحت الفوضى عارمة وإن كانت عند البعض "خلاّقة" ...

ولادة في الحرب ل وسام الجزائري
https://www.instagram.com/wissam.al.jazaeri/

شواهد على حضارات عريقة دُمّرت في العراق وفي سوريا وفي اليمن ... متاحفُ نُهبت وأفرغت من محتوياتها لتُباع جهرا على شبكات التواصل الإجتماعي ...
حضارات ومُنشآت وبنى تحتيّة دُمّرت بسابقيّة الإصرار والترصّد، تنفيذا لعمليّة خُطّط لها بإحكام،  ونُسجت خيوطها من قبل مراكز التخطيط الإستراتيجي للقوى العُظمى المُتحكّمة في العالم، قبل أن تُستحدث الأزمات وتُفجّر بُؤر توتّر بنفخها في رماد الفتن فتوقد نيرانها الخامدة وتهيّىء الأسباب الموضوعيّة لتدخّل جيوشها مناصرة لأطراف على حساب أطراف أخرى ، تُزوّدُها بالإستشارة العسكريّة وبالعتاد الحربي، الذي تبيعه في ذات الآن لمُنافسيها ...فتغنم جرّاء ذلك ويزداد إنتاج مركباتها العسكريّة – الصناعيّة ، ويتطوّر البحث العلمي في المجال العسكري وتُنفّذ آخر التطبيقات التكنولوجيّة، وينتُج عن هذه العمليّة الشيطانيّة  في نهاية المطاف النموّ الإقتصادي والرفاه الإجتماعي على حساب المُعذّبين في الأرض من مُواطني الأقطار المسحوقة.
أيّ عالم نعيش؟
أزمات تعقُبها أزمات منذ نهاية ثمانينات القرن المنصرم... تحرّرت البلدان الإشتراكية بشرق أوروبا وانسحبت من مظلة المُعسكر الشرقي، ثم تفكك الإتحاد السوفياتي وبتفككه إنهارت المنظومة الإشتراكية بعد التجربة الغورباتشوفية في ظل البيريسترويكا وفي إطار القلاسنوتس، ما جعل الرئيس الأمريكي رونالد ريغن يُعلن بنبرة انتصاريّة نهاية "الحرب الباردة" بين القوّتين العُظمتين. ثم دخلت الولايات المُتحدة الأمريكية في تنافُس حاد مع الإتحاد الأوروبي الناشىء بخصوص المواد الفلاحيّة، وحريّة المُبادلات التجارية ...
في الأثناء ظهرت أشباه أوبئة تُهدد الإنسانيّة، انطلقت  من خطورة تفكك طبقة الأوزون في بعض المناطق من الفضاء المُحيط بكوكب الأرض وُصولا إلى لدغات زيكا القاتلة، ومُرورا بوباء الإيدز و بإشكالية البُذور المُحوّلة جينيّا ،وبمشاكل الطاقة الجديدة والمُتجدّدة، وبجنون البقر،وبأنفوانزا الطيور، وبالأيبولا ....
فأيّ عالم نعيش؟
عالم، إذا ما استثنينا بعض أقطار أوروبا الشماليّة و شمال القارة الأمريكيّة، يعيش أزمات مُتفاوتة الحدّة ومُتعدّدة الأبعاد، سياسية، إجتماعيّة، أخلاقيّة صحيّة، إقتصادية، نفسيّة، غذائيّة ، أمنيّة ... في ظل حيرة ورداءة مُتفاقمتين يوما بعد يوم تنعدمُ معهما الثقة في مُستقبل يراه كثيرون قاتما، مُدلهمة آفاقُه ...
فما السبيل إلى الخروج من هذا النفق؟
ومن سيقُود مسيرة الإنقاذ؟
وكم من وقت تستغرق تلك العمليّة؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire