العُنف، الإرهاب، لم يولدا في الحقيقة
مع "ثورة الحُريّة والكرامة"، بالشكل الذي نعيشُه اليوم، ذلك أن البلاد عاشت
عُنفا أو إرهابا سياسيا اهتزت له أركان البلاد في مطلع ستينات القرن الماضي، وقعت
حيثيّاته خارج الديار، ونعني اغتيال الزعيم صالح بن يوسف بأمر من خُصومه السياسيين
في الحزب الدستوري الحاكم آنذاك، والذي لا يزالُ لوقعه أثر في أعماق "
اليوسفية " وفي أعماق "غير اليوسفية " ممن يُعادون اللجوء إلى
العنف والإرهاب والاغتيال في العمل السياسي.
ثم عاشت البلاد فترة من الهدوء خلا
فيها المسرح السياسي من العنف باستثناء "العنف الشرعي"، عنف الدولة
المُسلط على مُعارضيها من الطلبة
اليساريين الذين عرفوا المنافي والسجون مهم في عنفوان الشباب، وأنصار الإتجاه
الإسلامي الذين لجؤوا بدورهم إلى العنف ممارسة برشّ خُصومهم بماء النار في مدينة
تونس وإضرام النار في مقر لجنة التنسيق الحزبي بحي باب سويقة، نتج عنه وفاة أحد
حراس المقر، وتفجيرات مُنتجعات سياحية بمدينتي سوسة والمنستير هندس لها أحد قيادي حركة حزب النهضة والذي ترأس لاحقا حُكومة الترويكا لمدة سنة تقريبا.
في أواخر العهد البورقيبي حوكم الإخوان
وزُجّ بهم في السجون لتدخل البلاد فترة هدوء لم تشُبه سوى عملية قفصة بتخطيط من
نظام القذافي كرد فعل لإحباط مشروع الوحدة بين البلدين والذي أمضيت وثيقته بجزيرة جربة.
في عهد الرئيس ابن علي عاشت البلاد
قضيّتين هما قضية " برّاكة الساحل " في بداية التسعينات والتي قُدم فيها
للمحاكمة مجموعة من الضباط العسكريين وعدد من الإطارات الأمنيّة المُنتمين لحركة
الاتجاه الإسلامي بتهمة الضلوع في محاولة لقلب النظام السياسي، وكذلك قضية سليمان.
لذا بالإمكان القول أن البلاد عاشت
بمنأى عن الهزّات الإرهابية للجماعات المُتطرّفة دينيّا بفضل القبضة الحديديّة
التي كان ابن علي يُسيّر بها شُؤون البلاد.
إرهابيو الأمس حكامنا المصدر : http://www.samibenabdallah.info/2011/12/15/le-proces-des-islamistes-en-1987-en-tunisie/ |
لكن خلال السنتين الأخيرتين 2011-2012
و2012-2013 وبداية سنة 2014 أصبح الإرهاب ظاهرة يتكرر وقوعها في مناسبات مُتقاربة
في الزمن ما أدخل الحيرة إن لم نقل الرعب في قلوب عامة المُتساكنين وأصبحت الأسئلة
الأكثر ترددا على الألسُن:
- إلى أين سيجر هذا العنف والإرهاب المتكرر البلاد؟
- ولماذا عجزت المصالح الأمنيّة عن قطع دابره وإراحة النّاس من تداعياته؟
ليس من اليسير الإجابة عن هذين
السّؤالين ما لم تتضح الرؤيا بخصوص الجذور المُغذية للإرهاب في بلادنا خلال
السنتين الأخيرتين لنتبيّن بعض سُبُل معالجتها.
أصبح من البديهي القول أن الإرهاب
تجاوز الإطار المحلّي ليُشكّل حلقة من مُخطط عالمي الأبعاد كانت حربُ أفغانستان ضد
الإكتساح السوفياتي أولى محطّاته لتعقبها
حرب الغرب على العراق وهي في الحقيقة أسّ نظرية الفوضى الخلاّقة التي أرسى قواعدها
الأولى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قبل لن تتجسم ملامحها في عهد
كونداليزا رايس، ما يعني أن المناخ الممهد
للإرهاب في بُعده الديني، وهو الذي يعنينا
الأكثر، قد توفر ليكون رد فعل من قبل المسحوقين ضد قوى الظلم والاضطهاد والتعسّف
وكل القوى" الكافرة" والتي تجوز مقاومتها برفع السّلاح.
بعد ثورة 17-14 في تونس لا حظنا
بالعين المجردة تزايد أنصار التشدد الديني من خلال مظهرهم الخارجي: ارتداء الفتيان
للحجاب ثم النقاب وقضية كلية منوبة وتوريد عميدها في قضية اتهم فيها بالعنف تجاه
طالبة، وارتداء الشبان لأقمصة مُورّد أغلبها تُلبسُ فوق سراويل قصيرة مع انتعال
أحذية خفيفة وإطلاق للّلحى حسب أشكال مُختلفة، وحتى من خلال بعض الأنشطة التجارية
التي اتخذت من المساجد فضاء لعرض " البضائع الحلال" من عطور وبخور
وألبسة وكتب وحتى بعض الخلطات المقوية جنسيا والتي تُلاقي إقبالا من الرجال.
المصدر : http://blog.paris-hallal.com/index.php/2013/12/10/tunisie-des-sex-shops-halal-devant-les-mosquees/ أمام المسجد، تجارة جنسية حلال |
ثم تتالت الأحداثُ التي ساهمت في
تصلّب عود المُتشددين دينيا.
... أحداث و عوامل يمكن تقسيمها لأحداث و عوامل تأتينا من الخارج و أخرى داخلية